اتفق أهل السنة أن الأموات ينتفعون من سعي الأحياء بأمرين :
أحدهما : ما تسبب إليه الميت في حياته.
وثانيهما : دعاء المسلمين، واستغفارهم له، والصدقة، والحج عند عامة العلماء وهو الصحيح.
واختلف في العبادات البدنية، كالصوم، والصلاة، وقراءة القرآن، والذكر. فذهب أبو حنيفة وأحمد، وجمهور السلف إلى وصولها، والمشهور من مذهب الشافعي ومالك عدم وصولها.
انتفاع الميت بالدعاء والاسغفار {والذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِم يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولإِخْوَانِنَا الذِينَ سَبَقُونَا بالإِىمَانِ ولاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ للذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إنّكَ رَؤُوفٌ رَحِيم(الحشر : 10) أثنى الله عليهم بالإستغفار للمومنين قبلهم فدل على انتفاعهم باستغفار الأحياء، وقد دل على انتفاع الميت بالدعاء إجماع الأمة على الدعاء له في صلاة الجنازة.
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها : سألت النبي كيف تقول إذا استغفرت لأهل القبور؟ قال : >قولي : السلام على أهل الديار من المومنين والمسلمين، ويرحم الله المُستَقْدمين منا ومنكم، والمُستاخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون<.
وأما وصول ثواب الصدقة ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها : أن رجلا أتى النبي ، فقال : يا رسول الله، إن أمي افْتُلِتَتْ نفسُها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال : نعم<.
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : أنّ سعد ابن عبادة توفيت أمه وهو غائب عنها، فأتى النبي فقال : يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إن تصدقت عنها؟ قال : >نعم<، قال : فإني أشهدك أن حائطي المِخْرَافَ صدقة عنها< وأمثال ذلك كثيرة في السنة.
وأما وصول ثواب الصوم.. ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله قال : >من مات وعليه صيام، صام عنه وليّه<.
وأما وصول تواب الحج. ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جُهينة جاءت إلى النبي فقالت : إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال : >حجي عنها، أرايت إن كان على أمك دَيْن، أفكنت قاضيه؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء..
وأما قراءة القرآن.. وإهداؤه له تطوعا بغير أجرة، فهذا يصل إليه، كما يصل ثواب الصوم والحج، فإن قيل : هذا لم يكن معروفا في السلف، ولا أرشدهم إليه النبي ؟ فالجواب : إن كان مورد هذا السؤال معترِفا بوصول ثواب الحج والصوم والدعاء، قيل له : ما الفرق بين ذلك وبين وصول ثواب قراءة القرآن؟ وليس كون السلف لم يفعلوه حجةً في عدم الوصول. ومن أين لنا هذا النفي العام؟ فإن قيل : فرسول الله أرشدهم إلى الصوم والحج والصدقة دون القراءة؟ قيل هو لم يبتدئهم بذلك الحكم، بل خرج ذلك منهمخرج الجواب لهم، فهذا سأله عن الحج عن ميتة فأذن له فيه وهذا سأله عن الصوم عنه، فأذن له فيه، ولم يمنعهم مما سوى ذلك. وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد نية وإمساك وبين وصول ثواب القراءة والذكر.
فإن قال المانعون بهذه الآية : {وأنْ لَيْسَ للإنْسَانِ إلاَّ مَا سَعَى}(النجم : 39) قد أجاب العلماء، بأجوبة : أصحها جوابان :
أحدهما : أن الإنسان بسعيه، وحسن عشرته، اكتسب الأصدقاء وولد الأولاد، ونكح الأزواج، وأسدى الخير، وتودد إلى الناس، فترحموا عليه، ودعوا له، وأهدوا له ثواب الطاعات، فكان ذلك أثر سعيه، بل دخول المسلم مع جملة المسلمين في عَقد الإسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه، في حياته وبعد مماته، ودعوة المسلمين تحيط من ورائهم. يوضحه : أن الله تعالى جعل الإيمان سببا لانتفاع صاحبه بدعاء إخوانه من المومنين وسعيهم، فإذا أتى به فقد سعى في السبب الذي يوصل إليه ذلك.
ثانيهما : وهو أقوى منه أن القرآن لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره، وإنما نفَى مِلكَه لغير سعيه، وبين الأمرين فرق مالا يخفى. فأخبر تعالى أنه لا يملك إلا سعيه، وأما سعي غيره فهو مِلك لساعيه، فإن شاء أن يبذله لغيره، وإن شاء أن يبقيه لنفسه، فإن وهبه له، وصل إليه ثواب عمل العامل، لا ثواب عمله هو.
قال الإمام أحمد : يصل الميت ثواب الجميع، والله سبحانه وتعالى أعلم، وقال في “نيل الأوطار” قال في شرح الكنز : إن للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره، صلاة كان، أو صوما، أو حجا، أو صدقه.. أو قراءة قرآن، أو غير ذلك، من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت، وينفعه، عند أهل السنة، انتهى
وأن قراءة الفاتحة ثابتة في صلاة ا لجنازة وهي أم القرآن. والله أعلم.
من شرح العقيدة الطحاوية بتصحيح الألباني عليه رحمة الله.
إعداد : حسين فلييو