بأقلام القراء
قال الكاتب المغربي : “رشدي الصديقي” في كتابه : “بين السراب والحقيقة”(*)
قال لي يوناني :
- كيف يُعقَل أن مائة مليون عربي لم تستطع قهر ثلاثة ملايين يهودي؟
- إنهم ليسوا مائة مليون وليس الآخرون بثلاثة ملايين.
- ولكن الإحصائىات تشير إلى ذلك.
- ومتى كانت الارقام تدل على شيء؟ إنك يمكنك أن تلعب بالارقام، حتى تُرجع الفقير غنيا والغني فقيراً في أعين الناس. إنهم ليسوا مائة مليون. إنهم أقل بكثير من هذا العدد (…) ولكنهم أخطأوا حين قاموا بالإحصاء، لأنهم عدّوا النساء رجالا لانهم أيضا يلبسن “الجين” (سراويل الجين JEAN) الازرق.
وليس اليهود ثلاثة ملايين. إنهم أكثر بكثير من هذا العدد لأنهم حين قاموا بالاحصاء كانت النساء في قلب الحرب ولم يعدّوا النساء… “إننا نحن شعب الخبز والجنس. ليس الجوع مرضنا إنه عرض للمرض” ” ليس الجوع مرضنا إنه الاستيلاب” انتهى. فضّلت الاستهلال بهذا الاستشهاد لما توجد بين طيّاته من حقائق مُرّة عن واقعنا المعيش، ستكون سندا لي، أفسر على ضوئها ما أود تبليغه من خلال هذا المقال المتواضع، ولو أن ما سيُقال أوضح من الشمس في كبد السماء وما ينقص هو الكلام :
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
أظن أن القارئ لا يحتاج لتفسير ما قاله الكاتب المغربي، لان هذه الأفكار أولا وقبل كل شيء ليست سوى عُصارة لإفرازات الواقع الذي نرزح تحته اليوم، لكنني سأستعير العبارتين الاخيرتين لتطعيم كلامي : “إننا شعب الخبز والجنس. ليس الجوع مرضنا إنه عرض للمرض” “ليس الجوع مرضنا إنه الاستيلاب”؛ أجل، نحن شعب الاكل والجنس… الطعام هو كل ما يشغل بالنا والجنس هو الفاكهة التي بها نهضم شبعنا نفطر بالجنس… نتعشى بالجنس… نتغدى بالجنس… ننام على الجنس ونقوم على الجنس إننا مستكبون بالجنس، مستكبون بـ”الشهوة الحمراء” التي اصبحت لا تميزنا عن الحيوان مع أن الرحمان رفع منزلتنا إلى عنان السماء : {ولقد كرمنا بني آدم}-الآية- وهل كرمنا نحن أنفسنا؟! ودون الذهاب بعيدا، فلْنسِقط هذه الأحكام والاستخلاصات على واقع بلدنا “المسلم” : المغرب فما هي النتيجة؟! كيف انقلب حالنا…؟ متى نُفيق من “صمت القبور” الذي يخيم على ضمائرنا؟ إن الغرب الذي نتخذه إسوة قد غَرِق في شهواته… أراد الغوص في بحرها الواسع لاكتشاف المزيد من “الكنوز” إرضاء “لحيوانية” الإنسان -إن جاز التعبير- فغرق واصبح ينشد حبل النجاة.. لم يجد من يصدّر إليه فائض همومه ومشاكله الاخلاقية سوانا نحن دول العالم الثالث (بمقياس النظام العالمي الجديد)… لم يجد قوما يشربون الجنس كالماء غيرنا… لم يعرف كيف يتخلص من الحمل الذي أثقله، فرماه لنا كهدية ملغومة فأسلم هو وكفرنا نحن!!!… نوى فصْلنا عن شريعتنا التي قهرت كبرياءهم على مر العصور وكان له ما أراد. أين نحن من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء))؟! فإلى أين نمضي وفي أي طريق نسير…؟ هل سيُسلم الغرب ونتنصر نحن؟ لَعَمري إننا في العير ولا في النفير : نحن أمة أضاعت نهجَها القويم فتقطّعت بها الحبال وتعلقت بين السماء والارض (لا هي بالمطلقة ولا هي بالمتزوجة حسب قاموس الزواج)!.
فليعذرني القراء إذا أسهبتُ في إصدار تحليلات ومواقف ربما يراها البعض متجنّية على الحقيقة أو مبالغا فيها وربما يراها البعض الآخر معقولة منطقية. والحقَّ أقول : ما قصدتُ من هذا سبّا ولا تقريعا مجّانيا أبغي اتباع قاعدة : خالفِ تُعرف -حاشا لله- إنما رغبتُ في إخراس من يتشدقون بالقول إننا “سائرون في طريق التقدم” بمجرد استيراد بعض ما توصلت إليه مدَنيتُهم من وسائل خاصة الترفيهية منها وعلى سبيل المثال : السينما، هذا الاسم الذي باتَ مقدسا عند الناس أكثر من قداسة المسجد… يحرصون على زيارته كل حين، وعند سماع الآذان تجَهّم الوجوه وتسوّد وتنطلق الافواه بِلَعن هذا المؤذّن الذي افسد الفُرجة أو أيقظ من النوم! هذا الجهاز الذي يُسهّر أمامه إلى منتصف الليل… أما المسجد فيقفل فور انتهاء صلاة العشاء!! يا للمفارقة، ويا للعجب العجاب!.
