د. لحسن الداودي
الباب الثاني : السياسة المالية
بعد تحديد الاطار الموجه او المرجع للسياسة المالية، يمكننا الان ان نحاول تعريف هذه السياسة والبحث في تحديد اهدافها وادواتها وتركيب الايراد العام والانفاق العام مع السعي للاجابة عن بعض التساؤلات المتعلقة بموقع القرض العام وامكان استعمال الزكاة في السياسة المالية.
أ- تعريف السياسة المالية الاسلامية :
السياسة المالية هي محاولة تطبيق النظام المالي بهدف عمارة الارض عمارة تخدم مصلحة الاسلام والمسلمين. وهي فَنّ عملي يهدف الى تطوير الواقع من حسن الى احسن. والمطلب هنا هو الرجوع الى النظام المالي الاسلامي لا الى السياسات المالية التي عرفها التاريخ الاسلامي، اما تلك السياسات التي اتبعها الخلفاء الراشدون فتعد وسيلة من وسائل فهم النظام المالي ولكنها لا تمثل النظام نفسه.
ان الواقع هو الذي يفرز كيفية التعامل مع النظام المالي، ولكن في اطار الثوابت. وهذا يدفعنا إلى الاستنتاج التالي : ان كل ما استحدث على مستوى ايرادات او نفقات الدولة الاسلامية يعد عنصرا من عناصر السياسة المالية ويندرج علميا في اطار تاريخ الفكر او تاريخ الاحداث حسب الحالات، وينطبق هذا الكلام حتى على الخراج والعشور حيث بين لنا الله سبحانه وتعالى من خلال سيرة عمر رضي الله عنه انه بإمكان المسلمين فرض ضرائب جديدة لم ينص عليها النظام بصفة مباشرة. والخراج (رغم ارتباطه بالفيء) مثل العشور يعدان وليدي الاجتهاد. وبإمكان الدولة الحديثة ان تزيد او تنقص منهما او حتى ان تتخلى عنهما، ولكن لا يمكنها في اية حالة من الاحوال ان تتخلى عن الزكاة وهنا يكمن الفرق بين النظام المالي والسياسة المالية.
ب- اهداف السياسة المالية :
ان هذه الاهداف تندرج في اطار اهداف النظام التي ترمي بدورها في آخر المطاف الى اعلاء كلمة الله. وإذا كان الواقع هو الذي يحدد بصفة دقيقة كيفية تحقيق هذا الهدف، يبقى من الممكن معالجة الموضوع معالجة نظرية. وقد تنصب الاولويات في كيفية ضمان العدالة الاجتماعية واستقرار وتيرة النمو الاقتصادي، واستقرار العملة، وضمان مركز القوة للمسلمين(كتب الدكتور العوضي ما يلي : “وأحدث الاتجاهات في تحديد الوظائف التي تؤديها الدولة من خلال المالية العامة يتأسس على ان الدولة تؤدي ثلاث وظائف :
- وظيفة تخصيص الموارد
- وظيفة اعادة توزيع الدخل
- وظيفة الاستقرار والنمو الاقتصادي” (نفس المرجع، ص 124)
ولولا تضمين هذا التصنيف وظيفة التخصيص بصفة مطلقة لكان سليما)
1) العدالة الاجتماعية :
تعد العدالة الاجتماعية من الصفات الرئىسية لكل مجتمع يُحكم شرع الله ويطمح ان يكون قدوة لباقي الامم. والله سبحانه وتعالى لم يكتف بفرض الزكاة لهذا الغرض ونصيب معلوم من الموارد الاخرى (الفيء مثلا)، بل حث المسلمين ومن خلالهم الدولة على بذل كل الجهود في سبيل اغناء الفقراء. انه هدف اساسي اذ لا يمكن تصور مجتمع متماسك الاعضاء والفقر المدقع يعشعش فيه بجانب الغنى الفاحش، وهي حالة لا صلة لها بالاسلام او بصفة اخص بالسياسة المالية الاسلامية. لذلك على كل دولة تتبنى الاسلام ان تسهر على اعادة توزيع الدخل حسب مقتضيات الواقع ومستلزمات السياسة الاقتصادية ككل.
2) الاستقرار :
الاستقرار هنا نوعان – استقرار على مستوى وتيرة النمو الاقتصادي، واستقرار العملة الوطنية.
- استقرار وتيرة النمو :
ان عمارة الارض عمارة اسلامية تقتضي نموا اقتصاديا متوازنا وشاملا حتى تستفيد منه كل الجهات وكل الافراد. وتعد الشمولية من الشروط الاساسية كذلك لتعبئة جميع الموارد التي سخرها الله للانسان. وبالتالي لتوفير الشغل للجميع.
وحتى يكون النمو الاقتصادي متواصلا وتراكميا، يجب ضمان نوع معين من الاستقرار مع تدليل آثار الازمات. وللدولة كما سنرى ذلك، دور مهم في هذا المجال سيما عبر قناتي الموارد والنفقات.
- استقرار العملة :
ان قوة الدول كثيرا ما تقاس بقوة عملتها. وكل خلل في هذا المجال ينعكس سلبيا وبشكل آلي على مستوى التجارة الخارجية او الطاقة الشرائية للمواطنين، او التضخم… وعدم استقرار العملة يؤدي كذلك الى فقد الثقة في الاقتصاد الوطني. ولذلك ينبغي على الدولة ان تحرص شديدا على استقرار العملة. ومن شروط هذا الاستقرار، التخلي عن سياسة التمويل عبر العجز المالي او اللجوء الى السياسة النقدية لتغطية العجز.
- مركز القوة :
لا يمكن للدولة الاسلامية ان ترفع كلمة الله وتحكم بشرعه، وتأمر بالمعروف، وتنه عن المنكر الا اذا كانت في مقدمة الدول الاكثر تطورا علميا وتكنلوجيا واقتصاديا. فالدولة الاسلامية مطالبة شرعا بإعداد العدة للوصول الى مركز القوة ومركز القيادة والقدوة. والمفروض هنا هو ان تنفق الدولة في كل المجالات الحساسة التي يعجز فيها القطاع الخاص عن سد كل الحاجيات وذلك مهما بلغت التكلفة.
ان هذه الاهداف تبقى كلها عامة، ولا يمكن التفصيل فيها بدقة الا عبر واقع معين ومعطيات خاصة.
اما واقعنا المعاصر الذي ترزح فيه جل البلاد الاسلامية تحت عبء الديون الخارجية وحرمانها من حرية القرار بسبب تخلفها، فإن السياسة المالية للدولة فيها تختلف جذريا عما عرف تاريخيا حيث كان الجانبان، الاجتماعي والعسكري، مثلا يطغيان على النفقات العامة. اما في الوقت الحاضر فإن التخلص من اسباب التخلف وعواقبها اصبح الشغل الشاغل للدولة عبر السياسة المالية والسياسة الاقتصادية في مجموعها.
ولتحقيق الأهداف المذكورة جميعها، تعتمد السياسة المالية الاسلامية ادوات لا تختلف كثيرا عن الادوات التقليدية الموجودة في الانظمة الغربية اذا استثنينا الجوانب المحرمة شرعا.
3- أدوات السياسة المالية :
تعد ميزانية الدولة (Budget) اول هذه الادوات المالية، وهي نفسها تعتمد ادوات اخرى مثل النظام النقدي، والنظام الضرائبي، والقطاع العام، وسياسة العجز او الفائض، وقنوات انفاق الموارد. وكل ذلك في اطار المعطيات الاقتصادية والاجتماعية التي يفرزها الواقع. وكلما تغير الواقع كلما تغيرت السياسة المالية في اطار النظام المالي.
ولقد استقر الفكر الاقتصادي على ان اثر ميزانية الدولة على النشاط الاقتصادي كبير، ويتطور اطرادا مع ارتفاع مستوى هذه الميزانية اما ايجابا او سلبا، وبديهي ان الدولة الاسلامية تحاول تجنب الاثار السلبية بغض النظر عن كون ميزانية الدولة متوازنة ام غير متوازنة، والفكر الغربي قطع شوطا كبيرا في هذا المجال ولا سبيل للتفصيل فيه. وأما على المستوى النقدي فإن خاصيات التصور الاسلامي تفرض شيئا من التفصيل.
