ü رغم أن العلمانيين يزهون بأنهم أصحاب منهج فإن هناك أخطاء منهجية يقع فيها من يتحدثون عن المرأة في الإسلام ويظنون أن الإسلام قد حرمها أشياء كثيرة.. فماذا تقولون؟
üü موضوع المرأة في ذاته ومكانها في الحياة ومكانتها في خلق الله وقضية المرأة في الإسلام -قضيتان لم يُمحص فيهما الحكم، فلم يحصحص فيهما الحق من قبل دعاة تحرير المرأة ومرجع ذلك إلى سببين :
-1 غياب الدراسة المقارنة لما كانت عليه المرأة قبل الإسلام في التاريخ الإنساني، ولما كانت عليه في البيئة التي نزل فيها القرآن الكريم، ومما يغشى بصر الدارس للإسلام جهله أو تجاهله لما كان من قبل، ثم رؤيته لبعض ما نالت المرأة من حقوق، ولو علم ما كانت عليه من قبل لأدرك القفزة الحضارية التي رفع بها الإسلام المرأة، ولعجب من تلك النهضة، ولعلم أنها شيء ليس من صنع الفكر وآثار البيئة.
وحسب دعاة تحرير المرأة الحاليين أن يعلموا أن فيلسوفاً أوروبياً حفظه تاريخ الفكر -ولا زال يحفظه- هو (أرسطو) كان يدعو النساء بذوات الأرواح الناقصة، وكان يرى من دعائم الحكم الصالح ألا تعطى المرأة قسطاً كبيراً من الحرية، وأن تحرم من الميراث، وكان يرى أن الحرية الواسعة لها تفسدها، وأنها لو ورثت لانتقلت الثروة إلى الأجانب، ولساعد ذلك على فسادها من جهة أخرى!!
وفي بعض الكتب المقدسة أن المرأة هي التي أغوت آدم فحاق به الشقاء في الدنيا.. والمرأة في الغرب تنسب بعد زواجها إلى زوجها، فإذا حدث وتزوجت غيره نسبت إلى ذاك الثاني!!
إن المرأة في أوروبا لم تنل حق التملك إلا منذ 1912 في انجلترا وهي من أعرق دول أوروبا في النظام الديموقراطي الذي تدعى فيه المساواة التامة بين الرجل والمرأة والمرأة في سويسرا لم يكن لها حق الرأي إلا من قريب منذ ما يقرب من ثلاث سنوات مع أن مبدأ المساواة نظرياً منذ الثورة الفرنسية عام 1789م.
-2 النظرية الجزئية ثم الحكم الكلي : فالذين لا يعرفون الإسلام سواء من رجال ونساء أمتنا أو من الذين يعملون في الجمعيات الأهلية التي تهدف إلى تحرير المرأة من كل خير ومن يضمون أصواتهم إليهم ينظرون إلى موضوعات وقوانين المرأة في الإسلام نظرة مجزأة ثم يحكمون أنها لم تنل حقها! مثلاً : مسألة الميراث مسألة جزئية، من لم يدرس أحوال المرأة كلها في الإسلام ويعرف أن لها نصف ما للرجل من الميراث. يقول : الإسلام يظلم المرأة! فهنا خطآن في منهج البحث :
الأول : عدم دراسة أحوال المرأة كلها في موضوع المال والميراث والنفقة.
الثاني : عدم شمول الرؤية لوضع المرأة في كل أحكام الشريعة الإسلامية ولو درست قضيتها في هذا الشمول بنوعيه لجاز لنا -في المقابل- أن نقول: إن الإسلام دلل المرأة، الإسلام نظام متكامل، كل جزء منه يكمُل ويُكمِّل البناء الكلي، ولا تظهر سلامة الجزء إلا منظوراً إليه في موضعه من البناء الكلي.
وهنا لابد من تصحيح هذا الخطأ المنهجي فيصبح الحكم بالرؤية المحيطة ويعرف للإسلام فضله ويعترف له بسبقه، وأنه تنزيل من حكيم عليم، نظر نظرة مساوية إلى الرجل والمرأة، وعادلة في الوقت نفسه، من حيث أن الرجل والمرأة كليهما (إنسان)، وإنسان ذو نوع، فطبيعة (الإنسانية) في الرجل والمرأة واحدة، ونوع الرجولة والأنوثة مختلف، وليست (الرجولة) علة للتفوق، وليست الأنوثة علة للتخلف.
