الكتاب وعاء العلم، والعلم أفضل قيمة في حياة الأمم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خُيِّر سليمان عليه السلام بين العلم والمال والملك، فاختار العلم فأعطي المال والملك معه.
وقال الإمام علي كرم الله وجهه لكميل : ياكميل، العلم خير من المال، والعلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق.
ومن ألوان انفاق العلم التي تنعكس على صاحبه بالخير والبركة إعارة الكتب لمن يقرأها، قال وكيع رضي الله عنه : أول بركة العلم إعارة الكتب. وعن يحيى بن يزيد قال : أتى أبا العتاهية بعض إخوانه فقال له : أعرني دفتر كذا وكذا. فقال إني أكره ذلك، فقال له : أما علمت أن المكارم موصولة بالمكاره؟ فدفع إليه الدفتر.
ومن أقبح الظواهر التي يعاني منها بعض الناس، ظاهرة حبس الكتب المستعارة عن أصحابها، لأن المستعير لا يعرف أن الكتاب الذي استعاره يعتبر أمانة في ذمته، وجب عليه رده إلى صاحبه قال تعالى : ((إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها))(النساء : 58).
وقد أدرك السلف أنها أمانة ثقيلة يحرم غلولها، عن يونس بن يزيد قال : قال لي الزهري: يا يونس إياك وغلول الكتب. قال قلت : وما غلول الكتب؟ قال : حبسها على أصحابها. (الجامع لأخلاق الراوي ج 1 ص 242).
بل وصل هذا الأمر في حسهم إلى حد اعتباره سرقة قبيحة، عن مجاهد رضي الله عنه قال : ((سرقة صحف العلم مثل سرقة الدنانير والدراهم)).
أخوك المسلم أعارك الكتاب لتَنْتَفِع به فحَصَّلَ بذلك على الأجر والجميل، فإياك أن تكون في هذا الإحسان ظالما لنفسك، قال الفضيل رحمه الله : ليس من فِعال أهل الورع، ولا من فعال الحكماء أن تأخذ سماع رجل -أي كتاب رجل- فتحبسه عنه، ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه.
قال أبو بكر الخطيب : ولأجل حبس الكتب امتنع غير واحد من إعارتها، واستحسن آخرون أخذ الرهون عليها من الأصدقاء، ثم قال أنشدنا محمد بن خَلَف :
أعرِ الدفتر للصاحب : بالرهن الوثيق.
إنه ليس قبيحاً : أخذ الرهن من صديق.
وقال آخر : يا مستعير كتابي إنه عَلِقٌ، بمهجتي علق المحبوب بالمهج.