1) النظام النقدي :
مما لا شك فيه ان النظام النقدي الاسلامي يميزه الاستقرار بالنسبة للانظمة الاخرى(من اسباب هذا الاستقرار كون النظام النقدي الاسلامي لا يَقوم على مبدإ اصدار النقود وكذلك كون كل ازمة تصيب احدى مؤسساته ينحصر اثرها على مستواها دون ان يحدث اثرا كبيرا على الاقتصاد الوطني). كما يضمن موارد مستقرة للدولة عبر اصدار النقود، ويضمن لها كذلك امكانية التوفيق بين الاستهلاك والاستثمار، وبصفة اعم، التوفيق بين عرض السيولة والطلب عليها. وهذه امور معروفة لا تستلزم الدخول في الجزئيات.
2) النظام الضرائبي
يعد النظام الضرائبي جزء من النظام المالي ويضم كل النصوص المتعلقة بالجباية سواء بالاباحة او بالتحريم، وأما السياسة الضرائبية فلا احد ينفي امكانية لجوء الدولة الى فرض ضرائب جديدة عند الحاجة اذ “ان في المال حق سوى الزكاة”. والواقع هنا هو الذي يحدد نوعية هذه الضرائب وأهدافها ومن يؤديها وأين تنفق…
وفي هذا الميدان كذلك قطع الفكر الغربي اشواطا هائلة في معرفة مدى علاقة السياسة الجبائية والنشاط الاقتصادي. الا ان العنصر الاساسي الذي يجب ان يؤخذ اكثر بعين الاعتبار هو اولوية العدالة الاجتماعية.
ومحتوى هذه العدالة، بالرغم من انه يتغير حسب الواقع فقد يعني ضمان حد الكفاية لكل فرد يعيش في المجتمع الاسلامي، وهذا امر ينفرد به الاسلام. والسياسة الاقتصادية هي التي لها الصلاحية لتحديد مستوى هذا الحد. وهذا أمر في غاية الاهمية سيما على مستوى الدول الفقيرة التي لا تستطيع توفير عدالة مثلى وفي نفس الوقت توفير كل الادخار اللازم لتمويل الاستثمارات. وقد يمثل التمركز النسبي للثروة في هذه الحالة حافزا اساسيا لتعظيم الادخار، ولكنه في نفس الوقت لا يمكن اسلاميا قبول الفائض عند البعض والاخرون يموتون جوعا فتبقى الصلاحية هنا للسياسة الاقتصادية ما تراه مناسبا للظرف في اطار التوازن ودون ان تكون العدالة عائقا او سببا من اسباب الفقر.
ان واقع جل الدول الاسلامية واقع في حاجة الى مزيد من العدالة الاجتماعية، واقع يفوق فيه مستوى الاستهلاك مستوى الانتاج، واقع تنقصه تعبئة شاملة للموارد.
ولو افترضنا تطبيق الاسلام في تلك الدول، فما هي السياسة الضرائبية التي يجب نهجها؟ ان الاجابة على هذا السؤال تقتضي البث في عناصر كثيرة منها :
- اذا لم تكن الزكاة كافية لضمان حد الكفاية، فإنه يصبح لزاما على الدولة ان تفرض ضرائب جديدة لهذا الغرض شريطة الا يكون ذلك على حساب الانتاج. وتشجيعا للاستثمار يمكن. للدولة ان تفرض ضرائب غير مباشرة على كل المواد الاستهلاكية التي تدخل في باب التحسينيات او لانها مستوردة ولها بديل محلي. اما ان تفرض ضرائب غير مباشرة بمفهومها الحالي على كل المواد ويدفعها الفقير كما يدفعها الغني فهذا امر قد يكون غير مقبول على مستوى السياسة المالية الاسلامية.
- امكانية تبني قوانين استثمارية ملائمة للشريعة وتخدم مصلحة المسلمين. اما اذا ادى هذا القانون الى مزيد من التبعية فلا يستحب ذلك.
- الزيادة في الانتاج، وهناك اسلوبان لبلوغ هذا الهدف على مستوى الانفاق، اما عبر العرض واما عبر الطلب، وتشجيع العرض هنا يقتضي تدعيم المستثمرين ماديا، اما عبر الطلب فإن الزيادة في الاجور او الرفع من مستوى حد الكفاية هو الحل. والواقع هو الذي يفرض الحل الانجع.
بجانب هذين الاسلوبين هناك اساليب اخرى الا ان تعبئة كل الموارد لابد ان تحظى باهتمام خاص، وبإمكان السياسة الجبائية ان تساهم في تلك المهمة، وكل ضريبة تساهم في رفع مستوى الادخار المحقق (effectif) الى مستوى الادخار الكامن (potentiel)(مثل الضريبة على المنازل الفخمة التي تشبه بيوت الشياطين اكثر مما تشبه بيوت المؤمنين، او على الحلي من مستوى معين، او على كل الاموال الجامدة) شريطة الا تساهم في التضخم المالي كما هو الشأن بالنسبة للضرائب غير المباشرة كالضريبة على القيمة المضافة (TVA).
وخلاصة القول هي انه على الدولة الاسلامية ان تلجأ الى الضرائب المباشرة اكثر ما تلجأ الى الضرائب غير المباشرة آخذة بعين الاعتبار مبدأ العدالة الاجتماعية وتشجيع الانتاج عند الحاجة.
3) القطاع العام :
ان وجود القطاع العام في الدولة الاسلامية يخضع لمبدإ المصلحة العامة وتلك المصلحة هي التي تحدد حجم القطاع وتركيبه وتغيراته. فعلى سبيل المثال نجد ان القطاع الخاص في الدولة النامية لازال عاجزا عن الاستثمار في بعض القطاعات اما لانها تتطلبُ اموالا ضخمة واما ان الربحية فيها غير ثابتة أو لن تتحقق الا في المدى البعيد. والمصلحة تقتضي ان تحل الدولة محل الخواص. اما عندما ينمو القطاع الخاص فعلى الدولة ان تتراجع حسب هذا النمو شريطة الا يكون ذلك على حساب المستهلكين. وهناك ظروف خاصة مثل حالات الازمات تستلزم تدخل الدولة او القطاع العام بهدف المحافظة على الاستقرار والتوازن على المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
وهذا يعني بـإيجاز ان وجود القطاع الخاص وحجمه يخضعان لمتطلبات الواقع والدور المنوط بالدولة في اطار السياسة الاقتصادية. ينبني على ذلك انه على الدولة ان تستعمل القطاع العام كأداة استقرار اقتصادي وكذلك كأداة للزيادة في حجم الاستثمارات مع الحرص على المصلحة العامة. وهذه أوليات معروفة سواء على مستوى الاقتصاد الوضعي او الاسلامي.
4) سياسة العجز والفائض :
ان التمويل عبر عجز الميزانية امر غير مرغوب فيه على العموم سيما عندما يكون غير اختياري كما هو الحال بالنسبة لجل الدول الاسلامية. اما اذا كان العجز امرا مرغوبا فيه، بمعنى ان الدولة قادرة على الاستغناء عنه وان وجوده يخضع لمبدإ حسن ترشيد امور المسلمين، فيمكن عندئذ قبول فكرة العجز ولكن في حدود معينة. وتمويل العجز لن يتم الا عبر القرض العام اي دون اللجوء الى الحد النقدي.
اما مبدأ الفائض فهو كذلك غير مقبول الا استثنائيا اذ يعد تعطيلا لاموال المسلمين. وقد تعتمد سياسة الفائض في بعض الحالات، مثل حالة التضخم او تجاوز الاستثمارات لمستوى الطاقة الاستعابية…(يمكن توجيه هذا الفائض نحو نشر الدعوة او جلب سلع من الخارج… وهذه امور ورد فيها ما يكفي من التفصيل).
5) سياسة توجيه نفقات الدولة :
يعد توجيه نفقات الدولة من اهم ادوات السياسة المالية لخدمة اهداف عديدة مثل :
- العدالة الاجتماعية، والدور الاول بالنسبة للدولة هنا هو توفير الحاجيات الاساسية التي تعجز عنها الزكاة والصدقات التطوعية على مستوى الطاقة الشرائية، وايضا عليها توفير كل السلع الضرورية وغير المتوفرة في السوق.