ولقد لاحظ الدعاة أن النساء في منطقة النيل الأزرق إلى شمال الحبشة أذكى عقلاً وأقوم شخصية من الرجال، ومن ثم كانوا يركزون الدعوة عليهن فتشمل الرجال تبعاً. وعندما يقول القرآن الكريم : {يا أيها الإنسان} فذلك خطاب لهذا المخلوق بنوعيه، خطاب له بعنوان ((الإنسانية)) التي هي قدر مشترك بين الذكور والإناث.
ü يقول بعض الكتاب والمناهضين للخطاب الإسلامي في موضوع المرأة : إن الإسلام أنصف المرأة إذا قسنا ما أعطاها بما كان لها من قبله، وأما إذا قسنا ما أعطى بما وصلت إليه اليوم كان ناقصاً وغير كاف، بل كان غير ملائم، وهذا مما زعمه د. نصر أبو زيد في كتاباته التي رغب بها الحصول على درجة الأستاذية وغيره من أنصار التوجهات العلمانية فما رأيكم؟
üü أقول لهؤلاء اقرؤوا كتاب د.زينب رضوان (الإسلام وقضايا المرأة) الذي جاء فيه : جاءت الشريعة الإسلامية لتضع الرجل والمرأة في إطار واحد، موضحة أن الطبيعة البشرية في الرجل والمرأة تكاد تكون على حد سواء، وأن الله قد وهب النساء كما وهب الرجال، ومنح كلا من الرجل والمرأة المواهب التي تكفي لتحمل المسئوليات، والتي تؤهل كلا من العنصرين للقيام بالتصرفات الإنسانية العامة والخاصة، وكان من ثمار هذا أن مارست المرأة المسلمة في أدوار التاريخ العربي الذهبية الأولى ما كان معروفاً وجارياً من وجوه النشاط السياسي والاجتماعي والعلمي والمدني والاقتصادي والنضالي، كما مارست جميع الحريات، واستمتعت بما أتيح لها من زينة الحياة الدنيا وطيبات الرزق كالرجل دون منع أو إنكار، كما تشهد على ذلك صفحات التاريخ الإسلامي والعربي.
ü كثيرا ما ينظر المدافعون عن المرأة إلى التقاليد والأعراف وواقع المرأة في البلدان الإسلامية كحكماً على الإسلام وقوانين الإسلام.. فماذا نقول لهؤلاء؟
üü من يريد أن يعرف وضع المرأة في الإسلام لابد وأن يتجرد للحق -ناظراً أو مناظراً- فالإسلام حاكم على الناس، وعلى ما تعارفوه بينهم، والخضوع للتقاليد والأعراف عكس الحقيقة فلا يهتدي الباحث سبيل الرشاد.
ولقد علّمنا الإسلام أن (إنسانية) المرأة أساس قرره الإسلام، وأن (اصطفاءها) منزلة رفيعة رفعها إليها، وأن (التكاليف العامة) مشتركة في شريعة الإسلام بين الرجل والمرأة، وأن ما كلفهم الله به كمسلمين في جملتهم هو أمر تعاوني بين الرجال والنساء قال تعالى : {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم، وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها}(التوبة : -71 72)، وعلمنا أيضاً أن للمنافقين والمنافقات طبيعة واحدة تنبعث منها أعمالهم فقال تعالى : {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون، وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها}(التوبة : -67 68).
فالمؤمنون من النساء والرجال تعاهدوا وتعاقدوا على الصالحات وهذا التعاهد والتعاقد يدل على استقلال (الشخصية) لكل من المتعاقدين، كما يدل على تكافئهما على أن بنود هذا التعاقدمن مسئولياتهم ومن متعلق قدرتهم وعملهم.. ومن حيث أن الإسلام نظر للمرأة كشخصية مكتملة لها استقلالها الذاتي فقد كان من ثمار تلك النظرة في التشريع الإسلامي حقها في التملك والتصرف، وأهلية التعاقد بنفسها، ولها استعمال الرجال في مالها، قال تعالى في سورة النساء الآية 7 : {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً}.
