أصبحت دول أوروبا تستيقظ كل يوم على فضائح شتى تتعلق بالمال والسلطة والعنف، والجنس الخ. وإذا كانت الفضائح السياسية والمالية معهودة وتجد طريقها إلى الحل عبر القضاء للبت والفصل فيها وإعطاء كل ذي حق حقه، فإن فضائح من نوع آخر أصبحت تؤرق المجتمعات الغربية والأمريكية نظرا لتفاقمها من جهة ولدرجة خطورتها على المجتمع ككل من جهة أخرى، لأنها تمس النسيج الاجتماعي في أصله وجوهره، يتعلق الأمر بظاهرة الجنس في مفهومه العام والشامل بشتى أنواعه وأشكاله وطرق إتيانه. وإذا كانت بعض ممارساته لم تشكل في العهد القريب احتجاجا من طرف مكونات المجتمع (على سبيل المثال : الزنا.. الشذوذ الجنسي L’Homosexualité السحاق le pesbianisme، زنا المحارم.l’inceste) فإن هناك أنواعا أخرى استاء لها الجميع وقابلها بالاستنكار والشجب وواجهها بالرفض المطلق لاعتباها خرقا سافرا لبعض ما تبقى من الحياء والأخلاق المروءة يتعلق الأمر هنا بالعهارة بالأطفال la pédophilie
جحيم لا يطاق ولكن..
إن قضية البلجيكي مارك ديتروMarc Dutroux وما أثارته من ردود فعل عنيفة تنم بشكل واضح عن سقوط وانحراف المجتمعات الأوروبية إلى هاوية سحيقة من التفسخ والانحلال الاجتماعيين.
وإذا كنا نضع أصبعنا على خطورة هذا الانحراف داخل هذه البيئات الغربية، فإن هذا يعني في أحد جوانبه الهامة أن امتنا العربية الاسلامية ليست في مأمن ولا منجى من هذه الشرور.
وتعود الأسباب الرئيسية لاستفحال هذه الظاهرة إلى أمور كثيرة نذكر منها :
1- الفلسفة الغربية المبنية على الحرية الفردية حيث قضت على فكرة “الله” وأحلت محلها فكرة “الانسان” الذي لا يحد قدرته شيء ولا يمنعه من التمتع بحريته وقدراته أي وازع ديني، فالفرد له حقوق مقدسة لا يجوز المساس بها، وحريته لا يعوقها عائق إلا حاجز القانون وإن كان في حالات كثيرة غير كاف. وقد جرت فكرة “الحرية المطلقة” على الانسان الغربي عدة ويلات لا زال يعاني من لظاها. (الإشارة هنا إلى الأمراض المرتبطة خاصة بالجنس (السيدا).
وقد لفت بعض العلماء والباحثين(1) إلى خطورة فكرة الحرية على الطريقة الغربية حتى قال أحد علماء القانون : “يجب الدفاع ليس عن حرية الانسان ولكن عن كرامته ضد حريته وحماية الانسان من نفسه”.
ولممارسة هذه الحرية في أكبر نطاق وأوسع مجال فقد خلق لها الانسان الغربي الظروف المواتية واللازمة (على سبيل المثال تذر المجلات المتخصصة في الدعارة والجنس وأشرطة الفيديو والانترنيت أرباحا طائلة على أصحابها تفوق بكثير أرباح المجلات العلمية المتخصصة..)
ورغم الدعوات المتتالية من طرف بعض العقلاء ورجال الدين، إلا أنها قوبلت بالرفض التام لكونها تعرقل ممارسة الحرية وتضيق الخناق على أصحابها، ولعل صيحات القسيس الفرنسي المعروف L’abbé Pierre خير مثال على ذلك، فرغم كونه الرجل المعروف على صعيد الساحة الفرنسية وغيرها من حيث شهرته ونضاله من أجل المحرومين والبؤساء، فإن عمله الخيري لم يشفع له أمام مواطنيه، بل وحتى دعوات البابا المتكررة وموقفه المبدئي من العازل الطبي(موقف رافض).
لم تجد آذانا صاغية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تقلص سلطان الدين والعقل ورجحان سلطان الهوى والحرية بدون حدود ولا قيود. ومؤتمر ستوكهولهم الأخير (27-31 غشت 1996) لم يشر بصراحة إلى هذا السبب الرئيس في تفاقم ظاهرة البغاء بالأطفال، وإن كان قد لمح إلى نقص التربية ونفشي الفقر، والسياحة الجنسية الخ. فرغم أن هذه الأسباب ولا شك مسؤولة إلى حد ما عن هذا الوباء غير أنها لا تعدو أن تكون نتائج لأسباب حقيقية كبرى.
