أهمية طلب العلم في القرآن والسنة
لقد حث الإسلام على التعلم وطلب العلم حيث خلق الله تعالى الإنسان غفلا عن العلم وأعطاه أدوات العلم ليتعلم. قال تعالى : {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون}(النحل : 78)، وقال الله عز وجل {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}(التوبة : 122)، وقال رسول الله : >من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة<، وقال أيضا : {إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع) وقال كذلك : >خيركم من تعلم القرآن وعلمه<(رواه البخاري عن عثمان بن عفان) وهكذا تتجلى لنا أهمية وقيمة طلب العلم والتعلم في القرآن الكريم والسنة النبوية انطلاقا من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة. فطلب العلم في الإسلام هو بمثابة الجهاد في سبيل الله، وفي الآثار قال أبو الدرداء : >لأن أتعلم مسألة أحب إليَّ من قيام ليلة< ومما يحكى من وصايا لقمان لابنه : >يابني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فالله سبحانه يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء<(1).
آداب التعلم
إن للتعلم أدابا عامة لابد لطالب العلم من اتباعها والعمل بها من أجل الحصول على العلم والمعرفة. وفي قصة موسى نبي الله مع الرجل الصالح الواردة في سورة الكهف نجد بعض أهم آداب التعلم وهي كالتالي :
< الحرص على العلم :
مهما يكن في طلب العلم من مشقة وتعب كما فعل موسى عليه السلام في رحلته إلى مجمع البحرين وقد لقي فيها ما لقي من النصب.
< التلطف مع المعلم واحترامه :
وتوقيره وهذا ما نلمسه بوضوح في تعامل موسى مع العبد الصالح حيث قال له موسى بأدب التلميذ مع المعلم >هل اتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا}(الكهف : 66).
< الصبرعلى المعلم :
وهذا ما فعله موسى مع معلمه حين عرض عليه أن يتبعه ليعلمه مما علمه الله قال المعلم : {إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على مالم تحط به خبرا؟ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا، قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لـك منه ذكرا}(الكهف : -68 70).
< عدم القناعة والشبع من العلم :
حيث يجب على الانسان المؤمن الذي يطلب العلم أن يستزيد منه ولا يشبع، وهذا ما حرص عليه موسى، أن يضيف إلى علمه علما آخر قال تعالى : {وقل رب زدني علما}(طه : 114)، وقال رسول الله : >شيئان لا يشتبعان طالب علم وطالب دنيا<(رواه ابن عباس وابن عدي عن أنس وذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير).
< الاخلاص لله في طلب العلم :
فالإنسان المومن يتعلم العلم يريد به وجه الله تعالى ونيل رضاه وبذلك يصبح طلب العلم عبادة وجهاداً في سبيل الله. فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله : >من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا يجد عرف الجنة يوم القيامة -أي ريحها-<(رواه أبو داود) وقال عليه السلام : >لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا تماروا به السفهاء ولا تخيروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار<(رواه ابن ماجة).