وما دام لها ذاك النصيب المفروض فهو حقها الكامل ليس لأب ولا زوج ولا حاكم أن يسلبها ذاك الحق، أو يفرض عليها فيه توجيهاً معيناً.
ومن فروع هذا الأصل أن مهر المرأة ملك خالص لها وليس لأحد فيه عليها من سبيل، وما جرى عليه العرف في بعض بلاد المسلمين خاصة مصر من إلزام الزوجة أو أهلها بإعداد الأثاث لبيت الزوجية، وما جرّ ذاك العرف من تعنت بعض الأزواج حتى يشترط الزوج على زوجته ما تحضر من جهاز، يبالغ فيه إلى أن يشترط البلد الذي يتم منها الشراء ونوعه وصفاته وعدد حجراته لما جعل زواج البنت على أبيها عبئاً ثقيلاً ينوء بحمله، وأصبحت مشكلة اجتماعية تحتاج إلى إصلاح، وصلاحها بالعودة إلى أصل المسألة في الشريعة الإسلامية أن يكون المهر ملكاً خاصاً للزوجة وعلى الزوج تأثيث بيت الزوجية بما يريد، من غير اشتراط كذلك من المرأة، وبهذا وذاك يعود الزواج سهلاً ميسراً لا تعنس فيه الفتاة ولا يتأيم فيه الفتى!!
قال الإمام ابن حزم في المحلى : ولا يجوز أن تجبر المرأة على أن تتجهز إليه بشيء أصلاً من صداقها الذي أصدقها، ولا من غيره من سائر مالها، والصداق كله لها، تفعل فيه كله ما شاءت، لا إذن للزوج في ذلك ولا اعتراض، قال تعالى : {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً}(النساء : 4).
فأوجب الإسلام للمرأة حقوقاً في مال زوجها مثل : المهر، النفقة، الكسوة، والإسكان، مادامت في عصمته، ولم يجعل للزوج في مالها حقاً أصلاً، بهذا التقرير تظهر خاصة من خصائص الإسلام في تكريم المرأة، إذ أقر لها بشخصيتها وحقها في التملك، وهذا تقرير من فرائض الإسلام لا تعرفه مدنية الغرب الحاضر، وأذكر أن امرأة مسلمة في إيطاليا ذهبت إلى إحدى الجهات الرسمية لها علاقة بالنظم المالية، لتتصرف في بعض مالها، وهي تعلم أن النظام هناك لا يبيح للمرأة هذا الحق المطلق، فرغبت أن تبين للموظف المسؤول أن الإسلام يعطيها هذا الحق، فما إن بدأت في هذا البيان حتى بادرها هذا المسؤول بقوله : أعرف ذلك أعرف ذلك. وهو غير ما عندنا!! فأي تقدم وأي مدنية وأية حضارة تلك التي لم ترتق بعد بالمرأة وبحرية تصرفها في مالها؟!
فالمرأة في الغرب بمجرد زواجها تنسب إلى زوجها، وفي نظامهم المالي يشاطر الزوج امرأته مالها، وفي الإسلام تحتفظ المرأة بمالها وتحتفظ باسمها، فأي الفريقين خير مقاماً وأهدى سبيلاً؟ وأىهما أعرف للمرأة بحقها وشخصيتها؟!
ü من كان هواه ضد الإسلام يجد بغيته في مسائل فرعية تتصل بالمرأة مثل قوامة الزوج، فهي من أكثر المسائل شهرة وتشهيراً بالإسلام، وخاصة عندما يقارن بينها وبين المرأة الغربية في علاقتها بزوجها ثم مقارنة تلك بواقع حال بعض المسلمين من هضم حق المرأة في بعض البيوت، واعتبار ذلك هو الإسلام وتجاوز بعضهم حد التأديب إلى المنهى عنه فما رأي سيادتكم؟
üü لا تتم المقارنة إلا بين متشابهين في الأحوال والصفات الرئيسية، ولا يصح إذن مقارنة حرية المرأة في الغرب زوجاً وأيماً بما للمرأة وما عليها في الإسلام؛ لأن (المرأة) هناك أهمل (نوعها) واعتبرت كأنها مجرد كائن حيواني، أكثر من اعتبارها الإنساني.
