((هناك شيء أشد من النميمة : الحقيقة))
احتلت شكوى فتاة تم الاعتداء عليها بالضرب عناوين اصحف الكويتية خلال الأسبوعين الماضيين، وخصص مجلس الوزراء الكويتي جانبا من جلساته لمناقشة تفاعلات الشكوى، ولم يفت بعض نواب البرلمان فرصة انعقاد إحدى جلساته من أجل التعليق أو التحرك السياسي.
الاعتداء بالضرب على فتاة ليس هو الخبر في هذه الحادثة، الخبر هو أن هذا الاعتداء جاء على شكل انكار منكر نفذته مجموعة دينية بحجة أنها فتاة متبرجة، وجاء في الشكوى أن التأديب الديني الذي قامت به هذه المجموعة تضمن قص شعرها، وهو ما أثار الذعربين الكويتيين خشية الفوضى الناجمة عن مبادرات أفراد في تنفيذ فتاوى شرعية ضد الغير بعيدا عن سلطة الدولة، ورغم الاجماع الكويتي على استنكار الاعتداء إلا أن التفاعلات السياسية وانكشاف تفاصيل الخبر نفسه أعادتخلط الأوراق من جديد، وهو ما جعل مواقف الأطراف كلها موضع تساؤل. فلقد تبين أن للحكومة دورا غامضافي مثل هذه الحادثة، إذ أنها طلبت من الصحافة نشر الخبر وفق رواية المجنى عليها، ومنعت نشره وفق رواية الجُناة. ولقد استجابت يحافة الكويت بلا استثناء لهذا الطلب الغريب الذي يخالف أخلاق المهنة ويجعل مبدأ الأمانة الصحافية خاضعا للأهواء. كما أنها قررت باجماع مجلس الوزراء نشر صور المتهمين وأسمائهم قبل انتقال ملف القضية الى القضاء وصدور أحكام بحقهم، ومع ذلك تم اعتقال ونشر أسماء أعداد أخرى ثم الافراج عنها بعد أن تبين أن لا علاقة لها بالحادثة، وأيا كانت مبررات السلطة الكويتية في إقدامها على مثل هذه الاجراءات إلا أنها كانت -بتصرفاتها هذه- تصب الزيت على النار. وبدت صورتها لدى المراقب الخارجي كما لو كانت تسعى لخلق أزمة اجتماعية وسياسية. غير أن التساؤلات الأكثر حيرة هي التي برزت بعد تسرب المعلومات عن الجناة، فقد تبين أنهم تنظيم ديني مجهول الجذور معظمهم من العسكريين، وأنهم مدربون على أعمال التجسس وتتبع العورات، تخصصوا في تحري العلاقات الجنسية غير الشرعية، ويقومون بضبط ضحاياهم متلبسين بالخلوة غير الشرعية أو بالفعل الفاضح، ثم يقومون بتصوير ضحاياهم وتسجيل اعترافاتهم وتحذيرهم من تكرار المنكر، وإذا ما تم ضبط الضحية مرة أخرى في فعل مشابه يرسلون أدلة الضبط إلى ولي أمر الضحية حتى يؤدبها. لقد أثار وجود هذا التنظيم ذهول العاملين في الحقل الإسلامي بالكويت، كيف نشأ هذا التنظيم؟ من ورَاءَهُ؟ ما هو فكره؟ من الذي يزودهم بالفتاوى المحرضة على مثل هذا الفعل؟ ومن أين اكتسبوا مهارة التجسس؟.
ورغم أن أجهزة الأمن استطاعت بمهارة القبض على المتهمين في غضون يوم واحد، والحصول على اعترافاتهم في نفس اليوم، غير أن التساؤل المحير هو لماذا غضت تلك الأجهزة طرفها عن أفعالهم خلال تلك الفترة طالما تعلم أن تنظيما يمارس أعمالا غير قانونية؟.
وإذا كان موقف الحكومة محيرا، فإن موقف خصوم الإسلاميين كان بشعا، إذ كشف عن رغبة جارفة في اقصاء الآخر ونفيه بالقوة، وكشف عن زيف الاعتقاد بالتعددية السياسية لديهم، فما معنى التحريض على أخذ كل الجماعات الإسلامية بجريرة هؤلاء؟ وما معنى المطالبة بإلغاء كافة أنشطتهم وإغلاق جمعياتهم في مجتمع يسعى لاستكمال ديمقراطية واستيفاء مظاهر المجتمع المدني؟.
ورغم هذه الملاحظات تبقى لنا وقفة مع تلك الفتوى ((إن كانت هناك فتوى)) التي جعلت من التجسس وتتبع العورات أداة لتغيير المنكر.
ذ. إسماعيل الشطي
الشرق الأوسط بتصرف ع 2000/4/24