- الاستثمارات والنمو الاقتصادي :
القطاع العام والقطاع الخاص يمثلان وحدة متكاملة يسعى كل جانب منها لخدمة المسلمين. الا ان مهمة الدولة قد تكون اجبارية، اما مهمة القطاع الخاص فقد تكون تطوعا حيث يستثمر وقت ما شاء وأين ما شاء. وقد تجبر الدولة على الاستثمار في كل المجالات اذا اقتضى الحال.
من خاصيات السياسة المالية الاسلامية حرية التصرف حيث لا يعتمد مبدأ التدخل او عدم التدخل الا من زاوية الحاجة اي دون التقيد بهذا المبدإ او ذاك كما هو الامر بالنسبة للمذاهب الوضعية. فالاسلام فتح المجال امام المسلمين ليحددوا المهام الاقتصادية للدولة حسب المكان والزمان في اطار التوابث وتبعا لشرع الله.
- استقرار العملة :
سواء تعلق الامر بالميزان التجاري او ميزان الاداءات، وانطلاقا من الواقع الحالي، يعد تشجيع الصادرات اداة من ادوات الاستقرار، وكلما تحقق التوازن مع الخارج كلما استقرت العملة.ومن مهام السياسة المالية، السهر على ضمان التوازن مع تشجيع الصادرات اما عبر السياسة الضرائبية وقانون الاستثمارات بصفة عامة وإما بالإستثمار المباشر للدولة في القطاعات المصدرة بجوار الخواص او معهم.
6) القرض العام :
يعد القرض العام اداة من ادوات السياسة المالية ويعد احد ركائزها على مستوى التمويل وتوجيه الاستهلاك والاستثمار. ويزداد دور القرض العام اهمية في الدول الفقيرة حيث يضيق وعاء الضريبة ويبلغ احيانا مستويات متدنية للغاية.
ومن بين ما يهدف اليه القرض العام تعبئة الموارد وتوجيهها لخدمة المصلحة العامة وجلب الاموال الخارجية.
- القرض وتعبئة الموارد الداخلية :
بإمكان الدولة الاسلامية التي تصهر على المصلحة العامة ان تشغل كل الطاقات الجامدة ومنها الاموال المعطلة لسبب او لآخر. وبإمكان الدولة فتح شبابيك الاقتراض سواء من الافراد او المؤسسات على اساس الا تقل مدة القرض عن شهرين او ثلاثة اشهر مثلا. ولن يمثل هذا الاقتراض منافسا للقطاع الخاص (effet d’éviction) لان الفئة المستهدفة من ذوي الاموال تتضمن اولئك الذين يمتنعون عن المخاطرة باموالهم حسب الاساليب المتاحة.
هذا في الحالة العادية، اما عند الضرورة فإن بإمكان الدولة فرض قروض اجبارية.
-القرض العام ورأس المال الخارجي :
ان مشكل التنمية هو مشكل الفرد قبل ان يكون مشكل محيط هذا الفرد. ولكن نلاحظ ان كل الطروحات غير الاسلامية تحاول تغيير الانسان بمجرد تغيير محيطه. فينصب البحث والتحليل بالخصوص على كمية الانتاج ومستوى الاستثمار والاموال المدخرة او المكتنزة ودور الاحتكار وغير ذلك. اما العنصر البشري فلا يؤخذ بعين الاعتبار الا لكونه مستهلكا او منتجا ملغية بذلك كل ابعاد اخرى تدخل في تكوين كيانه وتربطه بوجوده. وهذا كله في غياب من يهمه الامر اي الانسان بأكمله.
ومما لا شك فيه ان المحيط الاقتصادي يؤثر على الفرد ايجابا او سلبا، ولكن هل يمكن في اطار الاخلاق السائدة، توفير كل الاموال اللازمة لاخراج الدولة الاسلامية من التخلف التقني والعلمي؟ وهل هذا ممكن اذا كانت “الانا” (le moi) اسمى من كل الاعتبارات، وإذا كانت الوسيلة الاساسية للغنى هي الرشوة، والتدليس، والاحتكار، والتجارة في المخدرات؟ هل هذا ممكن اذا كان المال يعتبر اسمى من الانسان؟
ومما لا شك فيه ايضا ان هذه الصفات لتأنف منها الفطرة السليمة من ان تجعلها شعارا لمجتمعها. غير انها قلما يخلو منها مجتمع من المجتمعات الاسلامية. وفي مثل هذه الحالات لا يمكن للموارد الداخلية مهما بلغ مستواها ان تكفي لسد كل الحاجيات. ولذلك تتجه الانظار نحو الاموال الاجنبية والديون الخارجية.
ولهذا، يجب وضع قيود شديدة على اللجوء الى مثل هذه الموارد بل يجب العمل على التخلص منها نهائيا. وهذه غاية يتوقف تحقيقها على بناء الفرد بناء اسلاميا وعلى ضبط علاقة الانسان بالمال. وعلى الدولة الاسلامية الا تراهن على استقلالية قرارتها عبر الاقتراض من الخارج. ولكن نعلم مبدئيا ان اعداء الاسلام لن يقدموا القروض للمسلمين بهدف نصرة الاسلام وإنما سيكون ذلك لخدمة مصالحهم. ولابد اذا من البحث عن الاموال التي تكون ملكا للمسلمين بالخارج قبل غيرها. كما يجب كذلك انفاق تلك الاموال في المشاريع المربحة حتى تتمكن الدولة من سد ديونها من موارد نفس المشاريع التي استفادت من ذلك التمويل.
ان دور الادوات التي تم عرضها وكيفية مزجها فيما بينها يتغير حسب المعطيات وحسب الدور المنوط بالدولة. ووزن هذا الدور قابل للزيادة او النقصان حسبما تمليه الظروف. وبمقتضى حجم هذا التدخل يتحدد مستوى وتركيب الايراد والانفاق العامين.
تعد السياسة المالية من المفاهيم التي طرأت عليها تحولات كبيرة في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والمالي، فهي المرآة التي تعكس الدور الاقتصادي والاجتماعي للحكومات وتشكل انعكاساً له في كل عصر. ففي العصور القديمة كان دور السياسة المالية باهتاً جداً، ولم تكن هنالك دلالات واضحة على تكوين سياسة مالية قائمة ومنظمة ومنفصلة عن مالية الحكام في تلك العصور، وكانت مالية الدولة مرتبطة بمالية الحاكم وله فيها حق التصرف المطلق.
ومع بداية نشأة الرأسمالية في أوروبا وإعادة تشكيل الدولة الحديثة عاد مفهوم المالية العامة إلى الظهور، وأدت الدولة دوراً حيوياً في تراكم رأس المال التجاري وإقامة الصناعات، وكان هدف السياسة المالية في ذلك الوقت هو بناء أسس نظام اقتصادي جديد يقوم على أساس تحويل المجتمع من مجتمع إقطاعي إلى مجتمع رأسمالي وتوفير الشروط الأساسية لهذا التحول، تمثلت في إيجاد المناخ المناسب لإقامة المشروعات الخاصة وظهور طبقة الرأسماليين الجدد وتطويرها، لهذا اتسع النشاط المالي للدولة في بداية تشكل الرأسمالية.
وبعد أن قامت الدولة بهذا الدور وحققت أهدافها في إرساء أسس النظام الليبرالي تراجع دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي، وأصبحت أهداف السياسة المالية فيها تقتصر على حماية هذه الأسس وترك النشاط الاقتصادي للمبادرة الفردية، وفي ظل هذه الأفكار أصبحت السياسة المالية للدولة، هي سياسة حيادية وتقلص نطاق النفقات العامة إلى أقل مدى واقتصرت على الأعمال التي يصعب على الرأسمالي القيام بها والتي لا تدر عليه ربحاً، وذلك من أجل جعل الضرائب أقل ما يمكن، كي لا تؤثر في تلك المبادرة، وأصبح التوازن المالي هو هدف السياسة المالية في تلك الحقبة ودور المالية العامة اقتصر على الهدف المالي المتمثل في الحصول على الإيرادات اللازمة والمساوية لتكاليف نفقاتها العامة من دون أي هدف آخر، وكان للاقتصادي آدم سميث الدور الرئيس في تحديد ذلك في كتابه “ثروة الأمم” المنشور عام 1776.
