إن لسيادة السلم الاجتماعي شروطا ضرورية على رأس هذه الشروط تحقيق كرامة المواطن داخل وطنه، ولا تتحقق الكرامة إلا بالعناصر الأساسية التالية :
1- تحقيق الضروريات التي بها قوِام الإنسان من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ومركب وتعلم وعلاج، وهذه كلها لا تتحقق إلا بالسعي والعمل الذي هو حق من حقوق كل مواطن صالح، حتى لا يكون عالة على غيره، والعالة ذلة ومهانة.
2- حق المطالبة بهذه الضروريات إذا ما أصابها عَطَبٌ، أو أحْجَفَت طائفة أو فرد بحقوق الآخرين، أو قصْرت هيئة أو حكومة في رعاية حقوق الآخرين، وصون كرامتهم.
3- حق الدفاع عن هذه الضروريات اذا ما وقع التمادي في تجاهل المطالب والحقوق، لإهمال، أو سوء تخطيط، أو سوء ترتيب للأولويات الاجتماعية، أو سوء تقدير للعواقب… فكل ذلك يبرر النصح والدفاع عن الحقوق بمختلف الوسائل الحضارية الكفيلة بالتنبيه والتحذير وإبلاغ الاحتجاج بالصوت العالي، بدون أن يحدث ذلك أية فتنة تأتي على الأخضر واليابس لا قدر الله تعالى.
ولقد كان يوم خامس يونيو 1996 يوما مشهوداً في تاريخ المغرب لعدة اعتبارات :
أولها : أن الإضراب وقع في الزمن الذي لا تجد دولة من الدول العربية تسمح بحدوثه، حتى لبنان التي تُنعَت بالدولة الديمقراطية نزل الجيش فيها الى الشارع لمنع حدوث الإضراب في وقت من الأوقات، أما دُولٌ أخرى فما زالت تُطَبَّقُ فيها حالة الطوارئ، بدون أدنى مبرر إلا الخوف من التعبير عن الرفض للإفلاس السياسي والإجتماعي، وناهيك عن الدول التي يتم التحاور داخلها بالسلاح والاغتيال. وهذا مكسب يبشر بخير كثير.
ثانيها : أن الإضراب تم بتلقائية وعفوية وبانتظام لم تعكر صفوه فتنة دامية، أو تخريب طائش، والشاذ لا حكم له.
ثالثها : إن الكرامة قد تحققت فيه لأن أي جهة لم تلجأ إلى ممارسة أي نوع من أنواع الضغط كما كان الشأن سابقا، وهذا دليل على أن المغرب بدأ يستوعب التجارب، ويعمل بمختلف شرائحه الاجتماعية على تدارك ما فات أيام استعراض العضلات، وتسجيل ضربات الفوز لهذا الفريق أو ذاك، وتضييع الطاقات في الكلام عن الغالب والمغلوب.
رابعها : أن يوم الإضراب لم يكن فيه غالب ولا مغلوب، ولا مهزوم ولا منتصر، وإنما كان اليوم يوم انتصار على القهر، والذل، والكبت، والتطاحن بين فئات من الشعب، ويوم احتفال بِبُشْرَيات الحرية والكرامة والتعبير بالصوت العالي عن طموحات وآمال وآلام الشعب الذي لم يكن يُسمح له بإسماع صوته إلا داخل صدره. والنجاح في اجتياز هذه العقبة أهمُّ مكسب تحقق يوم الإضراب.