لقد أكرم الله الانسانية كلها باختياره سيدنا محمدا نبيا ورسولاً وأنزل عليه “القرآن” العظيم مفتتحاً ذلك بقوله تعالى : {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، {وربُّك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخِيرة}.
لقد أكرم الله الانسانية كلها باختياره محمداً وسلم نبيا ورسولاً وخاتما للرسالات، وأنزل عليه القرآن العظيم مفتتحاً وحيه بقوله تعالى : {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم}، إذاناً بميلا حضارة القلم والفكر والعقل والعلم وقد شاهد العالم ميلاد هذه الحضارة التي تقوم أساساً على إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الفرد الصمد الواحد الأحد. وهكذا أصبحت الأنوار القرآنية والهداية المحمدية تنتشر شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً فماكاد القرن الهجري الأول ينتهي حتى كان جل المعمور تحت راية القرآن.
وقد أمرنا اللّه باتباع رسوله وجعلَ اتّباعَه دليلاً على حبنا لله {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم}(آل عمران : 30- 31).
كما قرن طاعته سبحانه وتعالى بطاعة رسوله في عدة آيات وقال تعالى : {من يُطع الرسولَ فقد أطاع الله}(النساء : 80).
والاتباع والطاعة معروفان وضدهما الابتداع والمخالفة والامتناع والمعصية والخروج والتمرد على أمر الله ونهيه..
فالاحتفال الحق يظهر في ثمرته، وثمرة الاحتفال بالمولد النبوي هو في إحياء سنته واتباع هديه ونشر شمائله بين الأجيال عبر الإعلام وفي المدارس والجامعات والمعسكرات والثكنات والاهتمام بسيرته المعطرة ليس فقط في يوم أو يومين من السنة بل في سائر الأيام، ويجب أن تكون مناهجنا المدرسية وغيرها تترجم حقيقة هذا الاحتفال وإلا فالأمر ادعاء ومظاهر!!
ويا رسول الله ها نحن نقيم ذكرى مولدك الميمون في المساجد والزوايا والتكايا، ونزين الشوارع بالأضواء، ونملؤها بالتهليل والتكبير والتصلية والصياح، ونسهر ليلة المولد إلى الصباح بالذكر والأمداح، وصنوف الحلويات والمشارب والأقداح، ونصبح وقد علا محيانا الحبور والانشراح معتقدين أن حبنا لك يا رسول الله قد بان بالدليل الصراح، والله يعلم أننا أصبحناأشدّ تصميماً، وأكثر إصراراً على مخالفة كتاب الله وهدي سنتك مع كل مساءٍ وصباح، لا نبالي بأوامر الله ولا بنواهيه ولا نعير لسنتك الكريمة وتعاليمك النبيلة أي اهتمام، فالربا لا تزيد إلا انتشاراً وسيطرة وفتكاً والقمار بأنواعه يزحف على مجتمعنا، حتى في فلسطين المجاهدة فقدأسست السلطة التقدمية في الأرض المباركة كازينو القمار يضاهي الذي سيؤسسه اليهود بطنجة المعروفة في التاربخ برباطها وجهادها، طنجة حيث كان طارق بن زياد ] يعد العدة لنشر الإسلام في غرب أوربا.
أما الخمور والمخدرات والزنا العلني والاعلام الفاحش والأفلام الخليعة والسب في الدين والملة وفي الرب وفي رسول الله فأمور قد أصحبت عادية نعايشها كأنها في كياننا ومن أسس مجتمعنا.
يا رسول الله إنا لنستحيي أن نحتفل بميلادك ومبعثك ونحن أمة ضائعة تائهة تافهة قد فرطنا في عزتنا وانغمسنا في ملذاتنا ونتنافس في خضوعنا للكفار ونتقاتل بأمرهم ونتصالح بأمرهم ونفتك بالصالحين منا بأمرهم ونستدين منهم بأمرهم ونقيم الديمقراطية بأمهم ونقوض الديمقراطية بأمرهم ونسبح بكرة وصيلاً بأمرهم.
يا رسول الله إن أعراضنا أصبحت مستباحة في الداخل والخارج، وأبناؤنا أصبحوا عرضة للغرق في المجاز، وللسجون والهوان والطرد إذا ما حققوا الاجتياز، وإن علماءنا وخبراءنا وحكماءنا بين منزَوٍ في بيته وبين مهاجر إلى ديار الغربة ليخدم غيره لأنه سيم في وطنه وذل بين عشيرته وبخلعليه قومه فلم يجد إلا بلاد الغربة ملاذاً حيث وجد العمل والتقدير والاهتمام ولم يبق منهم إلا من رضى أن يكون خِدْنَ العير والوتد
ولا يُقيم بدار الذل يألفُها << إلا الذّلِيلان عير السوء والوتد
يا رسول الله سنحتفل في السنوات المقبلة وسنحرق البخور بسخاء وسنقيم المآدب هنا وهناك وسنتفنن في الأمداح ولكننا يا رسول الله مانزال سادرين غافلين منصرفين عن كتاب الله وعن سنتك المطهرة والاقتداء بك وبأصحابك.
نسأل الله ألا نكون ممن تتبرأ منهم يا رسول الله يوم القيامة قائلاً : {سحقاً سحقاً}.
فإذا، والله يشهد، أنّا لعمل هؤلاء من القالين وفي مجاهدتهم من العاملين لسوء أعمالهم من المعلنين وفي الدعاء لنا ولهم بالهداية والصلاح من المتضرعين. وصدق الله العظيم : {كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}.
< د. عبد السلام الهراس