كثر الحديث عن المرجعيات في هذه الأيام التي بَارَتْ فيها جَميع الأطاريح الايديولوجية الوضعية، حيث لم يبق لها بريق ولا لمعان، وهذا ليس غريباً بالنسبة للنِّتَاج البشري الذي يتبدّل حسب الظروف والأوضاع والمستويات، على عكس المرجعية الربانية الإسلامية الصادرة من عند الله اللطيف الخبير العليم الحكيم الذي يَعْلمُ مايَصْلُح للإنسان في كل الأحوال والظروف ومُختلفِ الأجناس والبيئات، فسبحان من بِيَدِه الأمر كُلُّه وإليه المصير.
لكن الغريب هو أن يدّعي أناسٌ من مختلف الشرائح والانتماءات -يمين ويسار ووسط- أن مرجعيتهم هي الإسلام في الوقت الذي لا يومنون بالإسلام حَكَما في كل شيء، في المال والاقتصاد، والسياسة، والحكم، والمجتمع، والأسرة،… لا ندري كيف يفهم هؤلاء الإسلام؟!.
الإسلام دين كامل شامل، فإمَّا أن يُؤْخَذَ كلُّه، وإمّا أن يُترك الانتماء إليه، أمّا أن يُجزّأ أو يؤْخَذ منه المناسب، ويُترك الذي لا يناسب مع أهواء الإنسان فذلك هو الكذب على الله عز وجل، والتحايُل على من لا تخفى عليه من أمورنا خافية، وتلك هي طبيعة السفهاء المعاندين لله تعالى الذين قال فيهم سبحانه وتعالى : {كُلَّما جَاءَهُم رسُول بِما لا تَهْوَى أنْفُسُهم فَرِيقاً كَذَّبُوا وفَرِيقاً يَقْتُلُون}(المائدة) وتوعّدهم الله تعالى بالخزي في الدنيا والآخرة على هذا التجزيئ : {أفَتُومِنُون بِبَعْضِ الكِتَابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفعَل ذلك مِنْكم إلاّ خِزّيٌ في الحَيَاةِ الدُّنّيَا ويَوْمَ القِيَامَةِ يُردُّون إلى أشَدّ العَذابِ وما اللَّه بِغَافِل عمّا يعْمَلُون أُولئك الذي اشْتروا الحياة الدّنْيا بالآخرةِ فلا يُخَفَّفُ عنهم العذَابُ ولا هُم يُنْصرون}(سورة البقرة).
لقد سبقتْنا إلى هذا الافتراء والكذب والتحايل والتضليل أممٌ وأجيال فما أفلحت ولا كان لها ذكرٌ في الصالحين، فكيف تتصوَّرُ هذه السُّلالة أنها ستُفْلِح وهي فَرْعٌ من أصْلٍ فاسِدٍ مُجْتثٍّ من فوقِ الأرض ما له من قرار؟؟
إن عهد الافتراءات قد ولَّى منذُ أقبل فجر الصحوة الإسلامية بضيائه الذي كشف كل زيف وتضليل، ولم يبق أمام هؤلاء الملفقّين بين الإسلام والهوى إلا أن يتوبوا إلى الله تعالى توبة نصوحا، ويتنازلوا عن كبريائهم الايديولوجي، ويدْخلوا بقلوبهم وجوارحهم ومشاعرهم في الإسلام جملة وتفصيلا {يا أيُّها الذِين آمنُوا ادْخُلوا في السّلْمِ كافة ولا تتّبعُوا خُطْواتِ الشّيْطانِ إنّهُ لكم عَدُوٌّ مُبين}(سورة البقرة) وآنذاك تستجيبون لقول الله تعالى {ومَا كَانَ لمُومِنٍ ولا مُومِنةٍ إذاَ قَضَى اللّه ورسُولُه أمْراً أن تكون لَهُم الخِيرةُ من أمْرِهِم}(سورة الأحزاب) وبهذه الاستجابة يعلمون يقينيّاً أن للإسلام طريقا يبتدئ من {اقْرَأباسم ربِّك} وينتهي في {فلاَ ورَبِّك لا يُومِنون حتى يُحكّموك فيما شَجَر بَيْنهم ثم لا يَجِدُوا في أنْفُسِهِم حرجاً ممّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(سورة النساء).
فحُكم الحق قد جُرِّب فصحّ وسعِدتْ به أمم وحضارات يوم مكّن الله تعالى للصالحين من عباده، وحُكم الهوى قد جُرِّب فذاق الناسُ حَنْظَله وعلْقمه ولا يزالون يذوقون الويل والثبور تحت حكم من لا يرقب في المسلمين إلاّ ولا ذمّة، وصدق الله العظيم إذ يقول : {ولوِ اتّبَعُ الحقُ أهْوَاءَهُم لَفَسَدَتِ السَّماوَاتُ والأرْضُ ومن فِيهِنّ}(سورة المؤمنين).