تعتبر مؤسسة الإعلام بمختلف أنواعه المرئية والمسموعة والمكتوبة من أهم المؤسسات التي تساهم بشكل كبير للغاية في صناعة الإنسان، عبر تكوين تصوراته وأفكاره وتحديد مواقفه ومواقعه ورسم قيمه ومثله، وتوجيه سلوكاته وأفعاله.
وباعتبار مؤسساتنا الإعلامية إنما هي حاملة لفكر مسيريها وتصورات مديريها، فإنها قد تستعمل في البناء والعمار كما قد تستعمل في الهدم والدمار، إلا أنه وللأسف الشديد قد وجهت في وقتنا الحالي لخدمة الإمكانية الثانية المتمثلة في الهدم والدمار والإفساد والتخريب والتفسيق كنتيجة حتمية للتصور المادي والفكر الإنحلالي التغريبي للقائمين عليها.
والأصل في الإعلام سواء كان رسميا أو غير رسمي أن يكون خادما للوطن بانيا للمواطن على أساس من مرجعية وهوية الأمة والمجتمع المغربيين ألا وهي الإسلام المترسخ في أعماق الشعب المغربي على المستوى المبدئي على الأقل والمشار إليه أيضا في ديباجة دستور المملكة رغم كون هذه الإشارة لا تعدو أن تكون مجرد إشارة شكلية من المشرع لا أثر لها في الواقع، خاصة وأن هناك من التشريعات والقوانين والممارسات والأعراف بوطننا الحبيب ما يعارض الإسلام قطعا ويعمل على تقويض مبادئه وقيمه؛ وهو ما يفرغ بالتالي الإشارة الدستورية إلى كون الإسلام هو الدين الرسمي للدولة من أي محتوى، ويطرح بشدة مسألة مشروعية تلك القوانين المخالفة للدستور -ناهيك عن مخالفتها للشرع- باعتباره القانون الأسمى للدولة.
وعلى أية حال، فإن مؤسساتنا الإعلامية قد غدت محلا ومرتعا لرسالة وممارسة شاذة ولا مسؤولة ولا مشروعة تعمل على تقويض الأخلاق الفاضلة وانتهاك الآداب العامة وترسيخ دعائم الفكر الإنحلالي التمييعي التفسيقي الذي يفسد الشباب ويجعله عرضة لممارسة البغاء والرذيلة.
فالتلفزة ترشح بمواد وفقرات كثيرة، مخلة بالحياء ومنتهكة للآداب بصورها العارية وكلامها الساقط وإشاراتها وأفعالها البذيئة، والإذاعة ليست أفضل منها وإن كانت أقل منها تأثيراً.
وما انطبق على التلفزة والإذاعة ينطبق أيضا على الكثير من الجرائد والمجلات التي أصبحت تخصص مساحات وصفحات لنشر الفكر الجنسي التخريبي والدعاية إلى إقامة العلاقات الفوضوية بين الشباب والتحلل من كل القيم والمبادئ والأعراف؛ مستغلة في ذلك فتور هممهم، وغفلتهم عن دينهم ورسالتهم، وسخطهم عن واقعهم.
والغريب في الأمر أن كل ذلك يتم بإسم التقدمية وضدا على الرجعية، وبإسم الحداثة وضدا على التزمت وبإسم الإعتدال وضدا على التطرف.
ألا لعنة الله على التقدمية وعلى الانفتاح وعلى الإعتدال وعلى الحداثة إذا كانت قناعا لتمرير الفكر المنحل والعمل على إفساد الخلق وإغراق الشباب في وحل الجنس الحرام.
وحسبنا أن نشير بهذا الصدد إلى أن كل هذا التحريض على الفساد وانتهاك الآداب والتحرر من أية قيمة أو مبدأ وإن سمي حداثة وتقدمية يعتبر بكل المقاييس والمعايير مخالفا للشرع ومخالفا للقانون.
أما مخالفته للشرع فلا تخفى علينا دعوة الإسلام الصريحة إلى التمسك بالأخلاق الفاضلة والآداب الحميدة وحرصه الشديد على تكوين المسلم الذي يقف عند حدود الله تعالى وثورته على المنكر والفاحشة ما ظهر منها وما بطن، بل وعلى كل ما من شأنه أن يجعل الإنسان عرضة لهذا المنكر ولتلك الفاحشة؛ وعكس المطلوب تماما هو ما تروج له وسائل إعلامنا، وتجعله من أفعال الأبطال والمتنورين.
