السعيد من صام رمضان إيمانا واحتسابا وصامت معه نفسه ولسانه وجوارحه عن الشرور والآثام، وعاش مع ذكر الله واستغفاره والتقرب إليه زيادة على الفرائض بالنوافل صلاة وتلاوة وبذلا للمال والعلم والجاه وإصلاحا بين المسلمين وتسديدا ومقاربة وتربية وإخلاصا في النصح والتوجيه ووصل ما أمر الله به أن يوصل من الأرحام والعلاقات الأخوية مع التسامح والصبر وحسن الظن وبراءة الباطن من الغل والمؤاخذة والإحن.
رمضان فرصة عظيمة لمن أكرمه الله بأن تضاعف حسناته وتمحى سيئاته. فما أكثر أبواب الطاعات ومجالات الخير والإحسان والبذل والعطاء كل حسب طاقته وإمكانياته، وأقل ما يتصدق به المسلم على أخيه الصفح عن إساءته ومسامحته، والتقرب إلى الله بوصله من قطعه، وإعطاء من حرمه، والعفو عمن ظلمه.
إن نفس المؤمن في رمضان تكون وحدها في الميدان، غير مساندة من الشياطين التي تسلسل، مما تساعده أكثر على تربيتها وإصلاحها، وتهذيبها وترقيتها حتى تصبح ذا نفع وجدوى للأمة الاسلامية في مسيرتها المباركة ونهضتها المرجوة.
وإن الذين بيدهم الأمر يحسنون صنعا في هذا الشهر المبارك، إذ يأمرون بإغلاق الخمارت والمقاهي العامة التي تبيع الخمر، طيلة هذا الشهر فقط، وقد سافر معي بالطائرة إلى فرنسا أحد الذميين المشهورين ببيع الخمور في العاصمة العلمية والدينية للمغرب، وكان ذلك أوائل شهر رمضان، كما نبهني إلى ذلك راكب بجانبي وقال لي : إن عطلة هذا الذمي دائما تكون في رمضان، لأن في هذا الشهر تكون خمارته مغلقة، لكنه وأمثاله يغتنمون فرصة هذه العطلة لإدخال الإصلاحات على حاناتهم، وجعلها أكثر جاذبية واستعدادا لاستقبال عيد الفطر الذي يستهلك في أيامه “غير الذميين” أي المسلمون ما يعوضهم عن خسارتهم شهر رمضان كله!! فقلت له ليت الأوامر تصدر ليبقى إغلاق هذه الخمارات سرمدا حتى تكون الطاعة تامة ومستمرة، ولا تكون ممن يحرمونه شهرا ويحلونه عاما لا رمضان..
وليتهم أضافوا إلى ذل إغلاق أماكن أخرى يعصى الله فيها جهارا مثل أوكار التييرسي وعلب الليل في الفنادق التي شاهدنا ازدحام المراهقين على أبوابها في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر.
وليتهم يمنعون قنوات التلفزيون وشقيقتها من البرامج التي يعصى بها الله في هذا الشهر المبارك، فنحن في أمس الحاجة إلى أن نكثر من الطاعات، وأن نحرص على البعد عن المعاصي والمنكرات، لعل الله يرحمنا في الدنيا بالغيث النافع وقت الحاجة ويوفقنا في أعمالنا وحركاتنا، وسكناتنا، ويصرف عن الأخطاء، وكيد الحاقدين والمتآمرين، ويفتح أمامنا أبواب الخير ويبارك لنا في ذرياتنا وأزواجنا وتجارتنا، ويغدق علينا من خيراته، ولا يجعلنا من القوم الذين يقول فيهم رسول الله(ص) يوم القيامة سحقا سحقا، ونلقى ربنا يوم القيامة وهو عنا راض مع الذين وجوههم ناضرة إلى ربهم ناظرة.