مفتش العلوم الطبيعية
-1 الميثاق وأزمة التعاضد في المكان أو المشاركة :
في البدء ونحن بصدد الحديث عن الميثاق لابد أن نتوقف عند المفهوم. فالميثاق يجمع على مواثيق، كلمة صارت ذريعة ما فتئنا نسمعها تتردد منذ سنين على ألسنة مذيعي الأخبار ورجال السياسة ونسائها في كل المحافل وخضم الأزمات…
وكأني بسائل يستوقفني لماذا الذريعة؟ لأنها أصبحت مرادفة للترخيص لكل الممارسات التي نعيشها ويعيشها العالم خصوصا الإسلامي تحت مظلة المواثيق الدولية أي الشرعية الأممية.. إذ أن الميثاق إلتزام بين أطراف موقعة أي مصادقة عليه عموما قد يكون هذا عن تراض. كما يمكن أن يكون تحت ضغط لعدم تكافئ الأطراف الموقعة.. فيفرض على هذه الأطراف الالتزام التام بمقتضيات الميثاق.. إلا أننا نلاحظ من خلال تجربة اليوم والأمس أن المبدأالقائل : القوة تنشئ الحق وتحميه. هو الذي يحدد من يلتزم ومن لا يلتزم.. وليس الوفاء بالعهود المقطوعة.. وكأني بسائل آخر يستوقفني ما علاقة هذا بموضوع ميثاق التربية والتكوين؟
العلاقة تكمن في استعمال نفس المفهوم المخيف، في هذا الظرف بالذات. لكن بمنهجية مختلفة نوعا ما.
فإذا كان ميثاق التربية والتكوين، تعاقد بين أطراف مختلفة، فالإشكال يبقى :
- من هي الأطراف التي تعاقدت حول هذا الميثاق؟ ما نوع الالتزام الذي قطعته هذه الأطراف على نفسها..؟ ما هي مصداقيتها التمثيلية على مستوى الساحة التربوية إن لم نقل السياسية في البلاد…؟
إذا كانت هذه الأطراف هي تلك الممثلة في اللجنة الملكية في الواقع لجنة صياغة للميثاق لا يمكن أن تكون في نفس الوقت الموقعة عليه.
لأن ميثاق التربية بمثابة دستور للتربية والتكوين بل هو لبنة مهمة في تشكيل دولة الحق والقانون بما أنه يبين لنا كمواطنين معالمالمجتمع المقبل الذي سنسعى كل في إطار تخصصه إلى بنائه. فالميثاق مشروع بناء الغد، غد هذه الأمة. فكيف يعقل أن يستثنى أطر وزارة التعليم من مناقشته وإبداء الرأي فيه وهم المطالبون غدا بتنفيذ مقتضياته؟ كيف لم يستفت على الأقل من يشملهم الميثاق من قطاعات مختلفة ليساهموا في إثراء بنوده؟ فليس من المعقول أن ينجز الميثاق مجموعة من الناس لا يمكنني إلا أن أحيي مجهودهم الجبار كأبناء لهذا الوطن وعلى ما يسروه لنا من نصوص نحن اليوم نركز عليها لإثراء النقاش وتدارك ما فاتنا من شرف الإدلاء بالرأي في موضوع استراتيجي كموضوع إصلاح التعليم… إن الخطأ المنهجي الموالي هو أن نجعل من كل القطاعات المذكورة في الميثاق منفذين لا مشاركين بما فيهم قطاع التعليم بكل أسلاكه. لأن المشاركة عن طريق الاستشارة الواسعة تضمن الالتزام بينما ونحن نقرأ في مدخل الميثاق أنه جمع بين الممكن والطموح فإنني لا أملك إلا أن أستغرب كيف يمكن لأناس أن يلتزموا بتحقيق الطموحات.. فالميثاق كما أسلفنا تعاقد والتزام بين الأطراف لا مجال فيه للطموح. بل يجب أن تكون مقتضياته قابلة للتنزيل على أرض الواقع على المدى البعيد أو المتوسط والقصير. وحتى تتضح الرؤية أسوق مثالا على إصلاح للتعليم قامت به فرنسا بقرار من وزير التعليم السيد Claude Allegre الذي دعا إلى إستشارة حول إشكالية واضحة:
“Quels savoires enseigner dans les lycées?”
