يعتبر الفقر من أهم المشكلات التي تؤثر على عقيدة ومُثل وأخلاق وسلوكيات وفكر وثقافة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، ولقد اهتم الإسلام به اهتماماً بالغاً ووضع الضوابط التي تحجمه وتكبح طغيانه والحلول التي تعالج أسبابه، ذلك بهدف المحافظة على الأمة الإسلامية عزيزة قوية.
ولقد منّ الله سبحانه وتعالى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقال له : >ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاًّ فهدى، ووجدك عائلاً فأغنى<(الضحى : 6 – 8)، كما منَّ على قريش فقال لهم : >…فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف<(قريش) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن ندعو الله، فنقول : >اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر< ويقول أيضاً >اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة…< الآثار المعنوية لمشكلة الفقر في نظر الإسلام : ويربط فقهاء الإسلام بين الفقر وعقيدة الإنسان ومُثله وسلوكياته، فعلى سبيل المثال يقول السلف : >إذا ذهب الفقر الى بلد قال له الكفر خذني معك< ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : >كاد الفقر أن يكون كفراان جارية الإمام أبي حنيفة قالت له يوماً في مجلسه : ان الدقيق فقد، فقال لها : قاتلك الله، لقد أضعت من رأسي أربعين مسألة من مسائل الفقه<، كما أنه قال : >لا تستشر من ليس في بيته دقيق< ليحصل من هذه الصنعة على رزق يغنيه عن الفقر حتى يكون حراً في فتواه وإبداء رأيه وأن لا يكون أسيراً للمال والسلطان. كيف عالج الاسلام مشكلة الفقر : لقد وضع الاسلام مجموعة متكاملة من الوسائل العملية الجادة لمعالجة مشكلة الفقر على مستوى الفرد والأسرة والدولة منها على سبيل المثال نظراً لضيق المكان ما يلي : (لمزيد من التفصيل يرجع الى كتابنا >مشكلتا الجوع والخوف وكيف عالجهما الاسلام)
أولا : العمل الجاد : والضرب في الأرض ابتغاء الرزق الطيب الحلال، وفي هذا يقول الله عز وجل : >فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله<(الجمعة : 10)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: >أشرف الكسب كسب الرجل من يده< ويقول : >ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده وان نبي الله داود كان يأكل من عمل يده< فالعمل في الاسلام من موجبات الحصول على الرزق الحلال الطيب ولا يجوز للفرد أو الدولة أن تعيش عالة حتى لايفقدوا حريتهم وعزتهم. ثانياً : الهجرة والضرب في الأرض ابتغاء الرزق الحلال الطيب، ولقد أمرنا الله بذلك فقال : >ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيرة وسعة<(النساء : 100) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : >سافروا تستغنوا< رواه الطبراني. ويقول عمر بن الخطاب : >ما من حال يأتيني عليها الموت بعد الجهاد في سبيل الله أحب اليّ من أن يأتيني وأنا التمس من فضل اللهوتعاونوا على البر والتقوى<(المائدة : 10) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : >ليس منا من بات شبعان وجاره جائع< متفق عليه، كما يقول كذلك >مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر<(متفق عليه) ولننظر الآن ماذا يحدث لو أن الدول الاسلامية الغنية تعاونت مع الدول الفقيرة في كافة المجالات لعولجت مشكلة الفقر ولتحققت العزة للأمة الاسلامية. رابعاً : زكاة المال والصدقات التطوعية ونظام التكافل الاجتماعي الاسلامي من أهم الأساليب لمعالجة الفقر وكافة الأمراض والأوجاع والأزمات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية… فيقول الله عز وجل : >إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها…< إلى آخر الآية(التوبة : 60) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه الى اليمن : فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقرائهم ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلا بما صنع أغنياؤهم ألا وإن الله يحاسبهم حساباً شديدا أو… يعذبهم عذاباً أليماوفي السماء رزقكم وما توعدون<(الذاريات : 22) كما يحذر الله عز وجل من قتل الأولاد خشية الفقر فيقول سبحانه : >ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق نحن نرزقهم واياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيرا<(الاسراء : 31).. فالقرآن يربط بين العقيدة والأرزاق.. وما نحن فيه من قحط وحياة ظنك الا بسبب فساد العقيدة عند معظم الناس. ومن ناحية أخرى يطلب منا الله عز وجل الكثرة من الدعاء والاستغفار في حالات الرخاء والقحط فقال تعالى على لسان سيدنا نوح : >فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل عليكم السماء مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهارا<(نوح : 10 – 12). وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يهرع بالدعاء في حالات القحط والكساد وكان يقول >اللهم أغثنا اللهم أغثناولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون<(الأعراف : 96). وهكذا يتبين أثر العقيدة والاستغفار والتقوى في الأرزاق والتي لا تقدر الوسائل العملية السابق بيانها في جلبها مثل نزول الأمطار وتوجيه الرياح واستخراج الخيرات التي في باطن الأرض. وهنا يتبين عظمة الاسلام في الربط بين الوسائل العملية والايمان والتقوى والصلاح في علاج مشكلة الفقر، ونسأل الله عز وجل أن يبارك لنا فيما رزقنا ونعود به من الفقر إلا إليه وهو يقول الحق وهو يهدي السبيل.