إذا كانت العملية التربوية تقع بمنزلة القلب من الجسد بالنسبة للعمل الإسلامي، وباعتبار أنها المنطلق التأسيسي والموجه الموازي في بناء الشخصية الاسلامية الرسالية. فان المجال التربوي حظي باهتمام بالغ من طرف العاملين في حقل الدعوة تنظيرا وتأصيلا ودراسة. ورغم شبه التوافق الحاصل على مستوى المحاور “التقليدية” الثلاثة للعملية التربوية (الاهداف – الوسائل – المصادر) فإن ذلك لم يمنع من الخلوص إلى نتائج متباينة ومتباعدة احيانا. وأرى أن ذلك راجع بالاساس إلى التباعد الحاصل على مستوى الخطاب كمحور رابع يحكم العملية التربوية، وهو غائب في اهتمامات الدعاة والمربين من حيث البحث والدراسة والتأصيل. وأرى أنه لابد من الاهتمام بهذا المحور في ارتباطه بالمسألة التربوية، لسد ثغرة كبيرة تؤدي إلى تباينات فيما بين فعاليات الساحة الاسلامية، كأولوية للتقارب المنشود، ولا أقصد هنا بالخطاب إشكالية المصطلح أو الاسلوب، وانما الطابع العام الذي يحكم العملية التربوية ومركز اهتمامها في ذات الانسان. فغالبا ما يتم مخاطبة جزئية محددة ومعزولة في الفرد حيث يقزم المتلقي في جزئياته من جزئيات التي تتعرض للتضخيم مما يؤدي إلى بناء شخصية لا متوازنة ومشوهة.
ومن بين الخطابات السائدة نذكر ما يلي :
- خطاب روحي منغلق يركز على التهييج العاطفي للمتلقي وغالبا ما يخلق شخصية اندفاعية حماسية غير معقلنة ولا تأصيلية، ومتعصبة قد تدفع بإطارها التنظيمي، لكنها تسيء إلى حقل الدعوة في عموميته.
- خطاب أخلاقي منغلق يركز على مخاطبة خارج المتلقي ومظهره وغالبا ما يخلق كذلك شخصية خجولة مفرطة وغير قادرة على مجابهة التحديات ولاقادرة على الدفاع عن حقوقها. ومتساهلة إلى حد السماح في مكتسباتها ومصالحها فتكون مطية لكل من هب ودب.
- خطاب فكري فضفاض يركز على مخاطبة العقل من الفرد دونما مراعاة لباقي ملكاته الأخرى، وغالبا ما يؤدي هو الاخر إلى بناء شخصية آلية سوفسطائية تعيش في مدينة فاضلة مجردة. كما أن هذه الشخصية تبقى عاجزة عن التواصل مع الناس، وتحس مشاكلهم الحقيقية وبالتالي ايجاد الحلول الملائمة لها. فيكون هذا الخطاب بذلك خطابا نخبويا ضيقا.
ولابد من الاشارة في الاخير إلى أن ظاهرة التعدد والتنوع في الخطاب ليست سلبية في حد ذاتها وانما السلبي هو أن يتم التعامل مع هذه الخطابات على أنها متعارضة فيكون اعتماد خطاب ما مانع من اعتماد الاخر، في حين أن الاصل هو التكامل والجمع فيما بينها جميعا. فتكون مخاطبة عقل المتلقي وقلبه وسمته للتكوين شخصية مسلحة روحيا بعزيمة وإرادة عالية تدفعها إلى البدل والعطاء والتضحية ومزودة بمناهج فكرية متميزة تجعلها قادرة على تدبير أمورها وضبط مسار عملها وفق قدراتها الذاتية بمراعاة ما يتطلبهُ الموضوع ومنظبطة بمقاييس آخلاقية تجعلها شخصية إنسانية قبل أي شيء آخــر.
م. ل