الأنصاري عبد اللطيف
إن قانون التأثير والتأثر، أو ما يسمى بالتفاعل الحضاري، بين الأمم والحضارات والأفراد والجماعات قانون طبيعي، وسنة الهية تفرضها عدة ضرورات واحتياجات. ومادام الأمر كذلك؛ فإن الحاجة تصبح ماسة إلى معيار قيم وإلى مركز رؤية يقاس به كل ما هو وافد ودخيل على كل أمة من ثقافة ومبادئ أمة أخرى. فلا أخال أبداً أن طبيعة الأمور تقتضي فتح الأبواب والنوافد كلية لكل دخيل وغريب دون عرضه على ذلك المعيار بغية تحديد الصالح والطالح منه.
بحكم هذا الدور الخطير الذي يقوم به هذا المعيار، فإن تواجده وتأديته لفعاليته بصورة طبيعية يكون بمثابة الحصانة الفكرية والمناعة الثقافية للأمة، فهو الذي يحميها من تمثل قيم الآخر الطالحة، ويقيها من كل ما يتنافى مع قيمها وعقائدها وسلوكاتها… وبالمقابل، فإ فقدان هذا المعيار أو تهميشه، وهذا ما هو واقع للمسلمين حاليا يؤدي لا محالة إلى فتح المجال أمام الدخيل وتقبله، بل والعمل به دون إدراك لمدى صلاحه أو فساده.
ولعل الناظر لواقع المسلمين راهنا، يدرك صدق ما نقول؛ فقد أصبحنا نستسيغ كل ما يفد إلينا من ثقافة وسلوكات الغرب، سواء كانت نافعة أو ضارة : ذلك لأننا في موقع ضعف والغرب في موقع قوة وغلبة، والضعيف معجب بثقافة وقيم القوي ومولع بتقليده : وما ينبغي الإشارة إليه هو أن الضار من ثقافة الآخر وسلوكاته هو الطاغي والسائد في قائمة وارداتنا منه، فقد استوردنا منه الإباحية والتحلل الاخلاقي والإلحاد… وكل أنواع الرذائل ولَكن لم نستطع أن نقلده ونتأثر بإيجابيات ثقافته وعلومه، كل ذلك ناتج عن تهميش المعيار المقوم للسلوك والأفكار، وإذا كان المسلمون في العصر الراهن يعانون من تغييب وتهميش المعيار القيمي فإن الحاجة أصبحت تفرض أكثر من أي وقت مضى ضرورة إعادة تشكيل مركز الرؤية ومعيار القيم، الذي تعرض عليه كل الأفعال والسلوكات السائدة في مجتمعاتنا، حتى نستطيع بفضله أن نميز بين الصالح والطالح منها ونفرز كل الشوائب التي شابت معتقداتنا وسلوكاتنا حتى أصبحنا نعدها من صلب الدين، والدين منها بريء، ثم بعد ذلك نُخْضع كل وافد ودخيل إلينا من ثقافة الاخر لذلك المقياس كي يحدد لنا إمكانية الأخذ بها أو عدم ذلك.
إن إعادة بناء ذلك المعيار والمقياس وإعادة تشكيل المرجعية وتحديد مركز الرؤية بدقة، كل تلك الأمور يجب أن تنطلق وتؤسس على عطاءات الوحي الإلهي كقاعدة أساسية، ثم بعد ذلك نطعمها بما أفدناه من عقول علمائنا وصناع أمجادنا وتاريخنا الحقيقي.
إن هذا المعيار المؤسس على عطاءات النقل والعقل، سيكون هو صَمَّامُ الأمان والمنقذ من الخسران للأمة من قيم الغرب الضالة وأفكارها المضلة، خصوصا وأننا أصبحنا في زمن حرب الأفكار وصراع الثقافات والبقاء لا محالة سيكون حليف الأصوب وليس الأقوى كما يقول داروين. فليستعد المسلمون لتقديم البديل الحضاري على جميع المستويات والأصعدة فمؤشرات النصر والتمكين وشاراته بدأت تلوح… وتلوح.
قال تعالى : >قل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا< صدق الله العظيم.