ذ. أحمد الفيلالي
تَتَبَّعَت معظم الصحف والإذاعات والتلفزيونات العربية، وباهتمام مبالغ فيه، كل مراحل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة : فمن مقابلات مع سياسيين يهود؛ إلى حوارات مع محللين سياسيين يهود وعرب وغربيين؛ ومتابعة وتحليل استطلاعات الرأي الإسرائيلية؛ وتعريف بالاتجاهات والأحزاب السياسية وبالمرشحين وبنظام الانتخابات الإسرائيلية؛ واستطلاع لنوايا تصويت العرب المقيمين في إسرائيل… بل إن الأمر وصل إلى حد استطلاع رأي الشارع العربي عن هذه الانتخابات… وبعد ما ظهرت النتائج بدأ الحديث عن تركيبة الحكومة الجديدة وعن آفاق مسلسل السلام…
إن هذا الإنزلاق الخطير لم تسلم منه حتى بعض المجلات والجرائد المعارضة لمسلسل السلام مع إسرائيل.
وهذا الاهتمام المبالغ فيه كما قلت لا نجده بالمثل في تغطية بعض الاستحقاقات العربية، فهل هذا يعني اعترافا ضمنيا بأن الكيان الإسرائيلي كيان ديمقراطي، وأننا غير ذلك، أو على الأقل أكثر ديمقراطية منا، وبالتالي تفسير هذا الاهتمام بأنه انبهار وتكبير إسرائيل في نفوسنا. أو يعني بأن إسرائيل الكبرى قد تحققت بحيث سلمنا لها قيادتنا حكاما ومحكومين، وبالتالي فالأمر يهمنا لأنه انتخاب لقيادتنا، أو أن القضية غير هذا ولا ذاك بل هي وكما تروجه وسائل إعلامنا وتصريحات قادتنا، لها علاقة بمصير السلام، الذي أصبحنا نحرص عليه ونعض عليه بالنواجذ. لهذا نجد أن بعض الأنظمة العربية وأحزابها ومثقفيها المغفلين، كانوا يتمنون الفوز لحزب العمل لكي لا يضيع السلام، بل إن منهم من تجنّد خلال الحملة الدّعائية لمساندة بيريز أما البعض الآخر فكان أكثر موضوعية، لأنه كان يعلن بأن لافرق بين اليمين واليسار، بل إن تاريخ اليسار أكثر دموية من اليمين الذي يرجع له الفضل في انطلاق قطار السلام، ولكنه كان لا يريد لهذا القطار أن يبلغ محطته الأخيرة والمتمثلة في : الدولة الفلسطينية وعاصمتها قدس اصطناعية(*) أو جزء من القدس الحقيقية؛ والانسحاب من هضبة الجولان وجنوب لبنان. وهكذا يبدو أن الدول العربية عموما، اختارت حزب العمل الذي يريد الموت لنصف العرب فقط، عوض حزب الليكود الذي يريد الموت لكل العرب.
إن متابعة الشأن اليومي اليهودي في الأراضي المحتلة، قد أنسانا أن إسرائيل دولة واحدة والشعب اليهودي شعب واحد، وما تنازع واختلاف أحزابه إلا من أجل إسرائيل الكبرى، القائمة على اغتصاب أراضينا. وهذا الاختلاف -خصوصا بين الليكود والعمل- ليس اختلافا مبدئيا، وإنما هو اختلاف في تأويل النصوص التوراتية المزيّفة، فالليكود اتجاه نصّي ظاهري يرى بأن تنزيل النصوص ينبغي أن يكون كما تنص عليه هذه النصوص بدون تأويل، والعمل اتجاه مقاصدي يرى بأن العبرة في تحقيق الهدف وليس في تحقيق الوسائل المنصوص عليها، فإسرائيل الكبرى -حسب حزب العمل- ليست بالضرورة هي الأراضي الخاضعة مباشرة لسلطة اليهود وحكمهم، والتي ينبغي أن تكون حدودها ما بين نهري الفرات والنيل، امتثالا للنص القائل : “من الفرات إلى النيل هبة لك يا إسرائيل”، ولكن يمكن، بل أصبح واقعا، أن تكون الحدود الجغرافية أوسع بكثير من تلك المنصوص عليها، ولكن وسائل التحكم ليست بالحكم المباشر.
وهذا الاختلاف هو نفسه الذي وقع عندما تصاعدت المقاومة وحروب التحرير ضد الاستعمار الأوربي في الدول النامية، بحيث انتصر الرأي الذي يقول بمنح هذه الدول استقلالا صوريا (الاستعمار غير المباشر) على أن تتحكم القوى الامبريالية في اقتصاديات وسياسات وقوانين هذه الدول، وهكذا عَوَّضَتْ “التَّبَعِيَّةُ” الاستعمار، وأصبحت الامبريالية تملك الثروات والشعوب وتستغلهما بعدما كانت تملك الثروات فقط وتخسر الشعوب التي كانت تحاربها خلال الاستعمار المباشر.
وفي الأخير فاز الليكود أم فاز العمل، فإن النتيجة هي فوز إسرائيل بصفة عامة، لأن في كلا البرنامجين نجاح لإسرائيل وفرض لسيطرتها وجبروتها، والمنهزم الأول والأخير في هذه العمليات الانتخابية هي الشعوب العربية والإسلامية التي فقدت أراضيها وحريتها، والأنظمة العربية التي تحرجها إسرائيل بنظامها ومؤسساتها الديمقراطية -طبعا في الإطار اليهودي- لأن هذه الأنظمة وصلت إلى الحكم بدون وسائل ديمقراطية، وتحكم شعوبها بالحديد والنار، كما أنها لم تستشر شعوبها في استسلامها الشجاع مع إسرائيل.
————–
(*) صرح بيريز في حملته الانتخابية، بأنه سيقترح على الفلسطينيين بناء مدينة جديدة في الضفة الغربية، يطلقون عليها إسم القدس الشريف.