بيت الله… بيت رب العالمين الذي يزور فيه المسلم خالقه خمس مرات في اليوم… يُقفل! ألم يقل رسول الاسلام -عليه الصلاة والسلام- في الحديث القدسي (ما معناه) : “إن المساجد بيوتي والمصلّون زواري… وحقّ على المزُور أن يكرم الزائر”يا سبحان الله… أي كرم ضيافة بعد كرم الله عز وجل وهو أرحم الراحمين! فكيف نشبع من زيارة ربنا ونُغلِق باب لقائنا له في الدنيا والآخرة، ونفتح باب “الشيطان” على مصراعيه فنستحِقّ اللعنة والعذاب الاليم -والعياذ بالله- لقد أدرك اعداء الاسلام قديما سِرّ قوة المسلمين وإصرارهم على القتال في كل الاحوال : أدركوا أن هذه القوة لا تنبع من العدة ولا العتاد ولا تنبع من كثرة العدد أو قلته، بل من مقدار إيمان المسلمين وتمسكهم بعقيدتهم السمحاء ومن هنا فلا قوة في الارض تهلكهم وتكسر شوكتهم سوى القضاء على هذا الإيمان وادخال الشك في القلوب. وفي هذا المضمار قال أحد الصهاينة : “كأس وغانية يفعلان في العرب ما لا تفعله الجيوش والدبابات” وفعلا كان صادقا وبرهن التاريخ على صدقه : أدخَلوا إلينا أفلام الدعارة التي سئموها وما عادوا ينتجوها إلا لنا! عرّوْا أمامنا نساءنا فكسروا حاجز الحياء والحشمة الذي حمانا به الاسلام من الفواحش الغامسات في جهنّم… أبعدونا عن طاعة الله إلى طاعة “شياطين” أنفسنا وكأنهم قرأوا حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((ما تركتُ فِتنة أشد على الرجال من النساء)) -صدق خير المرسلين- ولم يكتفوا بذلك بل جعلونا نتفاخر بالفاحشة فيما بيننا ولامَن يحرّك ساكنا لتغيير المنكر! إن القلب ليخجل من صور النساء شبه العاريات أمام دُور السينما بدون أدنى احترام حتّى للاعراف والتقاليد المتأصلة في مجتمعنا عبر الزمان. وعجبتُ من سرعة تناسل هذه القاعات في احيائنا ومدننا وتساءلتُ لم البطء في مَنْح رخص بناء المساجد وخاصة رخص صلاة الجمعة التي لا يظفُر بها أصحابها سوى بعد سنوات تكفي لِهَدِّ الجبال!!
لقد ضاع شبابنا وهم على من نعتمد في بناء صرح هذه الأمة ولا منجّي له إلا شريعة الله وسنة رسوله الكريم.
إنني لأستغرب واتعجب : كيف ننتسب للاسلام خير الاديان ونعتز بتخصيص الله لنا بوصف –{كنتم خير أمة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}، ونسكت عن هذا الفِسق الذي سرى فينا مسرى النار في الهشيم؟! ترى هل انقلبت الآية وأصبحنا نأمر بالمنكر وننهى عن المعروف؟!! لو كان هذا هو ما حلّ بنا، فقد عَرفْنا سبب نُصرة أعداء الدين علينا وانتكاس أحوالنا نحن أصحاب الحق الذي لم نقدّره حق قدره وبدلنا فيه تبديلا.
نعم، لهذا نعيش هذا الانحطاط الذي ينخُر جسدنا من كل جانب : وما في الكون اعظم برهانا من القرآن : {لُعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم. ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهَوْنَ عن منكر فعلوه لبيس ما كانوا يفعلون}-صدق الله العظيم- فهل نرضى أن ننزل إلى مرتبة بني اسرائيل الجاحدين لنِعم الله وهم شر البرية {قلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَتُوبَةً عِنَدَ اللَّهِ منْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وجَعَلَ مِنْهُمْ القِرَدَة والخَنَازِير وعَبَدَ الطَّاغُوتِ أولئِكَ شرٌّ مَكاناً وأضَلُّ عنّ سواءِ السَّبيل}(سورة المائدة الآىة 62). إِنَّ ما أقوله ليس تحامُلاً مني على التقدم والازدهار ورجوعاً إلى الوراء وإعراضاً عن كل ما هو عصري، إنما حزّ في نفسي أن ينشأ أطفالنا الذين لم يطِّلعوا على عورات النساء بعْد في (رحاب) السينما وليس في رحاب الله… المسجد. وتفَطّر قلبي على توَهان الشباب في متاهة صنعها الغرب وسيَّرونا فيها “كالكراكيز”، ففرَّخَت إنسانا يحفظ أسماء الفجّار المستكبرين من اوربا وامريكا أذنابهما، ولا تستقيم في فمه ولو سورة الفاتحة، فعجزتُ عن تصنيفهم -وهنا الطامة الكبرى- : لاهم هُنا حيث صلاحهم وعزتهم، ولا هم هناك حيث المادية وحب الذات، وحيث تحوَّل المجاهد والداعية إلى “إرهابي”، وصانع الإرهاب إلى “رجل سَلام” يبغي الخير للانسانية، وحيث يكون “أسداً” مع الفلسطينيين فيغتصب حقوقهم وينتهك أعراضهم لانهم (مسلمون) ويكون “نعامة” تدفن رأسها في التراب، عندما يُذَلّ أمام عينيه شعب مسلم لمجرد ذِكر : “لا إله إلا الله محمد رسول الله”.
{فاعتبروا يا أولي الأبصار}
————
(*) دار الطباعة الحديثة – الطبعة الأولى 1983 ص : 45 – 46
م. ح