إن اختيار شعارُ “عناقيد الغضب” للحملة التأديبية المجردة على حزب الله يحمل في طياته أبعاداً ودلالات ذات مغزى عميق، أهمها :
1- الغرور والصّلف : ذلك أن المغرور يريد أن يشعر خصومه بقوته التي يظن أنها لا تقهر، ولذلك لا ينبغي إغضابه، وبالمقابل ينبغي الاستجابة لكل مطالبه. 2- الشعور بالانهزام الداخلي : لأن الغضب عنوان الضعف المعنوي والقانوني، لأن المسح بقوة الحق، وحجة القانون لا يغضب لمطالبة المظلوم بحقه، ولكنه يبالغ في الغضب لتبرير الظلم والتعدي، وابتزاز الشرعية المزيفة.
3-الاستخفاف بالخصم واحتقاره : ويتمثل ذلك في التهوُّر الذي قَدَّر أن الضربات السريعة والموجعة ستحسم الموقف في أقصر مدة زمنية ممكنة.
4- عزل الخصم للالتفاف عليه وخنقه : اذ ظن الغاضب المغرور أن حزب الله مقطوع الصلة بالشعب والأمة، ولذلك أراد أن يُحَجِّمَ دوره، ويكرس عُزْلَته، لامتطاء الأمة كلها عن طريق تهميشه وتَحْيِيده.
ولكن عناقيد الصمود التي أثمرها الإيمان بالرسالة الإسلامية وحقها في الوجود أحرقت عناقيد الغضب وجعلتها رماداً تذروه الرياح، وكانت درسا بليغا للخصوم الغاضبين بغير حق، كما كانت درسا بليغا للمتخاذلين المتهاوين، ويأتي على رأس الدروس المستفادة من المواجهة غير المتكافئة بين الحق شبه الأعزل، والباطل المسلح بأفتك الأسلحة وأكثرها دماراً ما يلي : 1- أن المومن بحقه الشرعي في الحياة بكرامة وهوية لا تستطيع أية قوة تدمير معنويته أو هَزْم قوة صموده، وضَرْب عمق إيمانه.
2- أن المعتمد على رَبِّه بصدق وإخلاص، وبدون غرور ولا تَعَدٍّ، لاَ يَخْذُله الله أبداً. 3- أن الخير في الأمة الإسلامية لا ينقطع أبداً، فلقد أخذ الخصم من مؤتمر الاستسلام بشرم الشيخ الإذن المفتوح بالقضاء على كل بادرة جهادية، ظهرت في أي جهة من الجهات، فجاءت الحملة التأديبية، لتكشف للعدو المُؤدِّب أنه مازال لم يَتَأدَّبْ مع الله تعالى، ومازال لم يَفْهَمْ العبر من التاريخ، ولم يَفْقَه السُّنن الكونية، اذ لو كان يفقه السنن ويعرف التاريخ، ويعرف قدر الله عز وجل لما تطاول على فئة قليلة تدافع عن أرضها المغتصبة بدون حق، ضاربا عرض الحائط بكل القيم والأعراف الدولية، ليس لها من سند إلا اللهُ تعالى والحقُّ الذي تدافع عنه. إن الصمود الذي ابداه حزب الله في مقاومة القوى الإسرائيلية الغاشمة أفشل جميع الخطط الماكرة التي تستهدف تكريس هزيمة الأمة نفسيا وايمانيا وماديا، وأعاد الاعتبار للروح الجهادية التي من شأنها حفظ حقوق الأمة الإسلامية، وصيانة كرامتها، كما جعل بعض المتهاوين يشعرون بتأنيب الضمير أمام خصم لا يعرف حداً لأطماعه، ولا قيداً لأهوائه، فبدأوا يرفعون أصواتهم مستنكرين العدوان الظالم على شعب مسالم، ومقاومة شرعية، وأطفال برآء. وفي ذلك نوع من الإيقاظ للغافلين، ونوع من استرجاع الوعي بالذات، ونوع من الإقرار بحق الشعوب في الدفاع عن أرضها وحقوقها المادية والمعنوية، بدون أن يصنف الدفاع عن الذات في خانة الإرهاب، كما اعتاد ذلك المستعمرون الظالمون.
فعسى الله تعالى أن يأتي بفرج اتحاد المسلمين حكاما ومحكومين على الإسلام، ويقومون جميعا لإعلان الجهاد على الباطل بالحجة والدعوة.