إذا كان لرمضان المبارك فضائل روحية، نفسية، مادية واجتماعية فإنه يبقى كمحطة أساسية ينبغي أن يقف عندها الدعاة من أجل استحضار المجد الإسلامي واستنباط شروط العودة وتحيق الانتصار الحضاري.
فقد عرف هذا الشهر أحداثا عظيمة وانتصارات كبرى تجعل منه ذاكرة حية لا تموت. ومنها :
ـ نزول القرآن الكريم على الرسول(ص) {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان…}. فكان رمضان بذلك اللحظة التاريخية الفاصلة بين الكفر والإسلام، بين الجهل والعلم بين الظلم والعدل…
ـ غزوة بدر التي وضعت حدا للاستكبار القرشي وأعطت الضوء الاخضر لعهد الريادة الاسلامية.
ـ فتح مكة
ـ فتح الأندلس بعدما اختار المسلمون بقيادة طارق بن زياد أسلوب المواجهة واقتحام الكفر بكل صبر وثبات.
ـ الانتصارات الكبرى التي حققها المسلمون على الصليبيين الحاقدين
ـ ومن المعلوم كذلك أن نهاية الجرثومة الصهيونية كادت أن تحقق بعدما استطاعت الجيوش الاسلامية عبور قناة السويس في رمضان عام 1973 لولا تخاذل وتقاعس الأنظمة العربية آنذاك وموقفها الخياني الذي لا زال يلحق بالأمة الاسلامية المصائب والمكائد.
ـ وفي رمضان حقق المجاهدون الأفغان أكبر انتصاراتهم على الروس.
فلماذا ترتبط ذكريات الجهاد والتحدي بهذا الشهر المبارك؟ وما هو السر الذي يجعل أمثال طارق وصلاح الدين يكتب لهم النجاح والشرف في مثل هذا الشهر بالذات؟
ولماذا كان رمضان دائما رمزا للقوة والتفوق؟!
رمضان والتقوى :
إن الله سبحانه وتعالى لم يفرض الصيام لمجرد تجويع العباد أو لكبت شهواتهم وغزائزهم، ولكنه عز وجل فرضه لأجل تلك الغاية الأسمى التي تمثل أساس الحياة ومحور كل الشرائع. ويظهر هذا واضحا من خلال الآية الكريمة التي تقر الصيام {يا أيها الذي آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}.
فالصوم مدرسة ربانية لتخريج المتقين الذين يسيرون بنور الله عز وجل والصالحين الذين ينم المجتمع بوجودهم “الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم إني صائم”(رواه البخاري ومسلم). فليس غريبا إذن أن يتحقق الوعد الرباني بالنصر في مثل هذا الشهر الذي ينصر فيه الحق سبحانه وتعالى بالإكثار من الصلاة والدعاء وقراءة القرآن وبالامساك عن شهوتي البطن والفرج تقربا إليه وحده {إن تنصروا الله ينصركم}.
وليس غريبا أن يحقق المسلمون عدة انتصارات وانجازات كبرى بعدما باعوا أنفسهم وأموالهم لله عز وجل وأخلصوا كل أعمالهم له وحده واجتمعت قلوبهم على التقوى وعلى الفكرة الإسلامية.
إن “المدرسة الرمضانية” في حقيقة الأمر تحدد المثل الأعلى الذي ينبغي أن يشكل الهم والهاجس الأساسي والمبتغى الأول والأخير لكل الدعاة ولكل المسلمين عامة وتحدد مركز الثقل والنقطة المركزية لكل أعمالهم وحركاتهم، بل وتروضهم لتجسيد ذلك من خلال دعوتهم للترفع عن نداء الشهوات والغرائز.
من هنا لا بد أن يدرك اليوم دعاة التغيير وكل من ينشد الانتصار الإسلامي أن حركتهم في المجتمع ليست حركة من أجل الحركة!! ـ كمن يصوم رمضان لأجل الصوم فقط أو باعتباره عادة اجتماعية لا أقل ولا أكثر ـ وليست حركة من أجل الذات المتحركة!! أو حركة منافسة لإزاحة الآخر!! بل لا بد من الترفع عن كل ذلك واسترخاصه لأنهم يحملون رسالة اكبر، رسالة الاستخلاف، إنها رسالة تتوخى أن يصح المجتمع متقيا الله في مجالات حياته التربوية الثقافية، الاقتصادية السياسية.. لذا ينبغي أن تسير كل الجهود الفردية والجماعية في حركة الدعوة إلى الله وتعميق التقوى وربط الناس برب الناس كأساس لإحداث التغيير وتحقيق الانتصار المنشود.
رمضان و الارادة القوية
يقوم الصوم على ركن أساسي لا يصلح بدونه، وهو ركن النية التي تفيد العزم الصادق واليقين الثابت على الصوم. يقول الرسول(ص) “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى” ويقول أيضا “من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له” ويقول الله عز وجل في الحديث القدسي “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”.
إن تلك النية هي التي كانت تدفع الصائمين الصادقين إلى التنافس في الأعمال الصالحة والتسابق نحو الخيرات “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”. وهي التي كانت توقد لهيب الجهاد عبر التاريخ رغم الجوع والحاجة وهكذا يكون رمضان حقا رمزا للفعل والعمل والعطاء وليس فرصة ثمينة للنوم والكسل واللهو. فليس الصيام مجرد عادة دورية كما يراها البعض بل هو عبادة مبنية على الإرادة المسبقة وحرية الاختيار كشرطين أولين للعطاء والبداع والتنافس.