عشنا نصف قرن في ظل ترويج ألفاظ “الحرية” و”الاستقلال” و”القومية” و”الديمقراطية” والتحرر من الاستعمار، و”سحق الصهيونية” و”الوحدة العربية”. وفي أواسط الخمسينيات راجت ألفاظ : “الكرامة” و”دولة الكفاية والعدل” و”الاشتراكية” و”الوحدة” و”التأميم” و”الحكم للجماهير” والتعبئة من أجل القضاء على بقايا الاستعمار وأذنابه وربيبته “اسرائيل”. ثم انهارت الشيوعية فصارت تروج على نفس الاتجاه الحربائي.
“دولة الحق والقانون” و”الشفافية” والديمقراطية والتناوب والتداول وحقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق المعوقين، والحوار الاجتماعي، واقتصاد السوق والخوصصة أو الخصخصة (وكلتاهما خطأ والصواب هو التخصيص) والانفتاح والتفتح والحداثة والعولمة والمجتمع المدني. وهناك ألفاظ أخرى يروجها سماسرة “البُوليتكا” الذين ينتفعون من عهد اليسار وعهد اليمين.ولسنا ندري ما هي الألفاظ والمصطلحات التي ستظهر بعد “استقرار التطبيع” واحتداد سيطرة اليهود على جميع ما يحيط بها من دول الطوق والصمود والتصدي والدول الصديقة التي تقع في المجال الحيوي لدولة المسخ والعار والشنار.
إن الحقيقة المرة التي تجابهنا كل صباح هي أننا لن نذوق طعم الحرية ولا الحق ولا القانون، ولن نشاهد الشفافية ولا كرامة الانسان بل ولا حقوق الآدمية الضرورية في ظل قيادة أبناء الحرباء الذين ينطلقون بأفكارهم من أمعائهم ومصارينهم الغليظة وشهواتهم الدنيئة… إن الذين كانوا بالأمس يحاربون الامبريالية أصبحوا الآن طوع أيديها، فَبِهِمْ تحارب الامبريالية والطاغوتُ الاستعماري الشعوب المستضعفة، وهم يسعون في الأرض فساداً لإرضاء أسيادهم الجدد، في نفس الوقت يحرضونهم على المؤمنين الصادقين المخلصين بدافع التخلص من “الأصولية” التي تهدد “المكتسبات الحضارية” التي أنعمت بها عليهم الامبريالية بالأمس وهوى العولمة اليوم.
إن ثلث الألفاظ التي سرعان ما تتبدل بتبدل “موضة” العصر ومؤشرات المصالح الذاتية المكتسبة إنما هي ألفاظ جوفاء ترددها ألسنة الحرباء وتنعق بها عقول بلهاء ويُصفق لها مأجورون غوغاء وتحميها قوانين خرقاء، أما الأمة والوطن والمصالح العليا والقيم المُثلى والأهداف الشريفة والمقاصد النبيلة، فإن دار ابن لقمان على حالها وإلى الله المشتكى فهو نعم المولى ونعم النصير.