إلا أن الأسس السابقة والتداعيات الناجمة عن تطور العملية التصنيعية والتكنولوجية وأثر ذلك في الوضع الاجتماعي، وظهور الأزمات الاقتصادية مهد الطريق لإعادة النظر في هذه الأسس فتطورت النظرة إلى المالية العامة، لتصبح سياسة تستخدم فيها الحكومة برامج الإنفاق العام والإيرادات العامة، لتحدث آثاراً مرغوبة في كل من مكونات الاقتصاد الكلي وتمنع عنها الآثار غير المرغوبة.
ومنذ ذلك الوقت وحسب ما جاء في دراسة نقلتها الموسوعة العربية، تمايزت المالية العامة من مفهوم السياسة المالية، وكان للاقتصادي جون مانيارد كينز الدور الرئيس في ذلك في مؤلفه “النظرية العامة للتوظيف والفائدة والنقود” المنشور عام 1936، مما جعل الدولة تنتقل من مفهوم الدولة الحارسة إلى الدولة المتدخلة المسئولة عن تحقيق التوازن الاقتصادي الذي سمح لها بالتدخل بالحياة الاقتصادية والاجتماعية واستمرار النمو والتنمية
وفي سياق التعريف الحديث للسياسة المالية، تقوم الحكومات بدور حيوي ومهم في استقرار الاقتصاد الوطني عن طريق مواجهة الاختلالات والمشاكل الاقتصادية التي يتعرض لها اقتصاد بلدانها، فاختلال التوازن في الاقتصاد والذي ينتج بسبب التغيرات في الطلب الكلي والعرض الكلي، قد يعرض الاقتصاد إلى مشكلة التضخم أو البطالة أو (التضخم ألركودي، والذي يتميز بارتفاع معدلات البطالة والتضخم في آن واحد، الأمر الذي يدفع الحكومات لمواجهة هذه المشاكل من خلال استخدام أدوات السياسة المالية.
فعند اختلال التوازن في الاقتصاد، تستطيع الحكومة تغيير حجم إنفاقها الحكومي، من أجل التأثير على حجم الطلب الكلي، وبالتالي الوصول إلى مستوى التوازن من جديد. أما الطريقة غير المباشرة فتتمثل في استخدام الضرائب، التي تؤثر بالتالي على كل من الاستهلاك والادخار، فارتفاع مستوى الضريبة المفروضة على دخول الأفراد يؤدي إلى انخفاض الدخل الشخصي المتاح، وبالتالي انخفاض حجم الاستهلاك والادخار، ومن ثم انخفاض حجم الطلب الكلي. والعكس صحيح عند قيام الحكومة بتخفيض حجم الضريبة.
من خلال ما تقدم تبرز لنا الإشكالية التالية:
أي دور يمكن أن تلعبه السياسة المالية
كيف تؤثر السياسة المالية على الخدمات العمومية؟
ومن هذه الإشكالية تبرز لنا ثلة من الأسئلة الفرعية من قبيل: ماذا يقصد بالسياسة المالية وما أهدافها وأدواتها؟ و ماهي الخدمات المالية وكيف يمكن لنا قراءة القانون رقم 12.103 المتعلق بمؤسسات الاتمان؟
وعليه سنجيب على هذه الإشكالية في موضوعنا هذا وذلك بالاعتماد على التصميم التالي:
المبحث الأول: الإطار المفاهيمي وأهداف السياسة المالية
المطلب الأول: الإطار المفاهيمي للسياسة المالية
المطلب الثاني: أهداف السياسة المالية وأدواتها
المبحث الثاني: ماهية الخدمات المالية وقراءة في القانون رقم 12.103 المتعلق بمؤسسات الإئتمان
المطلب الأول: ماهية الخدمات المالية
المطلب الثاني: قراءة في القانون رقم 12.103 المتعلق بمؤسسات الإئتمان
المبحث الأول: الإطار المفاهيمي وأهداف السياسة المالية
المطلب الأول: الإطار المفاهيمي للسياسة المالية
أولا: الاستقرار الاقتصادي
من أهم الأهداف التي تسعى كل الدول إلى تحقيقها رغم اختلاف الأسس التي تقوم عليها تنظيماتها الاقتصادية : تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
ويعنى هذا الهدف باختصار: تحقيق العمالة الكاملة دون تضخم، أي التوصل إلى إنتاج أكبر قدر ممكن من الناتج المادي أو الدخل القومي الحقيقي، أي أعلى مستويات استغلال للموارد الاقتصادية المتاحة للاقتصاد القومي (وبالذات أقصى درجات التشغيل للقوة العاملة في المجتمع) وفى ذات الوقت المحافظة على قيمة النقود ومنع ظهور ارتفاع تضخمي في الأسعار نتيجة لطلب فجائي زائد عن العمالة الكاملة، ومواجهة الكساد أو الركود نتيجة انخفاض حجم الطلب الكلى.
وهكذا ينصرف تحقيق الاستقرار الاقتصادي إلى تجنيب المجتمع الآثار السيئة التي تترتب على التضخم والتي من أهمها: انخفاض القوة الشرائية للنقود،والإضرار البالغ بمستوى المعيشة لذوى الدخل المحدود، وكذلك الآثار الضارة التي تترتب على الركود أو الكساد. والتي من أهمها ارتفاع معدلات البطالة وتوقف النشاط الإنتاجي
والاستقرار الاقتصادي بهذا المعنى لا يعتبر فقط هدفاً لمنظومة السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، وإنما يعتبر أيضاً فى ذاته منظومة متعددة العناصر متشابكة الأبعاد ومتنوعة الأنشطة. ومن المنطقي أن يرتبط الاستقرار الاقتصادي بالتوازن الاقتصادي فى المجتمع. وفى علم الاقتصاد- وبصفة عامة – يقصد بالتوازن أن تتحقق حالة لا توجد معها أي أسباب تدعو إلى إحداث تغيير في الوضع الاقتصادي الذي تم التوصل أليه.
ومن صور التوازن الاقتصادي – والذي يعتبر مرادفاً للاستقرار الاقتصادي- التوازن بين الطلب الكلى (الأنفاق الكلى) والعرض الكلى ( الناتج القومي) فإذا لم يكن الأنفاق القومي كافياً لمقابلة الناتج القومي، أدى ذلك إلى زيادة العرض الكلى عن الطلب الكلى، وهنا يظهر ما يسمى ب”حالة الانكماش الاقتصادي، ومن أهم مظاهره: انخفاض الأسعار وظهور البطالة. وعلى العكس إذا كان الأنفاق القومي زائداً عن الناتج القومي أدى ذلك إلى زيادة الطلب الكلى عن العرض الكلى في الاقتصاد، ونتج عن ذلك ” التضخم ” والذي تتمثل أهم مظاهره في ارتفاع المستوى.العام للأسعار للسلع والخدمات.
ومن مظاهر التوازن الاقتصادي أيضاً تعادل الاستثمار القومي مع الادخار القومي، تعادل الصادرات مع الواردات ومن ثم توازن ميزان المدفوعات، وتعادل النفقات العامة مع الإيرادات العامة وتلاشى العجز بالموازنة العامة للدولة، وكذلك تعادل معدل النمو الاقتصادي مع معدل النمو السكاني .. وبإيجاز شديد، يمكن القول أن الاستقرار الاقتصادي يعنى ارتفاع مستوى المعيشة وتحسن كافة المتغيرات الاقتصادية على المستويين الجزئي والكلى .
ثانيا: السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية:
1- السياسات الاقتصادية:
يقصد بالسياسة الاقتصادية – فى معناها الضيق -: التدخل المباشر من جانب السلطات العامة (وزارة الاقتصاد، أو وزارة التجارة الخارجية والصناعة ..) في حركة أو مجرى النظام الاقتصادي عن طريق الرقابة المباشرة للمتغيرات الاقتصادية الأساسية في الاقتصاد القومي مثل: الإنتاج، الاستثمار، الأجور، الأسعار، التشغيل والعمالة، الصادرات والواردات، الصرف الأجنبي .