وهكذا فالله عز وجل يقول : >ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا< ولم يقل ولا تزنوا، وإنما قال : >ولا تقربوا< أي أن هناك ما يقرب من الزنا من نظر حرام وسماع حرام وخواطر حرام وغير ذلك، وكل هذا متوفر في التلفزة والإذاعة والصحف، وهو ما يجعل في الكثير من فقراتها وموادها دعوة صريحة للزنا والفاحشة.
إن الدعاية للفساد والإنحلال التي تمارسها وسائل إعلامنا هي حرب معلنة على شرع الله وعلى دين الله وعلى خلق الله، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم، وليأذنوا ما استمروا على ذلك بحرب منه إن عاجلا أو آجلا؛ فإنه يمهل ولا يهمل، وصدق الله تعالى إذ يقول : >إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون<(النور : 19).
وأما مخالفته للقانون فتتجلى في مخالفته لتلك الإشارة الدستورية الشكلية والقاضية بكون الإسلام دين الدولة الرسمي وما يقتضي ذلك من انضباط كلي لمقتضيات هذا الدين بالشكل الذي أشرنا إليه أعلاه.
كما تتجلى أيضا هذه المخالفة وبشكل أكثر وضوحا في مقتضيات القانون الجنائي المغربي، فالفصل 483 منه ينص على أن صلى الله عليه وسلممن ارتكب إخلالا علنيا بالحياء، وذلك بالعري المتعمد أو بالبذاءة في الإشارات أو الأفعال يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين أو بغرامة من مائة وعشرين إلى خمسمائة درهم.
ويعتبر الإخلال علنيا متى كان الفعل الذي كونه قد ارتكب بمحضر قاصر دون الثامنة عشرة من عمره أو في مكان قد تتطلع إليه أنظار العمومرضي الله عنه.
وبناءاً على مقتضيات هذا الفصل، فإن إعلامنا قد ارتكب جريمة الإخلال العلني بالحياء مستعملا في ذلك كل الوسائل المتاحة له والتي تستغرق ما ورد في النص وتتعداه، ثم إن هذا الإخلال يتم في كل لحظة وبإصرار شديد وبحضور القاصرين وغيرهم وفي مكان تتطلع إليه أنظار العموم قطعا وليس إحتمالاً.
كما أن الفصل 497 ينص على أن صلى الله عليه وسلممن حرض أو شجع أو سهل الدعارة أو الفجور بصفة معتادة وبصفة عرضية بالنسبة لمن هم دون الخامسة عشرة يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمسة سنوات وغرامة من مائة وعشرين إلى خمسة آلاف درهمرضي الله عنه.
والسؤال المطروح بخصوص هذا الفصل هو : ألا يعتبر الكلام الساقط الماجن والإشارات والأفعال المثيرة والعري المتعمد والفتاوى المشجعة للفوضى والإنحلال تحريضا وتشجيعا وتسهيلا للفجور والدعارة؟
إنه مما لا شك فيه أن هذين الفصلين يضعان الكثير من مؤسساتنا الإعلامية وعلى رأسها التلفزة والإذاعة، وصحف الإثارة والجنس في موقع المتهم قانونيا بجرائم الإخلال العلني بالحياء والتحريض والتشجيع على الدعارة والفجور وتسهيلهما؛ كما يضعان أيضا السلطات المختصة بتحريك الدعوى العمومية ضد هذه المؤسسات المتهمة في موقف المتهم أيضا بالتماطل والتمييز والإنتقائية في تطبيق القانون، طالما أننا لم نسمع قط بتقديم ولو مؤسسة إعلامية واحدة من هذا النوع إلى القضاء بقصد المحاكمة رغم توفر شروط ودواعي هذا التقديم.
ونعتقد أن هذا الإهمال والتماطل في قيام السلطات الوصية بالخطوات الضرورية لتطبيق النص القانوني يؤدي لا محالة إلى زوال الهيبة عن القانون وبالتالي عن الدولة باعتبار تطبيق القانون من العناصر الأساسية لسيادة الدولة على مجالها.
كما نعتقد أيضا أن من بين الأسباب الرئيسية في هذا التماطل وترك القوانين مجرد حبر على ورق كونهما يخدمان مصلحة الكثير من المسؤولين الذين لن تقوم لهم قائمة إلا في وضع شاذ ومنحل وفاسد، ولو كتب لهذه النصوص وغيرها أن تطبق لأودع الكثير من مسؤولينا في غياهب السجون على الأقل لأنهم أول من خرقوها، وصدق من قال : “واضع القانون أول من يخرقه”.
عبد اللطيف الأنصاري