العلم المفروض طلبه فرض عين
قال رسول الله في الحديث الذي رواه ابن ماجة وغيره : >طلب العلم فريضة على كل مسلم< وقد اختلف شراح الحديث في تحديد العلم المفروض طلبه، هل هو علم العقائد الذي يعرف به توحيد الله والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؟ أم علم الفقه الذي يعرف به الحلال والحرام وصحة العبادات واستقامة المعاملات؟ أم علم تفسير كتاب الله؟ أم علم الحديث المبين للقرآن المجسد لسيرة الرسول عليه السلام وأقواله وأعماله وتقريراته؟ أم علم التصوف الذي يهتم بالآخرة؟ أم علم أصول الفقه الاستدلالي؟ أم علم العربية من النحو والصرف والبلاغة؟ والذي نراه هنا أن علم المسلم أن يتعلم من دينه ما يعرف به ربه ويعرف به نبيه ويستيقن بصدق نبوته وصحة رسالته وأن القرآن المنزل عليه من عند الله ويعرف العقائد الأساسية في الإسلام : في الإلهيات والنبوات والعينات المتعلقة بالآخرة والعالم غير المنظور..)(2)، (وأن تكون دراسة العقيدة مبنية على أساسين : القرآن الكريم والعلوم الكونية الحديثة التي تقرب من الناس الحقائق الدينية..)(3)، (كما أن على المسلم أن يتعلم من أحكام الإسلام وشرائعه ما هو في حاجة إليه من علم الطهارة والصلاة وعلم الصيام وعلم الزكاة.. وأن يعرف أهم أحكام الحلال والحرام الذي يتعرض لها المسلم في حياته.. وأن يعرف علم الأخلاق والآداب الشرعية.. وعلم الآخرة والسلوك إلى الله.. وهذه العلوم التي يجب على كل مسلم معرفتها هي موصولة بالكتاب والسنة فمعرفة هذه العلوم تتضمن معرفة ما يلزم من التفسير والحديث، وهناك علوم مكملة ينبغي للمسلم أن يلم بها مثل السيرة النبوية وعلوم القرآن وعلوم الحديث وأصول الفقه..)(4)، (ومن المفروض فرض عين في عصرنا أن يتعلم المسلم القراءة والكتابة ويزيل عن نفسه وصمة الأمية التي تمثل عائقا أمام تقدم الأمة وتنميتها وغدا التعلم من انتصارها وعزمها)(5).
فرض الكفاية في العلم
إن فرض الكفاية في العلم يكون في علوم الدين وعلوم الدنيا ويتوجب على طائفة من الأمة النفير لطلب العلم والقيام بواجبات الافتاء والتفقيه والتعليم والدعوة والإرشاد قال تعالى : {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}(التوبة : 122).
أما علوم الدنيا (فإن الأمة يتوجب عليها أن تتفوق في كل العلوم الطبيعية والرياضيات والصناعات التكنولوجية المتطورة وعلوم الفلك والفيزياء والكيمياء والجيولوجياوالاحياء وغيرها… ولو التعمق في هذه العلوم ما وصل عصرنا إلى تحطيم الذرة وغزو الفضاء وصناعة الكمبيوتر والثورة التكنولوجية وثورة البيولوجيا (هندسة الوراثة والجينات) وثورة المعلومات..)(6).
العلم المباح
إن العلم المباح بالنسبة للأفراد والأمة في الإسلام يتحول إلى طاعة بالنية الصالحة ويقصد بتعلمه خدمة الدين وارضاء الله تعالى مثل الدراسات اللغوية والأدبية والتاريخية وخاصة التاريخ الإسلامي كالسيرة النبوية وتاريخ الخلفاء الراشدين وتاريخ العلماء والمصلحين، وكذلك دراسة الأشعار والآداب والعلوم الإنسانية والفلسفات الغربية والشرقية من أجل معرفتها والاطلاع عليها والرد على أولائك الذين ينالون من الإسلام والمسلمين ويطعنون في مقومات حضارتنا مثل المستشرقين والمستغربين وغيرهم.
العلم المذموم
مثل له الإمام الغزالي بعلم السحر والطلسمات وعلم الشعوذة والتلبيسات. وقد ذكر القرآنالكريم السحر وذمه وحرمه، قال تعالى : {ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم}(البقرة : 102) واعتبر النبي السحر من الموبقات السبع أي المهلكات التي تضر الناس في دينهم ودنياهم، ومن العلم المذموم كذلك علم التنجيم الذي يدعي معرفة الغيوب والاطلاع على المستقبل بواسطة النجوم وقد حرمه الإسلام لأنه ضرب من السحر قال رسول الله : >من اقتبس علما من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر)(7) وقال أيضا : >كذب المنجمون ولو صدقوا< الحديث.
المراجع والهوامش
-1 ذكر هذه الآثار الإمام الغزالي في “الإحياء” وخرجها شارحه الربيدي في “الاتحاف”.
-1 -2 -3 -4 الدكتور يوسف القرضاوي في الطريق إلى الله -الحياة الربانية والعلم (ص -111 -112 -113 114).
-6 الدكتور يوسف القرضاوي -الحياة الربانية والعلم ص : .118
-7 رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة عن ابن عباس -صحيح الجامع الصغير.