والحق أيضاً أن الحكم على الإسلام بسلوك الخارجين في سلوكهم عنه ظلم للحق وظلم لمنهج البحث، فمنهج البحث يقتضي تجريد الفكرة عن المفكر،والدين عن المتدين، كما يقتضي (المنهج) كذلك عند دراسة (جزئية) أن ترد إلى ما تنتمي إليه من موضوعها، وبهذا الرد ينظر الباحث : هل هذه (الجزئية) تسير مع مقاصد موضوعها الكلي، واتجاه سائر جزئياته؟ أم أنها شاذة وشاردة عن مقاصده، ومتنافرة وسائر جزئياته؟ عند ذلك يكون الحكم على جزئية البحث مستوفياً أهم عناصر البحث العلمي الصحيح، حين توضع (الجزئية) من إطارها الكلي موضعها الصحيح، ويظهر مدى تناسقها أو تنافرها مع سائر الجزئيات.. أما دراسة (الجزئية) مقطوعة عن موضوعها الكلي وعن ربطها بسائر جزئيات الموضوع فنتيجته : خروج عن منهج البحث، وظلم للحقيقة والوصول إلى نتيجة لا صلة لها بحقيقة موضوعها.
مجلة الدعوة ع 96 أبريل 2000
مدخل :
إنّ التربية عملية مرتبطة بالانسان لا تنفك عنه ولا يمكنه الاستغناء عنها، ذلك أنها تعني، إيجاد صفات معينة في الكائن عند التنشئة الأولى.. ثم هي عملية تنمية وتزكية للخير الموجود فيه مع تخليته من الشوائب والزوائد العالقة به، وأخيرا هي عملية صيانة ومحافظة على ما تم اكتسابه وتطويره.
فالإنسان دوما داخل منظومة تربوية، خاضع لها متفاعل معها لا يمكنه الادعاء أنه خارجها أو أنه لم يعد بحاجة إلى تربية أو إعادة التربية!.
والمقصود بتربية الأمهات والآباء توجيه برامج منظمة عن طريق مؤسسات تربوية تتبع أساليب التربية المستمرة بحيث يتم خلالها إكسابهم معلومات ومهارات واتجاهات عن أفضل أساليب التعامل مع أبنائهم وأفضل أساليب مساعدتهم على التحصيل الدراسي الجيد قبل الالتحاق بالمدرسة وبعد الالتحاق بها وأثناء العطل الصيفية والإجازات المعتادة.
ومثل هذه البرامج المنظمة ينبغي ألاّ تقتصر على المعلومات والنّظريات بل لابد أن تتاح فيها فُرص التدريب الكافية..
وبطبيعة الحال، فمثل هذه البرامج لابُد أن يشترك في تخطيطها وإعدادها وتقديمها ومتابعتها خبراء نفسيون وتربويون واجتماعيون يشملون ميادين متعددة مثل سيكولوجية الطفل، والمراهق، والإرشاد الاجتماعي والنفسي، والتعلم والتقويم، والنشاط والترويح.. الخ، وبذلك يستطيعون تغطية مجالات ومستويات متعددة في سلوك الآباء والأمهات والأطفال والمعلمين.
ومن المؤكد أنه لكي تنجح هذه البرامج في مجتمعنا لابد أن تسبقها دراسات جادة وعميقة عن كيف نربي أولادنا في المنزل والمدرسة؟ وما الدوافع والوسائل التي نستخدمها للاستثارة والحفز؟ وما نوع ودرجات وتوقيتات الثواب والعقاب؟ وكيف يتوزع بناء القوة بين الأب والأم؟ وفي أي المواقف يظهر تأثير الأب أكثر، وفي أي المراحل يظهر تأثير الأم أكثر؟ وما أنواع واتجاهات العواطف والمشاعر بين الوالدين والأبناء؟ وفي أي مرحلة تبدأ المقارنة بالآخرين من الأقران أولاً، ثم الكبار ثانياً؟ وما هي الأساليب التي يعتمد عليها الآباء والأمهات لكي يساعدوا أولادهم في التحصيل الدراسي؟ وهل يشترك الاخوة الكبار في مساعدة الإخوة الصغار؟ وهل أمية الآباء والأمهات عائق حقيقي أمام تعليم الأبناء؟ في أي مرحلة تبدأ الإجابة على بعض المشاكل الجنسية؟ وما هي أساليب التربية الجنسية الواجب على الأمهات والآباء فقهها؟..