بحيث تم توزيع 1812109 استمارة للتلاميذ حسب ما ورد في البيان الختامي للملتقى المنظم بمدينة ليون بتاريخ .98/5/11 والذي يقول : “.. 10% من الاستمارات الموزعة على التلاميذ عبئت بطريقة جماعية… 78% من تلاميذ الثانويات العمومية عبؤوا المطبوع. 52% من الأساتذة بمختلف الثانويات عبروا فرادا أو جماعات عن أسلوب تدريس موادهم المختلفة. حوالي 100% من الثانويات ساهمت بالرغممن أنهم لم يشركوا كل الأطر. كنا نأمل مشاركة أوسع للآباء عبر الاستمارة الموجهة للإدارة…”.
هذه المنهجية تجسد بحق مفهوم المدرسة كمرفق عمومي الذي هو ملك للجميع هذا الجمع الذي لا يجب أن يختزل دوره في التنفيذ الشيء الذي أسقطنا فيما نعيشه من الانتظارية على ما يأتي من فوق هذه العبارة ساهمت في خلق ما نلحظه من استقالة جماعية وعلى كل المستويات ابتداء من الأسرة وأساءت أيما إساءة إلى روح المبادرة والإبداع والمشاركة والتجنيد.. فالمرفق العام والتعليم من أهمه يستدعي الحفاظ عليه الإشراك الحقيقي للفاعلين التربويين (الذين يجب تعريفهم لأن هذا المسطلح أصبح متداولا دون أن يعني الشيء الكثير..) حتى يشعر الكل بأنه يمتلك هذا المرفق العام فيحافظ عليه ويتفانى في دعمه ويبلي البلاء الحسن في خدمته فما أبشع أن يصبح المربي مجرد مأجور.. بل ما أخطر أن يسود الإحساس بالدونية والتحقير عند رجال التربية الذين أسست لهم هيآت ومجالس على طول امتداد مؤسستنا التربوية. فما أن تطأ قدما رجل التعليم المؤسسة حتى يصبح مطالبا بالإدلاء برأيه من خلال المجالس التعليمية أربع مرات في السنة ومن خلال المجلس الداخلي كلما دعت الضرورة إلى ذلك ومن خلال الندوات التربوية وغيرها من الهيآت بحيث يستثمر السادة المفتشون هذه التقارير وتوجه تقارير تركيبية إلى المصالح المركزية التي من المفروض أن تأخذ بهذه الاقتراحات النابعة من الممارسة اليومية ناهيك عن تقارير المديرين وتقويمات البرامج والكتب واستثمار نتائج الامتحانات التي يقوم بها المفتشون وتقارير النواب ومديروا الأكاديميات.. كل هذه المعلومات متوفرة وتمثل تشخيصا للواقع عن كثب منذ أن فتحت المدرسة أبوابها لأبنائنا.. هذا الكم من المعلومات ما مصيره؟ سؤال ما فتئ رجل التعليم يطرحه وما من مجيب.. إنها بحق أزمة مشاركة والتي لا تعني وجود أوغياب بعض رجال التعليم عن اللجنة إنها تعني غيابا لثقافة المشاركة ثقافة التشاور أحد أسس الدولة الإسلامية فإذا كان رب العزة قد أمر نبيه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه رغم أنه يشهد له بأنه لا ينطق عن الهوى، قلت أمره أن يستشير المسلمين فما بالنا نحن…
ويحضرني هنا حوار لعالم نفتقده اليوم بمرارة وهو الأستاذ المهدي المنجرة مع مجلة عالم التربية في عددها المزدوج الثاني والثالث ربيع وصيف 1996 حول قضايا التعليم حيث قال : “.. أزمتنا الكبيرة في التربية تتمثل في عدم المشاركة.. أي التعاضد في المكان وهو الديمقراطية.. (بيان نادي روما الذي قام بدراسة حول توقعات مستقبل التربية) والتعاضد في الزمان أي أن نكون متفقين فيما بيننا.. على مستوى الرؤية التي لنا حول المستقبل… ولا يمكن في بلدنا أن نتكلم عن الإصلاح التربوي، أو عن النظام التربوي أو تغيير برامج تربوية أو أي شيء ما لم تكنهنالك أرضية وحدا أدنى من الديمقراطية في اتخاذ القرار.. أنا أتكلم عن المناخ العام داخل البلاد.. إن التعاضد في الزمان والمكان يؤدي إلى الابتكار.. الذي يقوم على الاتفاق بين الناس وعلى المشاركة والأخذ بالآراء…” إن غياب المشاركة الحقة يبقى من نقط ضعف الميثاق الذي أصبح واقعا يغيب عنه التعاضد في الزمان والمكان الذين تحدث عنهما الأستاذ المهدي المنجرة منذ سنة 1979 وبالتالي من المؤكد أن الابتكار سيظل غائبا بدليل أننا وقفنا زمنا غير يسير ننتظر الميثاق فما من مسؤول أو رب أسرة وحتى تلميذ إلا ووقف نبضه وتشنج في مكانه ينتظر الميثاق.. فعلا لقد عشنا أزمة مشاركة حقيقية أمة تتفرج ولجنة تنتج..
