عرف الخطاب الرسمي المغربي حول الطفولة تضخماً واضحاً خلال الفترة الأخيرة، والمناسبة حقيقة هي الاستعداد الإعلامي لمؤتمر نيويورك حول الطفولة والاجتماع التحضيري لها الذي بدأ في بداية يونيو الماضي، وليس اهتماماً رسمياً حقيقياً بمصالح الطفل ومشاريع خدمته بتاتاً.
فما زال الطفل المغربي يعاني داخل أسرته بسبب تفقير والديه وتجهيلهم تربوياً ودينياً، ومازال يعاني في المدرسة من قلة التجهيزات وضعف المناهج التعليمية، كما مازال يعاني في الشارع من النماذج السلبية وانعدام مجال لعبه ونشاطه ومن إعلام ماجن عنيف لا يستجيب لفطرته ونموه..
هكذا أصبح الطفل المغربي، في زمن الحداثة والتناوب، موضوعاً إعلامياً وقضية دبلوماسية تجاه بيت اليونسيف UNICEF بنيويورك استجابة لمواثيق دولية ومنتظم دولي.فقد عقد بالمغرب مؤتمر عربي إفريقي من أجل تمويل استراتيجيات الطفولة دون أن يكون هناك تمويل، ولقاء للسيدات الأوليات حول حماية الطفلة والفتاة دون أن تكون هناك حماية، ويوم وطني لحقوق الطفل دون أن تكون هناك حقوق. فما دام هذا الطفل لا يجد مقعداً في حجرة الدراسة ولا مكاناً في دور التنشيط والثقافة ولا كرسياً في المخيمات الصيفية ولا لعبة في الحدائق، ولا برنامجاً هادفاً في الإعلام ولا حتى سريراً في مستشفى (6 أطفال يموتون يومياً من جراء أمراض القلب؟!)، وفي المقابل، وعكس كل هذا، تقول الجهات الرسمية إن لها برلمانا خاصاً بالطفل!! مع تجاهل آلاف الأطفال الذين يهاجرون سراً إلى إسبانيا في بطون الحافلات وأحشاء البواخر هاربين من بلادهم ومن لا مسؤولية مسؤوليها، إننا نقول هنا : إن طفولتنا ليست بخير وإن سياستنا ليست على خير، وبالتالي فمستقبلنا بعيد عن كل خير.
لقد أوجعنا الإعلام الرسمي بخطابه الخشبي حول الطفولة وأنشطة الاهتمام بها لكن لم يقدم هذا الإعلام بقناتيه “الوطنيتين” أي صورة حقيقية عن طفولة البلاد ولا برامج هادفة لصالحها، وكان الأحرى بالمسؤولين وعلى رأسهم وزير الثقافة والاتصال التدخل عملياً بإعلان مشروع إعلامي طويل المدى يحقق وجود الطفل في إعلامنا بعيداً عن كل استمرار في استهلاك تلك البرامج الممسوخة والأنشطة المغتربة والرسوم العنيفة.
بعد أن أصر المسؤولون المغاربة على عدم حل مشاكل الطفل المغربي، فهل يحلها “حجهم” إلى نيويورك؟!
إن نيويورك ومؤسساتها الدولية كانت دائماً مصدر مآسي الطفولة في العالم عامة والمغرب خاصة :
- فالتقويم الهيكلي الذي أتى على الحالة الاجتماعية للأسرة المغربية وأطفالها كان وما يزال مصدره البنك الدولي من نيويورك.
- وسياسة التعليم الرديئة التي تحرم الطفل من تكوين مشرف وتعليم وطني مصدرها توصيات البنك الدولي أيضاً.
- وخطة إدماج المرأة في التنمية التي حاربت وتحارب الطفل والأسرة وتعتبرهما عدواً للمرأة مصدرها أروقة الأمم المتحدة نيويورك.
- والعولمة المتوحشة التي لا تأبه بحقوق الصغار وبراءتهم من اختراع مجرمي التجارة العالمية بنيويورك.
- حتى برامج تنظيم الأسرة التي تستهدف الطفل في حقه في الحياة بدعوى حماية الأم تأتي من منظمة الصحة بنيويورك.
- وحتى المخيال العنيف والرامي الذي سيطر على ذاكرة الطفل المغربي حول الجرائم ضد أطفال العراق وفلسطين والشيشان والبلقان وإفريقيا مصدره قرارات وتوصيات مجلس الأمن بنيويورك.
لهذا نقول لكل مسؤولينا الذين هرولوا إلى نيويورك : إن حقوق الطفل المغربي لا تمر من نيويورك ولا تقف عند تقرير جميل أنيق نقدمه للسادة في نيويورك، بل إن حقوق الطفل المغربي تمر عبر كل أسرة مغربية ومدرسة مغربية ودار شباب مغربية ومستشفى أطفال مغربي، وتمر كذلك عبر الهوية الاسلامية الأصيلة لهذه الطفولة البريئة في تفاعل مع مشاكلها اليومية المحلية التي لا يلتفت إليها المقاولون السياسيون ومحترفو الانتخابات، فالطفل لا صوت له، لكن له مستقبل يحمل التغيير والخبر والكرامة.