وهنا يلاحظ أن كافة هذه المتغيرات الاقتصادية تشكل منظومة متكاملة للنشاط الاقتصادي في المجتمع، وذلك يعنى أن أي قرار تتخذه السلطات العامة ويكون متعلقاً بواحد من هذه المتغيرات (مثلاً : خفض سعر صرف العملة المحلية في مواجهة العملات الأجنبية) فإن ذلك سيؤثر على كافة المتغيرات في الاقتصاد في هذه المنظومة. وستتوقف درجة هذا التأثير وطبيعته(تأثير إيجابي أو سلبي) على عوامل متعددة من أهمها درجة مرونة الجهاز الإنتاجي في المجتمع . ومن ناحية أخرى فإن هذا القرار أو غيره من القرارات الاقتصادية المتعلقة ببقية المتغيرات سالفة الذكر داخل المنظومة، سيتأثر ويؤثر في ذات الوقت بالقرارات المتخذة من قبل السياسات الأخرى المالية والنقدية، وستكون المحصلة النهائية إيجابية أو سلبية (أي تحقيق الأهداف العامة للسياسة التنموية في المجتمع) طبقاً لمدى التناسق والتناغم بين كافة القرارات المتخذة – في أطار كل هذه السياسات مجتمعة (الاقتصادية والمالية والنقدية).
2- السياسة المالية:
يقصد بالسياسة المالية- بصفة عامة: استخدام السلطات العامة (متمثلة في وزارة المالية والخزانة) لإيرادات الدولة ونفقاتها من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
وبعبارة أخرى، تتمثل هذه السياسة في استخدام السياسة الضريبية والأنفاق العام والقروض العامة للتأثير في أنشطة المجتمع الاقتصادية بالطرق المرغوبة. وتهتم السياسة المالية بتخصيص الموارد بين القطاع العام والخاص واستخدامها في تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي
وقد عرفها البعض بأنها : السياسة التي بموجبها تستعمل الحكومة برامج نفقاتها وإيراداتها لإنتاج أثار مرغوبة وتجنب الآثار غير المرغوبة على الدخل والإنتاج والتوظيف.
يقصد بالسياسة المالية تحديد الدولة لمصادر دخلها وأوجه الصرف لهذا الدخل أي بإيضاح أكثر من أين يأتي الدخل وأي المصادر أهم وأين يصرف ، فكل ذلك يتم من اجل تحقيق الدولة لأهدافها الاقتصادية والاجتماعية وإنجاح سياستها الاقتصادية المتبعة. ومن المعلوم طبعاً أن الصرف هو (الإنفاق الحكومي).
وعند النظر لمصادر الدخل فإنها تتنوع من دولة إلى أخرى وتختلف أهميتها النسبية أيضا من دولة إلى أخرى حيث بعض الدول تعتمد بشكل كبير على دخلها من الضرائب ولذلك تشكل الضرائب أهمية بالنسبة لها بينما دول كالسعودية يشكل البترول بالنسبة لها أهمية اكبر لأنه مصدر دخلها الأكبر .
وكذلك الصرف أو الإنفاق فانه يشتمل على رواتب موظفين وأجور عاملين في القطاعات الحكومية ومشاريع إنمائه والصرف أو الإنفاق على البنا الأساسية مثل الطرق والكباري والمياه والكهرباء والمرافق بصفة عامة وغيرة حتى المساعدات التي تدفعها للدول الأخرى .
وعندما يتم حساب مجمل هذه العمليات في النهاية فانه إذا كانت مصروفات الدولة أكثر من دخلها فانه يحدث ما يعرف بعجز أما إذا كانت المصروفات اقل من الدخل فبالتأكيد يكون هناك فائض في الميزانية .
وفي حال حدوث عجز فان الحكومة تقوم بتغطيته أو تمويله من خلال الاقتراض من المؤسسات المالية الداخلية أو الخارجية وفي الداخل تقوم الحكومة بإصدار ما يعرف بالسندات الحكومية وبيعها على مواطنين أو مؤسسات ماليه مثلاً وهو ما يسمى بالدين العام.
يشكل الإنفاق الداخلي اكبر نسبة في الإنفاق الحكومي ويكون للرواتب والمصروفات العامة والإنفاق على البنية الأساسية و الانشاءت والاستهلاكيات العامة وكذلك مساهمات الحكومة في الشركات المحلية والمؤسسات المالية .
ومن مجمل التعريفات السابقة يمكن القول أن الأدوات التي يمكن للسياسة المالية أن تستخدمها في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، هذه الأدوات تتمثل في مصادر الإيرادات العامة (الضرائب والرسوم والقرض العام، والإصدار النقدي وإيرادات الدومين الخاص بالدولة) وكذلك الأنفاق العام بأنواعه المتعددة (النفقات العامة التحويلية والحقيقية والإنتاجية والمركزية والمحلية …) وهنا تأتى الميزانية العامة للدولة لتضم كافة هذه الإيرادات والنفقات العامة، ولتشكَّل برنامجا متكاملاً لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
السياسة المالية تعرف بأنها مجموعة الأهداف و التوجيهات والإجراءات والنشاطات التي تتبناها الدولة للتأثير في الاقتصاد والمجتمع بهدف المحافظة على استقراره العام وتنميته ومعالجة مشاكله ومواجهة كافة الظروف المتغيرة.
السياسة المالية تعني كذلك دور الدولة في تحديد المصادر المختلفة للإيرادات العامة والأهمية النسبية لكل منها, وكيفية استخدام هذه الإيرادات في المجالات التي من شانها تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
و كانت السياسة المالية يراد في معناها الأصلي كلا من المالية العامة و ميزانية الدولة ويعكس مفهوم السياسة المالية تطلعات و أهداف المجتمع الذي تعمل فيه ، فقد استهدف المجتمع قديما إشباع الحاجات العامة و تمويلها ومن ثم ركز الاقتصاديون جل اهتمامهم على مبادئ الموازنة العامة و ضمان توازنها ، و لكن نظرا لأن اختيار الحاجات العامة المطلوب إشباعها يتطلب من المسئولين اتخاذ قرارات ، و أن هذه الأخيرة قد تحدث آثارا متعارضة أحيانا فتثير مشكلة كيفية التوفيق بين هذه الأهداف المتعارضة و تحقيق فعاليتها على نحو مرغوب ، و في ضوء تلك التوفيقات و التوازنات يتكون أساس و مفهوم السياسة المالية.
3- السياسة النقدية والائتمانية:
ويقصد بهذه السياسة: مجموعة الإجراءات التي تتخذها السلطات النقدية (الحكومة متمثلة في البنك المركزي والبنوك التجارية ومؤسسات الائتمان والبنوك المتخصصة، وكذلك وزارة المالية) بهدف رقابة الائتمان والتأثير فيه سواء فيما يتعلق بالقدر المتاح منه أو بتكلفته بالنسبة لمن يطلبه أو بالشروط التي يُمنح فقالها، وكذلك التأثير فى حجم عرض النقود بصفة عامة، وسعر صرف النقود المحلية بالعملات الأجنبية، وذلك من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي بالمعنى الذي أو ضحناه.
ويعرف البعض السياسة النقدية أيضاً بأنها : الرقابة التي يمارسها البنك المركزي على عرض النقود في المجتمع، أي أن السياسة النقدية هي السياسة التي تتولى تنظيم المعروض النقدي، وتسمى هذه السياسة أيضاً بسياسة الائتمان، وتلعب هذه السياسة دوراً لا يقل أبداً في أهميته عن السياستين السابقتين في تحقيق الاستقرار الاقتصادي
والأدوات التي يمكن للسياسة النقدية والائتمان استخدامها تتميز أيضاً بالتنوع والتعدد، ومن أهمها، سعر الفائدة، سعر الصرف، الإصدار النقدي، سعر الخصم، السوق المفتوحة، الاحتياطي النقدي، الرقابة المباشرة على الائتمان، …
المطلب الثاني: أهداف السياسة المالية وأدواتها
تقوم الحكومة بأتباع السياسة المالية، من أجل تحقيق العديد من الأهداف، من أهمها، المحافظة على استقرار المستوى العام للأسعار، وبالتالي تجنب الوقوع في مشكلة التضخم، وكذلك استغلال جميع الموارد الإنتاجية المتوفرة في الاقتصاد المحلي، والتوصل إلى مستوى التوظف الكامل للاقتصاد المحلي، وتجنب الوقوع في مشكلة البطالة،إضافة إلى دعم مسيرة التنمية الاقتصادية، ورفع مستوى النمو الاقتصادي.