كما أن المنهجية تقتضي الاقتصاد في الجهد والمال العام الذي نحن أشد ما نكون في حاجة للمحافظة عليه من خلال الاستغلال الأمثل لوسائل الاتصال وكمثال على ذلك قد تمكنت من الحصول على التقرير الكامل للملتقى المذكور أعلاه بما في ذلك تقارير الورشات وحتى صور المشاركين ومختلف المداخلات والاستمارات.. في ظرف لا يتجاوز الساعة بتكلفة قدرها 10دراهم عن طريق الانترنيت.. ومن الممكن من خلال البحث في المواقع من الحصول على تجارب عديدة من دول مختلفة للاستئناس بها. إن وسائل الاتصال الحالية في الواقع نعمة للفقراء أكثر منها للأغنياء من الدول وضرورة وضعها في الحسبان عند السعي في مهمة من المهام قد يساعدنا على اقتصاد كثير من الجهد والمال وخاصة الوقت الذي هو أهم عملة صعبة في الاستثمارات الدولية..
هل هذا يعني الاستغناء عن المعاينة؟ بالتأكيد لا ولكن حينما تكون المعاينة والمعايشة أمرا لا مناص منه مع تقدير المدخلات والمخرجات درءا لكل ما من شأنه أن يتنافى مع المقولة بالتخطيط والتدبير المعقلن ويوصف بالارتجال والتبذير أو سوء التدبير.
ولعل الكلام عن التخطيط يحيلنا على القول بالبرمجة والتنبئ واستشراف المستقبل وخصوصا في تحديد الأولويات في هذا المجال بالضبط يختلط السياسي بالتقنقراطي لكن القرار السياسي في تحديد الأولويات يبقى هو العنصر الحرج فإن قرارا من هذا الحجم يتطلب الاعتماد على النفس في اتخاذ القرار لا الاعتماد على قرار أو تقارير البنك الدولي مثلا أو حتى برنامج الأمم المتحدة للتنمية لأن الأولويات تحدد من الداخل فنحن لا تعوزنا الأطر ولا التجربة في هذا المجال.. إلا أن القرار السياسي السليم لا يكفي إذ أنه من المفروض أن يجد صداه في المجتمع عن طريق المؤسسات التمثيلية الحقيقية والمنبثقة من استحقاقات ديمقراطية حقيقية.. إذ أنه مهما كانت مصداقية القرار السياسي ونوعيته فإن الأرضية السياسية غير الصالحة أو لنقل غير المهيأة قد تخنق البذرة ولا تسمح إلا للأعشاب الضارة بالنمو من مثل فكرة “الميز اللغوي” وتسلل بعض الخطط إلى المناهج عبر فقرات الميثاق.. خلاصة القول أن القرار السياسي يمكن أن يصبح درعا يحمي الفتن لذا يجب حماية القرار السياسي نفسه من التحريف الذي طاله إبان إنجاز الميثاق ولعل مركزة القرار في نخبة تتراوح بين اللجنة والحكومة مع اقصاء كل فعاليات المجتمع الأخرى سيسيء إلى القرار السياسي لا محالة مما سينعكس سلبا على الإصلاح الذي جاء بعد طول انتظار ليعيد الحال إلى ما كانت عليه من القلق على أجيالنا بدلا من إشاعة الطمأنينة والارتياح على مستقبل هذا البلد الكريم.
-2 المفهوم الموالي : الإصلاح/التراجع:
لابد من الإشارة على كل حال أن الهالة المفاهيمية التي يتكون منها نص الميثاق، كبيرة جدا، بحيث تنوعت بتنوع مشارب المشاركين بين الخطاب السياسي، والسرد الأدبي، والصياغة الديداكتيكية، مما يخلق لذا القارئ بلبلة، تحول دون التركيز، ومسايرة النص، والربط بين مختلف مكوناته.
وبذلك يستحيل التحليل الموضوعي، لغياب الدقة والتركيز والوضوح..
قد يبرر مبرِّر هذا بقوله : إن الميثاق من خاصياته أن يكون فضفاضا، وهذا مبرر واهٍ، لأنه لا مبرر للغموض وتعمد السرد الممل، وغير المركز.
