من كتاب سمات الحلال والحرام
وأما المباح من الغناء والموسيقى فهو ما لم يقترن أو يشتمل على منكر أو محرم بنص قطعي، فإذا وُجِدَت الخمورُ والرقصُ والعُرْيُ والاختلاطُ غيرُ العَفِّ مع الموسيقى والغناء حرُمَ حُضُور هذه المجالس.
قيود لابد منها :
وهناك قيود في الموسيقى والغناء لابد أن تراعى وإلا دخلت في نطاق المحرم قطعا وهي :
-1 أن يكون موضوع الغناء مما لا يخالف أدب الإسلام وتعاليمه، فالأغاني التي تمجد الموبقات والمحرمات وتدعو إليها محرمة أداء واستماعا.
-2 إذا كان موضوع الأغنية والموسيقى غير مناف لتوجيهات الإسلام ولكن طريقة الأداء اتسمت بالتميع والتكسر وتعمد إثارة الغرائز والإغراء بالفتن والشهوات، والعري والتبرج كانت محرمة أداء واستماعا.
ألا ترى أن الله سبحانه نبه إلى حظر هذا الصنيع من النساء فقال سبحانه لأمهات المؤمنين في سورة الأحزاب : {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً}(الآية : 32).
-3 إن الإسلام يحارب الإسراف والغلو في كل شيء حتى في العبادة، ومن باب أولى الإسراف في اللهو تحت أي مسمى إذ لاشك أن الإسراف في المباحات يأكل وقت الواجبات وقد قيل (ما رأيت إسرافا إلا وبجانبه حق مضيع).
-4 هناك أشياء موكولة شرعا إلى ذات المسلم وتقديره، فإذا وجد المسلم في مكان فيه غناء أو موسيقى أو هما أو غيرهما مما يستثير غريزته ويغريه بالفتنة كان عليه أن يجتنبه بُعْدًا عن الوقوع في المحرمات.
-5 من المتفق عليه أنه يحرم الغناء والموسيقى إذا اقترن ذلك بمحرمات أخرى كشرب الخمر أو المخدرات أو كان في المجلس خلاعة أو فجور، إذ هذا هو ما نبه عليه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأنذر أهله وسامعيه بشديد العذاب ذلك ما رواه ابن ماجة : ((ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رءوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير)).
تحايل البعض للحرام ووسائلهم :
وإذا كان بعض الناس قد تحدث عن حل وحرمة الموسيقى والغناء بإطلاق، ومبيحا لكل هذا دون أية قيود فإن في هذا الإطلاق مخالفة لنصوص الإسلام وأصوله.
إن هؤلاء الذين تنادوا إلى الإفتاء والنقل من كتب لم يعدها كاتبوها لتكون مرجعا موثقا للنصوص التشريعية في الإسلام كالأغاني للأصفهاني وغيره، قد فرطوا في حق الإسلام وأفرطوا في العرض على الناس بما أوقعهم في الحيرة في أمور الحلال والحرام في الإسلام.
ومن أولئك فريق ذهبوا يرددون واقعات أجيزت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بضوابط تَسْلَمُ بها الأخلاق كما تصان بها عفة المجتمع، وكان على هؤلاء الذين تنادَوْا بها أن يسجلوا ما احتفَّ بها من قرائن، فقد كان الغناء في ذلك العصر التشريعي في الأعراس في مجتمع النساء، لا خلطة فيه للرجال ولا يقترن بأية محرمات أخرى كالشرب المحرم والعري الفاضح.
وليكن معلوما أن الإسلام لا يَمْنَعُ الترفيه في المجتمع وإشاعة السرور والترويح عن النفس، بل قد شرع ذلك في أيام الأعياد، وفي الأعراس. ولقدوم الغائب، وفي الوليمة وفي الحفاوة بالمولود بما يسمى العقيقة، وإنما يُحَارِب المجون الذي يحتفُّ بكل تلك المناسبات.
وما يقال عن الغناء يسري على التمثيل فهو من وسائل التثقيف وعلاج أدواء المجتمع الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية، وفي ذات الوقت ترفيهٌ، لو أنه توجه إلى إبراز الإيجابيات في حياة المجتمع بإيراد المثل الناجحة في نواحي الحياة المختلفة حتى تكون مُثُلاً تحتذى.
ولو أنه كذلك فجَّر السلبيات التي أوقفت ارتباط المجتمع بالأخلاقيات الرفيعة التي تَغَيَّاها الإسلام، بل وساقته إلى الانحدار والانحسار عن الفضيلة والفضائل، فشاعت الأنانية بين الناس وتقطعت الروابط، وسادت الأكاذيب والشائعات وخيانة الأمانات وغير هذا من السيئات.
إن التمثيل -لو أحسن استثماره- أداة صالحة للتربية العفَّة النظيفة. والقرآن الكريم قد ضرب لنا القصص والأمثال التي واجهت المثالب والمعايب، وأوضح أثر الكلمة الطيبة وآثام الكلمة الخبيثة كهؤلاء الممثلين الذين لا بضاعة لديهم إلا كلمات السخرية بالأفراد والفئات متناسين أن الإسلام حرم السخرية بصريح القرآن حيث قال الله في سورة الحجرات : {يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُؤا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ، ولا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أن يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ ولاَ تَلْمِزُوا أنْفُسَكُمْ ولا تَنَابَزُوا بالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ ومَن لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(الآية : 11).