2- السبب الآخر يعود في نظرناـ وهو نتاج السبب الأول ـ إلى تساهل القوانين في كثير من الحالات وتسامحها le paxisme des lois، حيث أن مرتكبي هذه الجرائم في حق المجتمع لا تواجه بالطريقة الواجب اتباعها وبالردع والزجر اللازمين، فكثير ما يحكم القضاء بالسجن لبعض السنوات يخرج على إثرها المحكوم عليه بالعقوبة ليعود إلى عادته القديمة(2)، وحالات العودة هذه كثيرة. كما أن المجرم في ظروف مختلفة قد يستفيد من الظروف المخففة حيث يعرض أمره على الخبراء في هذا الشأن، ويتزامن تساهل القوانين في هذه القضايا الأخلاقية مع إلغاء عقوبة الإعدام في كثير من الدول الغربية (وإن كانت بعض الولايات الأمريكية قد حافظت على هذه العقوبة واعتبارها ضرورية في حالات إجرامية متعددة)(3).
وأوصى مؤتمر ستوكهولم في بعض ما أوصى به تشديد العقوبات على المجرمين إذ يتطلب على جميع الدول مراجعة قوانينها وتشريعاتها وإدخال نصوص جديدة للتقليص من حدة ظاهرة الجنس بصفة عامة وظاهرة الدعارة بالأطفال بصفة خاصة والتخفيف من خطورة هذا الوباء وانتشاره.
خطر ماحق بالعالم العربي والإسلامي
إذا كان الغرب يعيش اليوم في جحيم الرذيلة والجريمة بشتى أنواعها، فإن خطر انتقال العدوى إلى عالمنا العربي الاسلامي غير مستبعدة على الإطلاق، بل الواقع يشهد على الخطر الذي يمكن أن يحل به، خصوصا وأن العالم اليوم أشبه ما يكون بقرية صغيرة متصلة الأطراف نظرا لما عرفه العالم من تطور تقني وتكنلوجي مهيمن.
وللتدليل على ذلك، نذكر مثالين لتقريب الصورة ودق ناقوس الخطر، لقد استقبلت إحدى قنوات التلفزة الفرنسية مؤخرا أحد المغاربة اشباب (مواليد 1970) حيث ألف كتابا عبارة عن رواية يحكي فيها قصة انحرافه الجنسي(4) وهذا المثال الحسي يعبر لا شك عن تسرب بعض الانحرافات الغربية والغريببة عن الجسم الاسلامي المتحصن إلى حد ما بعقيدته ودينه. وكعادة الغرب فإنه يحاول في كل مرة وبكل ما أوتي من قوة المال والعلم والسلطة أن ينقل الوباء،إلى العالم الآخر حتى تصبح المشكلة وكأنما عالمية.. تتطلب تدابير من مستوى
فسلطان الغرب كبير يمد أعوانه بالمال ولينفث سمومه في قلب ديارنا وتسخير بني جلدتنا(4). وإذا كانت هذه الظاهرة معزولة عابرة في بلادنا العربية، فإن أبناء الجالية المسلمة بالمهجر(5) تعاني الأمرين من فلسفة الغرب وتربيته وثقافته الجنسية. ولعل طرد بعض الفتيات المحجبات كان من بين أسبابه مقاطعتهن لدروس البيولوجيا، حيث يلقن المراهقون التربية الجنسية على الطريقة الغربية.
وتساهم وسائل الاتصال المتطورة آخرها الانترنيت L’INTERNETفي إشاعة الفاحشة حيث توجد شبكات متخصصة في الإباحية والعهارة والدعارة يلتقطها الناس عبر العالم وبعيدا عن كل مراقبة.
إن الخطر الداهم الذي يوشك أن تقع فيه أمتنا عظيم ومواجهته والحمد منه شيء أعظم، تبقى مسؤولية فعاليات المجتمع المدني أساسية ومسؤولية الدولة واجبة…
ذ. عبد الحميد أمين
———————-
1- يتعلق الأمر بأحد عمداء القانون بفرنسا في الخمسينات.
2- من بين التدابير التي تعتزم بعض الدول الأوروبية القيام بها، هو عرض الجاني على الخبرة الطبية بشكل ملزم، أو إخضاعه لعملية طبية للتقليص من ثورته الجنسية (وزارة العدل الفرنسية منكبة على هذا القانون ليعرض في بداية السنة 1997 على البرلمان، انظر
3- حكمت مؤخرا أحد الحاكم الانجليزية بعقوبة المؤبد على أحد الجناة الذي اغتصب وقتل إحدى الفرنسيات في العام الماضي. وبطبيعة الحال أمام هذا الجاني طرق قضائية أخرى للتخفيف من العقوبة المحكوم بها عليه، أو قد يستفيد من نظام حسن السيرة والسلوك أو غيرها من التسهيلات القضائية.
4- انظر : O. Rachid, plusieurs vies, Gallimard – Paris
- O, Rachid, l’enfant ébloui; récits Paris Gallimard(l’Infinir) 1995.140P
5- من بين ما يلاحظ على أبناء الجالية هو تكاثر حالات الزواج المختلط، في إحدى الإحصائيات للمجلس الأعلى للإدماج(فرنسا) فإن النساء الجزائريات والمغربيات يقبلن أكثر فأكثر على الزواج بفرنسي.
1500 فتاة أو امرأة سنة 1984.
1700 فتاة أو امرأة سنة 1987.
2100 فتاة أو امرأة سنة 1988.