فالمرتكزات مثلا، ليست في الواقع إلاّ مخارج التعليم، أي مواصفات الخريج من أسلاك المؤسسة التربوية. بدلا من أن يَكون لها ذلك الطابع الفلسفي الذي يحدد الأسس التي تنبني عليها المدرسة المغربية الموحدة. المرتكزات كذلك عبارة عن مغازلة لكل الأطراف تفقد فيه الدولة هيبتها وقوتها لتبدو، باهتة السيادة، فهي توجه الخطاب تارة للخارج وأخرى لأطراف مختلفة من المجتمع تحاول طمأنتهم بأنهم لم يُنسوا في هذا الميثاق.
ولعل هذا من المؤشرات على فقدان السيطرة على اتخاذ القرار الحاسم، والخضوع للتهديدات الداخلية والخارجية..
نحن نريد دولة قوية ذات سيادة في الداخل والخارج، بمؤسساتها، ومواطنيها… كما سجلت في إطار الدراسة مجموعة من التراجعات :
- تراجع عن التعليم الأساسي.
- تراجع عن النظام الجديد للباكلوريا.
- تراجع عن المجانية.
- تراجع غير معلن عن التعريب.
- تراجع عن التوحيد.
- تراجع عن تحمل الدولة أعباء التعليم.
هل هذه السلسلة من التراجعات تعني الإصلاح؟ هل أعطيت هذه الإصلاحات الفرصة لتحقيق أهدافها؟ هل تم التراجع عنها بناءً على أبحاث ودراسات ميدانية معلومة النتائج؟ من المؤكد ونحن نعيش في رحم هذه المؤسسة منذ أن قادنا إليها آباؤنا أول مرة، لم نغادرها، أنه لو كانت هناك أبحاث ودراسات جادة لسمعنا بها.
إن الإصلاحات المتتالية لم تُعْطَ الفرصة لتحقيق أهدافها. إن نظامنا التعليمي يعتمد مبدأ الإصلاح ذو الاستعمال الواحد، ثم يلقى به، ليعوض بغيره.
فإذا كان تراجع الدولة عن تحمل أعباء التعليم أمر يرتبط بقدرة الدولة على التمويل والإسهام في هذا القطاع العام الحيوي، فإن اللجوء إلى خصخصته بطريقة معلنة أو غير معلنة،ستكون له عواقب وخيمة فيما يتعلق ببناء الإنسان ونوعية المجتمع الذي سننتجه، وسنحقق للمستعمر ما فشل في تحقيقه إبان تواجده بين ظهرانينا. إذ سنضرب مبدأ التوحيد في الصميم، وهذا ما يصبو إليه النظام الدولي الجديد وسوق العولمة والگاط، وغيره من المفاهيم التي أصبح الكثير من أبناء جلدتنا يروجون لها مسجلين بذلك أبشع تراجع عن مبادئ الحركة الوطنية التي نجد كثيرا من المنتسبين إليها في حكومة التناوب وغرف البرلمان، فهل هي صحوة أم كبوة؟
أما إذا كان التراجع نتيجة ما يشاع من أن التعليم قطاع غير منتج، أقول بأنها من أبخس النكتة التي يمكن أن يسمعها الإنسان أن ينعت التعليم بقطاع غير منتج، وهو القطاع الوحيد الذي ينتج رأس المال البشري فما أغرب أن يصبح الإنسان لا قيمة له في بلدنا إلى هذا الحد، وهو أصل كل تطور، وتقدم وأساس كل إنتاج.
أما التراجع عن التعريب، فهو تراجع عن الذات، وتسليم فيالسيادة، وإقرار بالعجز، إذ أن الخلل في الواقع ليس في اللغة ولكن في أبنائها، فاللغة الانجليزية لا تنتج العلم بل هم الانجليز الذين ينتجون العلم، فكم من بلد في افريقيا وأمريكا اللاتينية سلم في لغته لفائدة لغة المستعمر؟ فكم من دول هذه القارات ينتج العلم؟؟
فإذا ما تصورنا أن التقدم رهين بإتقان لغة دون أخرى فهذا أمر لا أملك إلا أن أقف دونه، عاجزا، لا قدرة لي على تقبله أو تصور أن هنالك من يمكن أن يفكر هذا التفكير.
اللغة وسيلة، ولغتك العربية أقدر ما تكون على استيعاب العلوم متى ما كنت أنت قادرا على اتقانها وتطويرها. أضف إلى ذلك أن لغتك جزء من سيادتك، فبينما تدافع أمم عن لغات ميتة، نميت لغة حية. أضف إلى ذلك أن لغتنا اختارها ربّ العزة لتكون وسيلة لتبليغ وحيه إلى الناس، لغة لا تصح العبادة أي مناجاة الله إلاّ بها، ألا يكفي هذا لمن يريد بالإسلام ليختار العربية لغة لأسلاك التعليم من الأولي إلى أدق الإختصاصات في كل الكليات؟
إن هذه ساحة معركة حضارية، لكل واحد منا أن يختار موقعه، وحلفه.
