الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.
أيها الإخوة المسلمون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن ما يحدث بينكم من نزاع وشقاق بسبب مشروع مسجد استراسبورغ الكبير الذي وافق مجلس بلدية المدينة على بنائه والمساهمة فيه يرفضه الإسلام وينبذه.
ما كنا لنصل إلى ما وصلنا إليه لولا تدخل الأهواء والحسابات الحزبية الضيقة، وتقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة والقطرية على مصلحة الجالية.
والحق جل وعلا يقول : {إنما المؤمنون إخوة} فكيف بالله عليكم نكون إخوة والحال كما نرى. وقد صدق الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام حين قال، لما بعث معاذا وأبا موسى الأشعري إلى اليمن >يَسِّرا ولا تُعَسِّرا وبَشِّرا ولا تُنَفِّرا وتَطاوعا ولا تختلفا))(رواه البخاري)، أي تحابا ولا تختلفا لأن الاختلاف يوجب الاختلال، حيث يقول سبحانه وتعالى : {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}. ياليته كان بينكم اختلافا تتوحد فيه الغاية (وهي مصلحة الجالية) وإن تعددت الطرق والوسائل، لا خلافا تتعد فيه الغايات والوسائل، والمآل فيه إلى الصراع حول كرسي قد يكون أو لا يكون.
إن كرسي تسيير المسجد هذا، قال بعضهم لابد وأن يكون لمغربي لأن المغاربة هم أكثر عُمَّار المساجد، وقال بعضهم لا بل لابد وأن يكون لجزائري لأن الجالية الجزائرية هي من أكبر الجاليات في فرنسا وأقدمها، وقال البعض لا بد وأن يكون لحَرْكِي لما قدَّمه الحَرْكيون من تضحيات لفرنسا، وهذه كلها أقوال يُحترم أصحابها، وقد تحتمل الصواب والخطأ.
واشترط بعضهم الجنسية الفرنسية لمن سيسير المسجد، وهذا الرأي يرده الكثير من المسلمين لأمرين :
أولا، لأن الجنسية وأية جنسية مهما كانت لا تعطي وحدها الأهلية لتسيير مسجد ولو كان صغيرا، فكيف بمشروع حضاري كهذا. إن مسؤولية كهذه تشترط في صاحبها كفاءة علمية، وتجربة كبيرة قدم خلالها خدمة جليلة للجالية، ثم أن يكون هو نفسه رجل خُلق ودين لأن هذه المسؤولية إنما هي نتيجة وثمرة قناعات شخصية ومجهودات فردية في العبادة. والجالية هي الحَكم الوحيد في قبول هذا أو رده.
ثانيا، لأن هذا القول يخالف قناعة المجتمع الفرنسي نفسه الذي يقاوم ما يُسمى بالأفضلية للمواطنين “Préférence Nationale”.
خلاصة القول في هذا هي أنكم، أيها الإخوة المسلمون، لم تُحَكموا في هذا الأمر شرع الله عز وجل، لو فعلتم لاتضحت لكم الطريق ولوفرتم كثيرا من الجهد والوقت.
يقول عز من قائل : {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تاويلا}، تخلصوا من قيود القطرية وضيق الجمعيات والجماعات إلى رحابة الإسلام وشموليته. فالجمعيات والجماعات إطارات فقط والعمل بها لا لها، والإخلاص لله لا لغيره، ثم احذروا زحمة الأحداث فإنها تجرف كل ضعيف إمَّعة ليس له قناعات.
واحذروا الباطل في المَحاور والتحالفات، فإن ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
واعلموا أنكم في بلد لكم فيه من الحق ما ليس لإخوانكم في غيره من البلدان، فردوا الجميل بالجميل، وكونوا عناصر إصلاح وتشييد لا عناصر إفساد وتخريب.
إن ما تزرعونه اليوم سيحصده أبناؤكم غدا. إن زرعتم حقدا حصدوا فُرقة وصراعا، وإن بَذَرتم حُبا جَنَوا أُلفة واجتماعا. كونوا مثل ابن السماك واعظ هارون الرشيد لما قال له صديق : الميعاد بيني وبينك غدا نتعاتب، فأجاب : بل الميعاد بيني وبينك غدا نتغافر.
أيها الإخوة المسلمون، قصدي في هذه الرسالة مرضاة الله عز وجل مصداقا لقوله تعالى : {إنما المومنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم، واتقوا الله لعلكم ترحمون}، {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما}.
أحمد مصباح – استراسبورغ