السياسة المالية والفجوات الاقتصادية
لنفترض أن خللاً ما قد واجه الاقتصاد المحلي، بحيث أصبح الطلب الكلي أكبر من العرض الكلي، فعندما نكون في وضع أقل من وضع التوظف الكامل، فإن النقص في المخزون يدفع المنتجين إلى توظيف عناصر إنتاج جديدة مثلاً من أجل زيادة مستوى الإنتاج، ومن ثم يرتفع حجم الناتج (العرض الكلي)، إلى أن يتساوى مع حجم الطلب الكلي. أما إذا كان الاقتصاد في وضع التوظف الكامل، فإن هذا يعني أن جميع عناصر الإنتاج الموجودة في الاقتصاد موظفة بشكل كامل، وبالتالي فمن غير الممكن توظيف عناصر إنتاجية جديدة. إن ارتفاع حجم الطلب الكلي في هذه الحالة، وعجز العرض الكلي عن ملاحقة الطلب الكلي ستؤدي إلى مشكلة تضخم، ولمواجهة هذه المشكلة، تقوم الحكومة بالتدخل، وهو ما يعرف بمواجهة الفجوة التضخمية وهي الفجوة الناتجة عن زيادة الطلب الكلي عن العرض الكلي، وذلك عند مستوى التوظف الكامل، وبالتالي محاولة تقليص حجم الطلب الكلي في الاقتصاد.
وبما أن الإنفاق الحكومي يعتبر عنصراً من عناصر الإنفاق الكلي، أو الطلب الكلي، فإن تقليص أو تخفيض حجم الإنفاق الحكومي سيؤدي إلى تقليل حجم الإنفاق الكلي إلى المستوى الذي يكون فيه الطلب الكلي مساوياً للعرض الكلي.
من جانب آخر، تستطيع الحكومة استخدام الأداة الثانية من أدوات السياسة المالية، وهي الضرائب. فعند فرض ضريبة على الدخل، فإن ذلك سيؤدي إلى تقليص مستوى الدخل الشخصي المتاح بقيمة الضريبة ومن ثم انخفاض مستوى الاستهلاك ومستوى الادخار. إذاً، تقوم الحكومة بإتباع سياسة مالية انكماشية، والتي تتمثل في تخفيض حجم الإنفاق الحكومي، أو زيادة الضرائب من أجل مواجهة الفجوة التضخمية.
لنفترض الآن أن خللاً ما قد واجه الاقتصاد بحيث أصبح الطلب الكلي أقل من العرض الكلي، في هذه الحالة فإن كمية الطلب الكلي أقل من حجم الناتج الموجود في الاقتصاد، وتسمى هذه الحالة بالفجوة الانكماشية، فإذا كان الاقتصاد في وضع أقل من وضع التوظف الكامل، فإن الزيادة في المخزون (أي الفائض من السلع والخدمات)، ستدفع المنتجين إلى توظيف عناصر إنتاج أقل من أجل تقليل حجم الناتج، ومن ثم انخفاض العرض الكلي إلى أن يتساوى مع حجم الطلب الكلي. وفي هذه الحالة سيواجه الاقتصاد مشكلة بطالة، وذلك بسبب الاستغناء عن بعض العناصر الإنتاجية.
وتقوم الحكومة بالتدخل من أجل مواجهة الفجوة الانكماشية، من خلال محاولة زيادة حجم الطلب الكلي في الاقتصاد عن طريق إتباع سياسة مالية توسعية، وتتمثل هذه السياسة في زيادة حجم الإنفاق الحكومي، والذي سيؤدي إلى زيادة حجم الإنفاق الكلي إلى المستوى الذي يتساوى فيه كل من الطلب الكلي مع العرض الكلي.
أما عند استخدام الحكومة للأداة الثانية من أدوات السياسة المالية التوسعية وهي الضرائب، فإن مواجهة الفجوة الانكماشية تتم عن طريق تقليل حجم ضريبة الدخل، حيث سيؤدي ذلك إلى زيادة مستوى الدخل الشخصي المتاح بقيمة الضريبة ومن ثم ارتفاع مستوى الاستهلاك ومستوى الادخار، إذاً، تقوم الحكومة باتباع سياسة مالية توسعية وذلك لمواجهة الفجوة الانكماشية.
أما المحور الثالث، فيتعلق بمقدار الشفافية التي تتسم بها الموازنة، حيث أضحت الشفافية مسألة ضرورية ومهمة لكل المجتمعات. ولهذا تشترط الشفافية توفر المعلومات الدقيقة في مواقيتها، وفي هذا الإطار يرى خبراء صندوق النقد الدولي أن الشفافية هي الانفتاح على الجمهور فيما يتعلق بهيكل ووظائف القطاع الحكومي ونوايا السياسة الاقتصادية وحسابات القطاع العام التي من شأنها تعزيز المساءلة وتثبيت المصداقية وحشد تأييد قوي للسياسات الاقتصادية من جانب الجمهور الذي سيكون على علم تامٍ بمجريات الأمور.
كفاءة إدارة المال العام
ترتبط كفاءة إدارة المال العام بثلاثة محاور رئيسية يتصدرها محور فعالية السياسة المالية، إذ تتمحور الأهداف الرئيسية للمالية العامة أساساً حول تعزيز النمو الاقتصادي، وتشجيع استخدام الموارد بكفاءة وفعالية، والمساهمة في إحداث التغييرات الهيكلية المطلوبة في الاقتصاد وتدعيم القواعد الإنتاجية، وإزالة المعوقات التي تحول دون تفعيل عمل الأدوات الاقتصادية، مع مراعاة الفئات الاجتماعية الضعيفة. وبالتالي يتمثل التحدي الذي يواجهها في ضمان مستوى من الإنفاق العام يتسق مع الاستقرار الاقتصادي الكلي، ثم تجرى بعد ذلك هيكلة الإنفاق كجزء من الإجراءات التنفيذية للسياسة المالية، الأمر الذي يعني أن هيكل الإنفاق العام لا حجمه هو المهم في هذا المجال.
وبالتالي فالحكم على كفاءة السياسة المالية يتعلق بمدى ما تحقق من هذه المبادئ، وكذلك السياسات المزمع تنفيذها ومدى قدرتها على التعامل مع الواقع الاقتصادي المعيش. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ثورة المالية العامة في الدول الصناعية الكبرى قد استهدفت أساساً علاج مشكلات الدورة الاقتصادية، بينما ثورة المالية العامة في الدول النامية كانت ذات طابع مختلف، لأنها استهدفت الارتقاء بمستوى المعيشة وتحقيق الأهداف التنموية. كما أن تحديد خطورة العجز من عدمه ترتبط بالأساس بالحالة الاقتصادية للبلاد، سواء في الأجل القصير والمتوسط أو الطويل، فإذا كانت الدولة في حالة كساد فإن السعي نحو تحقيق التوازن المحاسبي في الموازنة يعتبر هدفاً غير سليم من المنظور المجتمعي؛ إذ يسهم في المزيد من التباطؤ الاقتصادي.
أما المحور الثاني فيتعلق بمدى سلامة المالية العامة بحيث تركز الكتابات الحديثة في المالية العامة على فكرة الاقتدار المالي، وهي تشير ببساطة إلى إن السياسة المالية تصبح غير قابلة للاستمرار إذا أدت إلى تراكم الدين العام بشكل يفوق قدرة الحكومة على خدمة هذا الدين على المدين المتوسط والطويل. لذا فإن تقييم هذه الأوضاع على أنها غير قابلة للاستمرار في المستقبل قد يشير إلى ضرورة إجراء تغييرات في السياسة الراهنة. وبمعنى آخر يجب أن تسعى الدولة دائماً إلى التأكد من قدرة اقتصادها على تحمل مستوى الدين العام ومعدل نموه، ومن إمكانية خدمة هذا الدين في كل الظروف والاحتمالات المختلفة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الأدبيات لم تنبئنا بنسبة معينة من الدين العام إلى الناتج يمكن اللجوء إليها، بحيث يصبح تجاوزها يهدد الاستقرار الاقتصادي الكلي. وإن كان البعض قد لجأ إلى النسبة التي تم التوصل إليها في إطار اتفاقية ماسترخت للوحدة الأوروبية وهي 22%، فإن هذه النسبة يؤخذ عليها عدة أمور أولها أن هذه النسبة وضعت في إطار الاتفاق على التوحيد النقدي أي إنشاء عملة أوروبية موحدة وهو أمر يختلف تماماً عن تقييم السياسة المالية في حد ذاتها. ثانياً أن هذه البلدان تختلف اختلافاً كبيراً من حيث مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي بها، وبالتالي لا يجوز اللجوء إليها باعتبارها المرجعية الأساسية في هذا المجال. وبالتالي فإن تحديد مستوى معين للدين العام يتوقف على طبيعة كل دولة على حدة ومدى التطور الاقتصادي والاجتماعي والظروف المحيطة بها والاحتمالات المستقبلية للنمو… من العوامل الأساسية.