أما التراجع عن نظام التقويم فإني لا أفهم كيف يمكن التراجع عن نظام ينتج في الثانوي زهاء 70% من حاملي الباكلوريا كل سنة بعد ما كان النظام السابق يصل على أقصى تقدير إلى 25%، فهل أصبح هذا العدد من حاملي الشهادات مقلقا، ونريد لأبنائنا أكبر نسبة من الفشل؟ بينما تسعى الدول إلى أن تصبح مدارسها مجالا للنجاح، نريد أن نعيد مدارسنا إلى ما كانت عليه في السبعينات. من ندرة النجاح وكثرة الفشل.
أما القول بالمواد الأساسية والثانوية فإنها مقولة، لا تنسجم تربويا مع وحدة المعرفة، وتكامل المواد، إذ أن أي مادة يدرسها المتعلم تساهم في بناء شخصيته وفكره، لذا وجب اعتبار كل المواد التي يدرسها المتعلم أساسية، ولقد نادينا منذ سنوات خلت بوحدة المُعَامِل، لكل المواد حتى نجعل المتعلم يولي الإهتمام لكل ما يدرسه، ومع الأسف بدل أن نسير في هذا الاتجاه نجد أن الإختيار ينحو منحا أقل ما يمكن أن ينعت به هو أنه لا تربوي.
أما التراجع عن التعليم الأساسي الذي لم يطبق بكل مقوماته أصلا، فإنه دليل عن أن التفكير المستقبلي والفكر الإستراتيجي يغيب عن كل الإصلاحات السابقة، ولازال، فلماذا تم تبني النظام المدعو التعليم الأساسي مع تأكدنا بأننا غير قادرين على تعويض السيولة التي يطرحها بالدعم المناسب، هذا العنصر الذي لم نتوصل بعد إلى صيغة تمكن المؤسسات من تطبيقه، وها نحن نلغيه، دون أي تقويم، لتقصي الخلل هل هو في النظام نفسه؟ وهنا يجب تغييره، أم هو في دعم التطبيق السليم لهذا النظام؟ فيكون الأمر مخالفا. لكنني أظن أن إصلاح التعليم في بلدنا يخضع لهاجس الاقتصاد أكثر منه لهاجس التربية.
فلقد تبنينا النظام الوظيفي الملقب بالكندي، فقط للتقليص من الإنفاق على البنايات المدرسية، ثم تبنينا النظام الأساسي للتقليص من التكرار وبالتالي من الإنفاق على المتعلم، علما بأن التكرار في حد ذاته هو نوع من الدعم الفعال، للرفع من مستوى المتعلم، قبل الإنتقال إلى مستوى لاحق.
الخلاصة:
هي أن الميثاق كرس مبدأ عدم المشاركة أو التعاضد في المكان، وساهم في استقالة طاقات مجتمعية كبيرة، والدليل هو أن أطر التعليم على اختلاف مناصبها لازالت لم تتوصل بنسخة رسمية من هذا الميثاق، وهي المدعوة لدراسته والإسهام في إنجاح مقتضياته.
كما أنه وضع في مقدمة مرتكزاته العقيدة، بينما لا نرى أو نلمس لها أثرا في مقتضياته التي هي أقرب إلى اللائكية منها إلى تعليم إسلامي يهتدي بالعقيدة السمحة.
كما أن تخصيص سلك للتعليم الأصيل أمر مريب إذ أن هذا السلك رغم ما يبدو من خلاله من اهتمام بالعقيدة يكرس فكرة تعليم ديني ببلدنا، هذا الأمر الذي يضمر تعليما لادينيا في المقابل. إذاكانت النيات صادقة وخالصة فنحن نريد لتعليمنا أن يكون أصيلا كله، وتربيتنا إسلامية كلها. ونحن على أتم الإستعداد لتقديم برامج في مجال تخصصاتنا العلمية مرتبطة تماما بعقيدتنا وبلغتنا وفي أعلى مستوى.
إنها دعوة لممارسة السيادة، تكريما لأرواح من ضحوا ليبقى هذا البلد حرا مسلما، لا دعوة للإنغلاق. مرحبا بلغة أو علم ندرسه للتواصل مع العصر والتدافع مع الحضارات الأخرى، وسحقا لأي لسان يحل بديلا عن لغتنا أو علم ينسف عقيدتنا.
ذ. محمد بيوض