عشرات الأسئلة والاستفسارات أزعم أنها غير مدروسة عند معظم الآباء والأمهات، أو أن معلوماتهم مُشوشة ومشوهة معتمِدة على الرؤية أو التقليد.. من هنا فتمة إشكاليات حقيقية نواجهها في هذا المضمار..
-1 مبررات تربية الآباء والأمهات :
ثمة مبررات كثيرة تدفعنا إلى ضرورة الاهتمام بهذا الموضوع، لعل أهمها وأبرزها المبررات الخمس التالية :
أ- أن كثيرا من الآباء والأمهات تربوا وسط ظروف وقوى فيها المرغوب الذي يجب استمراره، والمندوب الذي يحسن استمراره والمكروه الذي ينبغي التخلص منه.. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هناك فكرتان خاطئتان تهددان البيت والأسرة بالهلاك والضياع :
ü الفكرة الأولى : هي التي ترى أنه لا سبيل لتربية الأطفال تربية ناجحة إلا باستيراد نمط وأسلوب التربية المطبق في الغرب مهما كانت طبيعته ومحتواه ومنهجه، دون تفكير دقيق في مدى ملاءمته أو عدم ملاءمته لبيئتنا وظروفنا ومجتمعنا!.
ü أما الفكرة الثانية : فتجمد على الأساليب التقليدية العتيقة التي درج عليها الآباء والأجداد بدون تمحيص أو تدقيق بدعوى الوفاء لتراث وتعاليم الأجداد، وأن طريقتهم في التربية هي الطريقة المثلى، رغم ما تحتوي عليه من سلبيات ونقائص.. هذا وغيره يفرض وجود تربية موجهة للأمهات والآباء توضح السبيل الأمثل وتصحح الأفكار وترشد الوسائل المعتمدة داخل الأسرة..
ب- أن التغيرات الكاسحة التي تحيط بنا وتزحف من تحتنا تحتاج إلى بصيرة وذكاء وحرص لابد فيها أولاً من جهد الأسرة وعطاء المنزل.. وعندما نقول أولاً فالمقصود أن نقطة البداية تنطلق من العلاقات الأسرية والخلفية الثقافية التي تشكل الطفل وتُربِّيه على قيم معينة وسلوكيات محددة.
جـ- إن ضغوط الحياة الراهنة وإيقاعها السريع المتقلب وتحدياتها القاسية الحادة قطعت كثيرا من الروابط الاجتماعية ومزقت بعض مظاهر الحب والحنان التي كان يحظى بها الصغير من الأسرة الممتدة والأسرة الصغيرة.
وتكفي الإشارة إلى مجموعة علاقات حل محلها بديل تقني معاصر.. فبعد أن كانت أغنيات المهد وحكايات الجدة والأم، والصلة المباشرة المادية والمعنوية تساعد طفل الأمس على النوم، تحلقت بعض أُسر اليوم حول الجهاز الرائي(التلفاز) لا يلتقون بوجوههم بحكم أن الشاشة محور الاهتمام وبؤرة الاستقطاب. والغريب أن تطور وسائل الاتصال والمتمثلة بالخصوص في الحصون المقعرة والتي كان الهدف منها إلى حد كبير تسهيل التواصل بين سكان هذه البسيطة رغم امتداد المسافات وبُعد الآفاق حتى سماها البعض بـ”القرية الصغيرة”..، انقلب أمرها إلى عكس المُراد وأصبح التواصل متعذراً حتى بين أفراد الأسرة الواحدة وأوشك أن يكون بعيد المنال رغم أنها لا تفصل بينهم إلا أشباراً معدودة!!.
ومع هذه الضغوط والتحدّيات صار بعض الآباء والأمهات أميل للفردية والأنانية منهم للجماعة والإيثار، وبالتالي بعيدين عن الممارسة الفعلية للتربية المطلوبة..
د- إن تجديدات المنهج وطرائق التدريس داخل المدرسة وما بعدها يلزمها فهما ودعماً، تعاونا ومساعدة من المنزل، وبعض هذه التجديدات ربما لن يتم إذا استمر المنزل بذات وسائله ونفس طرائقه..