عموماً فإن ازدياد الدين العام إلى الحد الذي يتعذر معه ببساطة الاستمرار في تحمل أعبائه على المدى البعيد يشير إلى ضعف المالية العامة. وبمعنى آخر فإن القدرة على تحمل الدين تتوقف على سعر الفائدة ومعدل النمو الاقتصادي ونسبة الرصيد الأساسي للموازنة)، أي العجز الأولي للموازنة، وهو عبارة عن العجز الكلي مطروحاً منه مدفوعات الفائدة (إلى إجمالي الناتج. وطالما أن سعر الفائدة على الدين العام يتجاوز المعدل الأسمى للنمو الاقتصادي، فإن الدين العام سيميل إلى النمو بوتيرة أسرع من إجمالي الناتج المحلي، إلا إذا كان لدى البلد فائض أساسي في الموازنة. وكلما اتسعت الفجوة بين سعر الفائدة ومعدل النمو الاسمي، كبر حجم الفائض الأساسي المطلوب للحفاظ على نسبة الدين إلى الناتج.
وهكذا يؤثر معدل النمو الحقيقي، على أوضاع الدين الحكومي، فنمو الاقتصاد بخطوات أبطأ من سعر الفائدة الحقيقي يترتب عليه نمو الدين بخطوات أسرع من قدرة الحكومة على سداده، وبالتالي فإن استهداف سقف محدد لنسبة الدين يتطلب سياسة اقتصادية تحقق نمواً اقتصادياً أعلى من سعر الفائدة، وفي الوقت نفسه تحقق عجزاً أساسياً لا تزيد نسبته على مقدار محدد.
أدوات السياسة المالية
أدوات السياسة المالية المقصود بأدوات السياسة المالية، هو أن توزع الحكومة كلّاً من: الضرائب، وتوزيع جهات الإنفاق، وطريقة التحكم في الدَين العام، وفائض الدخل، وهذه الأدوات هي:
الضرائب تشمل جميع أنواع الضرائب، مثل: ضريبة الدخل، وضرائب الشركات، والضرائب غير المباشرة، والرسوم الجمركية التي تفرضها الحكومة على السلع والخدمات المحلية منها والخارجية من حيث الاستيراد، وما يحدث هو أنّ الدولة تفرض ضريبةً محددةً على سلعةٍ معينةٍ؛ لتحقيق حاجةٍ معينةٍ تخدم السياسة الاقتصادية للدولة، والهدف من ذلك هو حماية الصناعة الوطنية وترغيب المواطنين في طلبها. من الأمثلة على طرق استغلال الضرائب في السياسة المالية، أن نخفض الدولة نسبة الضريبة على الموظّفين أصحاب الدخل المنخفض، والذي يؤدي إلى زيادة استهلاكهم للسلع، وترفعها على أصحاب الدخل المرتفع، وهو أمر لا يؤثر على استهلاكهم، فهو مرتفعٌ بجميع الأحوال.
الإنفاق الحكومي يتمّ التحكم بالإنفاق الحكومي حسب حجمه، وكيفية توزيعه على النشاطات المختلفة داخل الدولة، فهو ذو تأثيرٍ قوي على تلك النشاطات، والتأثير على بعض تلك الأنشطة سيؤثر على أنشطةٍ أخرى مرتبطة بها، وعلى الرغم من أنّ الإنفاق الإجمالي ثابت لا ينقص ولا يزيد، إلّا أنّ إعادة توزيعه على الأنشطة الاقتصادية يؤثر بشكلٍ كبيرٍ، كأن تزيد نسبة الإنفاق على نشاطٍ اقتصادي معيّنٍ وتخفضه على آخر كوسيلة تحفيز، مثل ما يحدث عند خفض الإنفاق على التعليم والدراسة، وتحويل النسبة التي تمّ خفضها لزيادة نشاطٍ آخر.
الدَين العام من حيث الجانب السياسي فإنّ حجم الدَين العام، وحجم نموّه، وطريقة الحصول عليه فهو مهم جداً؛ لتأثيره القوي على الأوضاع الاقتصادية العامّة للدولة، كأن تمر الدولة بأزمة مالية في فترة التضخم الاقتصادي، فتبيع السندات الحكومية للمواطنين، ويكون ذلك لأصحاب الدخول المتوسطة والكبيرة، وعند العجز عن السداد فإنها تلجأ إلى تقليل التضخم عن طريق تقليل الاستهلاك.
المبحث الثاني: ماهية الخدمات المالية وقراءة في القانون رقم 12.103
أضحت الخدمات المالية من بين الخدمات الاقتصادية المقدمة للمواطنات والمواطنين، والأشخاص الذاتيين على حد السواء من طرف مؤسسات الائتمان، والمؤسسات التي في حكمها،مما جعل الدولة تقوم بسن مجموعة من القوانين والتشريعات، قصد وضع إطار قانوني منظم لهذه الأنشطة المالية الهامة في حياة الأفراد والجماعات،ومن هنا سنتطرق في المطلب الأول إلى ماهية الخدمات المالية، وفي المطلب الثاني سنقوم بقراءة في القانون 12.103 المتعلق بمؤسسات الائتمان و الهيآت المعتبرة في حكمها.
المطلب الأول: ماهية الخدمات المالية
يمكن أن نعرف الخدمات المالية بأنها عبارة عن خدمات اقتصادية تؤديها المؤسسات المالية التي تشمل طائفة واسعة من المؤسسات التي تدير الأموال بما فيها الاتحادات الائتمانية والبنوك وشركات بطاقات الائتمان وشركات التأمين وشركات التمويل وشركات المضاربة المالية وشركات إدارة الاستثمارات وبعض الشركات التي تمولها الحكومات.
وتسهر عليها السلطة العامة في جميع المناحي عن طريق إعداد السياسات العمومية المالية بغية تحقيق استقرار اقتصادي وتنموي.
أصبح مصطلح “خدمات مالية” أكثر انتشاراً في الولايات المتحدة جزئياً إثر تفعيل قانون “غرام-ليتش-بليلي” في أواخر عقد التسعينيات من القرن العشرين، والذي سمح بموجبه لأنواع مختلفة من الشركات التي تعمل في قطاع الخدمات المالية في الولايات المتحدة بالاندماج.
غالباً ما تنتهج الشركات نهجين متميزين فيما يخص هذا النوع من الجديد من الأعمال. الأول هو ببساطة أن يقوم بنك بشراء شركة تأمين أو مصرف استثماري، مع الحفاظ على العلامة التجارية للشركة ، وإضافة صفة الاكتساب للشركة القابضة بهدف التنويع في الأرباح. أما خارج الولايات المتحدة كاليابان على سبيل المثال يسمح بوجود شركة خدمات غير المالية ضمن الشركة القابضة. في هذا السيناريو، تكون الشركات لا تزال مستقلة ولها عملاؤها. لكن يقوم البنك ببساطة بإنشاء قسم خاص بالوساطة وقسم خاص بالتأمين وتحاول تسويق هذه المنتجات لعملائها الحاليين وتقدم لهم حوافز للجمع بين هذه المنتجات من شركة واحدة.
من أهم الخدمات المالية نجد الخدمات البنكية التي تقوم بمجموعة من الوظائف والمهام والعمليات كالتالي:
حفظ الأموال مع إتاحة المجال للمودعين لسحب هذه الأموال عند الحاجة.
إصدار دفاتر الشيكات، لتمكين أصحاب الأموال من سداد الفواتير وأنواع المدفوعات الأخرى.
توفير القروض الشخصية والقروض التجارية وقروض الرهن العقاري.
