تحتل المشكلة الاقتصادية في الوقت الراهِّن، واكثر من اي وقت مضى، حيزا مهما بداخل الكتابات والدراسات ذات الاهتمام بقضية النهوض والتحديث والتطور الذي تفرضه المرحلية الحضارية المعاصرة وقد ألفت في هذه المشكلة العديد وعقدت مئات الندوات كانت في مجملها تحاول تشخيص الاشكاليات وتبحث عن شروط تجاوز الأزمة. ومن بين الكتابات العربية الاسلامية التي خرجت للساحة هذه السنة كتاب الاستاذ عبد السلام ياسين حول موضوع (في الاقتصاد الاسلامي : البواعث الايمانية والضوابط الشرعية). وكما هو واضح من خلال العنوان فان الكتاب لا يتعلق بدراسة اكاديمية وعلمية رياضية، بقدر ما يسعى مؤلفه إلى تناول هذا الموضوع من زواية اخرى. يقول موضحا ذلك في مقدمة الكتاب : «لأهل الاختصاص أن يكتبوا عن الاقتصاد من جانب الارقام والكم والتحولات والموازنات، وهم في سعة ليزعموا أن علم الاقتصاد علم مضبوط أو يكاد وتتقلب النظريات، ويخضع الكم وتخضع الارقام لضرورات الوقت، وأجواء المصالح، ورياح التغيير، وكبسات التجارة العالمية ونكساتها (...) ما كانت نيتي أن أزاحم أهل الاختصاص، وأنى لي! إن كتبت عن بواعث الإيمان وضوابط الشرع فيما يخص الاقتصاد فلست مغترا أن يتحول السوق عن طبعه يوما، ولا أن يصبح أهل السوق وقد تخلقوا بأخلاق الايثار والرحمة وإيتاء الفقير واليتيم والمعذب في الارض (...) لكن الحكم الاسلامي، وهو حقيقة الغد في حساب السياسة ووعد الوحي، ومطمح الامة، لابد أن يسهم المومنون في انارة طريقه كيلا يحيد اقتصاد الدولة الاسلامية عن سكة الشريعة أو تتبطنه الروح الخبيثة، روح الاستكبار والافساد في الارقى»(ص : 3 - 4) لقد ألف الاستاذ عبد السلام ياسين مباحث هذا الكتاب منذ أكثر من اثنتي عشرة سنة، وقد عاقت نشره مجموعة من العوائق، يقول «أعود بعد أكثر من اثنتي عشرة سنة لأضيف إلى الفصول الراقدة خاتمة تتبصر في أحوال الدنيا وأهلها بعد الاحداث الحافلة التي راجت وماجت (...) ولتسأل عن مسلك المؤمنين، وسياسة المؤمنين، وتطلع المؤمنين، وهم غدا حاملون الاعباء، وجائلون في الارجاء»(ص : 4) ويتكون الكتاب من اربعة عشر فصلا يتخلل كل فصل مجموعة من المباحث. 1- التخلف 2- التحرر من التبعية 3- الاموال 4- ادارة المال 5- الاقتصاد 6- الانتاج 7- التوزيع 8- اقتصاد لامركزي 9- النطاق الايماني للاقتصاد 10- القومة الزراعية 11- بأس الحديد 12- العمل 13- العدل 14- الرخاء -خاتمة. وقد ذيل المؤلف خاتمة كتابه بثماني ملاحظات اختصت الأولي بضرورة التحرر من أعباء التسلح ومدينويته، والثانية خصصها لقضية الاندماج الاسلامي والتوحد والوحدة على صيغ تدريجية حسب الامكان باتباع منهجية محددة. أما الملاحظة الثالثة فعن الاقلاع الاقتصادي والتنمية الناجحة في عالم المنافسة. الملاحظة الرابعة حول الرشوة والظلم والفساد وغيرها من حيث مصادرها ونتائجها وسبل التخلص منها الملاحظة الخامسة فتدور حول اصلاح التعليم والبحث العلمي والسادسة تدعو إلى تبني الاساليب الحديثة في الادارة، والسابعة تدور حول التعامل مع القوى العاملة بانسانية في حين تختص الملاحظة الثامنة بالدعوة إلى انشاء مؤسسات تنسيق بين اقصادات الاقطار المسلمة. إنه بالرغم من الانتقادات التي وُجهت لهذا الكتاب من قبل باحثين تحركهم النزعة المذهبية والايديولوجية، فانه يمثل اضافة إلى خزانة الفكر الاسلامي المعاصر وذلك بمحاولته الجادة لتأصيل الخيار الاقتصادي للامة العربية الاسلامية وهي تتخبط في ويلات الاقتصاد الربوي اللامشروع وعملية التأصيل هذه تسعى إلى البحث عن (البواعث الايمانية) واظهار (الضوابط الشرعية) التي من خلالها يمكن أن نؤسس اقصادا إسلاميا له مميزاته وخصوصياته التي تشده بالأصول وتضمن للمعاملات بين الناس والامم قانونا ينبني على المصلحة ودرء المفسدة وتلك هي احدى مقاصد الشريعة.