من هنا لابد من إعادة تدريب الأمهات والآباء.. والحد الأدنى أننا إذا لم ننجح كل النجاح فقد ضمنا على الأقل ألاَّ يصبح المنزل عقبة تحول وعائقا يمنع.
هـ- إن بعض الآباء والأمهات لديهم نوعية خاصة من الأبناء بعضهم يعاني من إعاقة بدرجة من الدرجات في حاسة أو حواس، وفي قدرة من القدرات وبعضهمفي طريقه إلى إعاقة أو مزيد من الإعاقة.
وفي داخل نفس الأسرة رُبما نجد طفلاً آخر لديه سمة أو سمات الابتكار والإبداع في فن من الفنون أو علم من العلوم.
وفي جميع هذه الحالات فإن هؤلاء يحتاجون رعاية خاصة ومكاملة أسرية معينة بحيث تسهم مع المدرسة في تقليل نسب الإعاقة واستثمار إمكانات الفرد أفضل استثمار بشري ممكن..
والمعروف أن بعض أنواع ودرجات إعاقة الأبناء قد تؤثر آثاراً نفسية وعصبية مرهقة على الوالدين لاسيما على الأم مما يتطلب برنامجاً نفسياً وتربوياً وصحِّياً متكاملاً للارشاد والتوجيه، بحيث يتدربون على المعاملة الأفضل، والأساليب الأنسب لتربية وتعليم أبنائهم المعاقين.
وإذاكانت هذه المبررات الخمسة وربما نضيف غيرها! توضح لنا بالتحصيل الاجتماعي ضرورة الاهتمام باعادة تربية الآباء والأمهات لخدمة شخصية ومستوى تعليم أبنائهم، فإن بعض الدراسات الميدانية تؤكد ذلك، وتجعل تربية الآباء والأمهات ضرورة مُلحة لضمان نجاح وتفوق الأبناء. ويبقى تساؤل أخير: إذا كانت هذه بعض مبررات تربية الآباء والأمهات مقنعة فما هي الوسائل أو بعض الوسائل التي تمكننا من بلوغ هذا الهدف الجليل؟
-2 وسائل تربية الأمهات والآباء :
هناك عدة وسائل يمكن اقتراحها في هذا الصدد :
أ- تنظيم دراسات حرة مفتوحة لكل من يرغب من الآباء والأمهات بدون شرط أو قيود معينة، ويمكن لكليات وأقسام متخصصة متنوعة وجمعيات تربوية الاشتراك في تقديم هذه الدراسات.
ب- تنظيم دورات تنشيطية ومكثفة وعادية عن طريق مراكز خدمة المجتمع لتوعية وتدريب الآباء والأمهات على رفع مستوى كفاءة تحصيل أبنائهم.
جـ- استثمار المسجد والأعلام، والنوادي، وغيرها من وسائل التربية غير النظامية لحفز الاهتمام بهذا الموضوع، وإثارة الدوافع بالنسبة له، وتقديم الخدمات الإرشادية اللازمة.
د- تنظيم لقاءات وندوات للآباء والأمهات عن طريق الاخصائيين المتمرسين في هذا الميدان بحيث لا تكرر الأسرة دور المدرسة، وفي نفس الوقت لا تتعارض معها أو تناقضها.
هـ- تدريب المعلمين أنفسهم على أفضل أساليب التعاون مع المنزل بحيث لا تستمر دائرة الاتهام قائمة : الأسرة تتهم المدرسة، والمدرسة تتهم الأسرة بدون حلول ناجحة.
هـ- تبادل الاتصال والتنسيق بين المدرسة والمنزل عن طريق السجلات، والاتصال الهاتفي واللقاءات الدورية…الخ.
والمهم عندنا من كل هذه الوسائل والمقترحات أن يتأكد لدينا أن نقل الحلول غير منتج والتقليد والمحاكاة غير مقيدين لأن نجاح هذه الوسائل يعتمد على عوامل ثقافية ومجتمعية لها خصوصيتها الواضحة، وتميزها المستقل بحيث لابد للمفكر والمربي العربي المسلم من اكتشاف الوسائل والمقترحات المناسبة لثقافتنا والمستمدة من مرجعيتنا وما فيها من روابط وعلاقات اجتماعية وبناء للقوة بحكم الأسرة وبحكم المجتمع.