إصدار بطاقات الائتمان وإنجاز المعاملات والحركات المالية والفواتير المرتبطة بها.
إصدار بطاقة المدين لاستخدامها كبديل عن الشيكات.
إتاحة المعاملات المالية من خلال آلات الصراف الآلي، أو من خلال الفروع.
توفير خدمة التحويلات المالية البرقية ونقل الأموال إلكترونياً بين البنوك.
تسهيل طلبات ديون وائتمانات المباشرة والمؤجلة.
إجراء اتفاقيات السحب على المكشوف لتنمية أموال البنك نفسه لتلبية إلتزامات الإنفاق الشهري للعملاء من خلال الحسابات الجارية.
توفير نظام الخدمات المصرفية عبر الإنترنت بحيث يسهل على العملاء عرض وتشغيل الحسابات الخاصة بهم من خلال شبكة الانترنت.
توفير بطاقات السلف للعملاء الراغبين في تسوية سلف الائتمان الشهرية.
توفير الشيكات المضمونة من قبل البنك نفسه، والمدفوع مسبقاً من قبل العميل، كالشيكات المصدّقة.
توفير خدمات الكاتب العدل فيما يخص المستندات المالية.
قبول ودائع العملاء وتقديم التسهيلات الإئتمانية لهم.
يتضمن قطاع الخدمات المالية مجموعة من المؤسسات المالية المختلفة والمتنوعة وتسهر على أنشطتها ومراقبتها البنك المركزي عن طريق سن وإعداد السياسة النقدية للبلاد وتقديم تقارير اقتصادية بموازة الظرفية الاقتصادية العالمية، ويعتبر مؤسسة عمومية تتمتع بالاستقلال المالي، أسس في 30 يونيو 1959 م في عهد الملك محمد الخامس وباقتراح من حكومة عبد الله إبراهيم ليحل محل البنك المخزني المغربي. ومن بين أهم مهامها :
ممارسة امتياز إصدار الأوراق البنكية والقطع النقدية الرائجة قانونا في المملكة المغربية؛
تطبيق أدوات السياسة النقدية قصد تحقيق استقرار الأسعار
السهر على استقرار العملة وقابلية تحويلها؛
السهر على حسن سير السوق النقدية وتولى مراقبتها؛
إعداد ونشر الإحصاءات المتعلقة بالنقد والائتمان؛
تدبير الاحتياطات العمومية للصرف؛
التحقق من حسن سير النظام البنكي والسهر على تطبيق الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بممارسة ومراقبة أنشطة مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها؛
السهر على مراقبة وسلامة وسائل الأداء وملاءمة المعايير التي تطبق عليها؛
المطلب الثاني: قراءة في القانون رقم 12.103
إن القانون رقم 12.103 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها جاء لتقوية الجانب التشريعي والقانوني للمؤسسات المالية قصد التماشي مع التطور الحاصل في مجموع اقتصاديات الدول المتقدمة والدول السائرة في النمو.وجاء متضمنا ل196 مادة موزعة على تسعة أقسام وهي كالتالي :
مجال التطبيق والإطار المؤسساتي؛
منح الاعتماد وشروط مزاولة النشاط وسحب الاعتماد؛
البنوك التشاركية؛
أحكام تتعلق بالمحاسبة وبالقواعد الاحترازية؛
مراقبة مؤسسات الائتمان؛
الرقابة الاحترازية الكلية وتسوية صعوبات مؤسسات الائتمان ونظام الودائع؛
العلاقة بين مؤسسات الائتمان وعملائها والوسطاء في العمليات
المنجزة من لدن مؤسسات الائتمان؛
العقوبات التأديبية والجنائية؛
أحكام متفرقة وانتقالية.
من بين أهم المستجدات التي جاء به القانون القسم المتعلق بالأبناك التشاركية وكيفية التعامل معها والعلاقة التي ستربطها مع الأبناك التقليدية، وكذلك كيفية التعامل مع منتجات الأبناك التشاركية كالمرابحة والإجارة والشركة، وبرزت مجموعة من الملاحظات والتوصيات نجملها كما يلي :
تدقيق الصياغة القانونية والتعاقدية المؤطرة للتمويلات التشاركية سواء تعلق الأمر بالمؤسسات أو المنتجات، بما يحقق الأمن القانوني والاستقرار المالي والمؤسساتي بهدف بلوغ النمو الاقتصادي والاجتماعي على أسس شرعية وأخلاقية؛
مراجعة الترسانة القانونية ذات الصلة لتأخذ بعين الاعتبار خصوصيات التمويلات التشاركية ومنها قانون الالتزامات والعقود وقانون الشركات والقانون التجاري والقانون العقاري وقانون الملكية وقانون بيع العقار في طور الانجاز وقانون العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري وقانون الإيجار المفضي إلى تملك العقار وقانون حماية المستهلك، ومدونة الضرائب لضمان الحياد الضريبي وعدم ازدواجية رسوم التسجيل والتحفيظ العقاري؛
استكمال الإطار التعاقدي باعتماد باقي منتجات التمويل التشاركي وخاصة ذات الطابع الاستثماري ومنها عقد الاستصناع والمزارعة وغيرها؛
فصل الذمة المالية للبنوك التقليدية عن ذمتها المالية المتعلقة بالمنتجات التشاركية تجنبا لإفشال تجربة البنوك التشاركية؛
انخراط مختلف الفاعلين في سياسة تواصلية وإشهارية للتعريف
تمتين منظومة الحماية وقواعد ضمان هذه المنتجات من المخاطر، وذلك باعتماد الحكامة الجيدة المبنية على الافتحاص الداخلي والخارجي خصوصا من الجانب الشرعي؛
إرساء آليات لتسوية المنازعات المتعلقة بالمنتجات البديلة بما يبقي على أبعادها التشاركية وبما يحقق مقصد العدل؛
تسهيل ولوج الفئات الأكثر حاجة للاستفادة من هذه المنتجات بما يحقق اندماجها في منظومة الإنتاج الاقتصادي؛
إدماج رؤوس الأموال والطلب على الإنتاج في دائرة المعاملات الاقتصادية والاستثمارية التشاركية؛
تهيئ جيل جديد من البنوك التشاركية الاستثمارية من جهة، والتضامنية الإحسانية التكافلية من جهة أخرى؛
تطوير العلاقات مع الدول الإفريقية في ميدان التمويلات التشاركية من أجل المساهمة في رفع معدلات النمو والإدماج الاقتصادي بالقارة؛
الدفع باتجاه تحول المملكة المغربية لقطب مالي تشاركي بإفريقيا، مع ما يستلزمه ذلك من تضافر جهود مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين؛
وقد تطابق هذا القانون مع ما جاء في القانون التنظيمي المالي رقم 13.130 الذي جاء بمجموعة من الأسس والمرتكزات معتمدا على التدبير الميزانياتي المرتكز على النتائج.
فلكي تتمكن السلطات النقدية من توفير حاجة النمو الاقتصادي من الأرصدة النقديـة دون التسبب في تضخم الأسعار فانه يتعين عليها مراقبة الطلب على النقود وتوجيه عـرض النقود بالصورة التي تستوفي احتياجات الطلب على الأرصدة النقدية أو تقتر ب منها ولذلك يجب عمل دراسات لقياس دالتي طلب وعـرض النقـود بغـرض التنبـؤ بالتـصرفات المحتملة، بالإضافة إلى ما يقوم به البنك المركزي من تخطيط كمية النقود والائتمان بما يتناسب مع معدل النمو الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي والمعدل المرغوب في ارتفاع الأسعار لضمان التوفيق بين مقتضيات التنمية ومقتضيات الأسعار.
ضرورة التنسيق بين البنك المركزي كجهة مسئولة عن تنفيذ أهداف السياسة النقديـة و باقي الجهات الحكومية المسئولة عن رسم وتنفيذ السياسة المالية والسياسة التجارية وسياسة سعر الصرف في إطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة، والاتفاق على الأهداف الاقتـصادية مثل معدل النمو ومعدل التضخم وتحديد المدى الزمنى للتنفيذ و إيجاد أسلوب لضمان فعاليـة التطبيق ومتابعة التنفيذ.
ضرورة القيام بإجراء بحوث ودراسات لمعرفة أسباب تدني الحصيلة من الإيرادات غير الجبائية وإيرادات الجباية العادية.