أفق أيها السكير!
إنها كروزني وليست براغ
كتبت منذ شهر في هذه الزاوية حين زيارة استاذ مغربي للشيشان وقد شاهد عن كثب شعباً مسلماً مُعْتَزّاً بدينه وتاريخه وقوميته واستعداده للبذل والتضحية في سبيل استقلاله وقد دخل الأستاذ تلك البلاد دخولاً عادياً ولكنه عند الخروج وجد صعوبة كبيرة إذْ كان قَدْ بَدَأ الحصار الروسي..
ومنذ أشهر عدة وأجهزةُ الإعلام تتحدث عن إعداد روسيا للتدخل عسكرياً في تلك الدولة الصغيرة ولكن النغمة الروسية ارتفعت بالزعيق والصياح تهديداً ووعيداً
كان ذلك إثر مؤتمر الأمن الأوربي الأخير الذي حظي فيه السكير البئيس يلتسين بموافقة أمريكا وأنجلترا وفرنسا على تأديب الشاشان وتغيير الحكم فيها بما يوافق إرادة موسكو، وقد ظن الروس الارتوذوكس أن كروزني هي بْراغْ وأن الأمر لا يحتاج إلا إلى حملة عسكرية خاطفة وينتهي كل شيء، لكنه نسي أحفاد القيصرية أنهم أمام شعب عريق في الجهاد والجلاد وأنهم أحفاد الإمام المنصور الشيشاني الذي أوقع هزائم منكرة بالجيوش القيصرية التي لولا خيانة القائدالتركي بطال عسكر باشا قائد قلعة “أنابا” بالقرى التي كانت محاصرة من الجيوش الروسية لقضى عليهم قضاءً مبرما،ً فلقد هب لنجدة القلعة المذكورة واستطاع أن يَفكّ الحصار عنها وأن يصد هجمات الجيش الروسي الذي أرسلته الملكة كاترينا العظيمة مرة ثانية، لكن الخائن الغادر بطال عسكر باشا “لعنه الله ولعن أمثاله” أقدم على خيانة أمته، فهرب من القلعة سرّاً هو وبعض أتباعه حاملاً معه صناديق الذهب التي أرسلتها اسطنبول معه لدعْم الجهاد في تلك القلعة -وقد سَعِدَتْ كاترين كثيراً بقتلها الإمام العظيم في سجنه خنقاً!
لقد قاوم الشيشان والقوقازيون التدخل الروسي دائما إلى سنة 1859 بقيادة الإمام شامل الدغستاني ثم الشيشاني رحمه الله. وقد أسعدني الله برؤية ومجالسة حفيد هذا المجاهد العظيم وذلك” بمنى” أثناء حجتنا سنة 1494 الموافق 25/12/1974 وكان رجلا في الثمانين من عمره، طوالا،ً ذا جسم ممتلئ، قوي، عليه هيبة ووقار وحشمة، وقد حجَّ معنا إذذاك الأخ رباني، وكان نحيل الجسم وهو أول من حدثنا عن مأساة أفغانستان وزودني بمناشير قمت بتوزيع بعضها هنالك وجئت بالبعض الآخر إلى المغرب..
إن سر صمود الشيشان واضح :عقيدة إسلامية راسخة، نزعة شديدة للاستقلال، وثقة تامة في القيادة التي امتازت بالاستقامة والتمسك بالدين، والزهد في متاع الدنيا، والإخلاص في العمل، ومن المعلوم أن الشيشانيين معروفون بأنهم من اتباع الطريقة القادرية والنقشبندية، وهما كالزاوية الناصرية بالمغرب التي عرفت بالجهاد والرباط في الثغور.
إن يلتسين السكير المخمور معروف بجهله وصَلَفِه لانه خريج الكولوخوز الشيوعي حيث كان هو وأمثاله يدرُسون أنواع النفاق، والعبودية والتجسس والايقاع بالرفقاء والاختلاس، والحرص على الترقية في الحزب بالاخلاص لستالين وخلفائه، وانتهاك الأعراض واستباحة الكرامة… إنه نتاج فاسد، ونموذج ساقط، كان يمكن أن يكون رئيس الاتحاد السوفياتي في وقت سابق، أما اليوم فلا يصلح الا أن يكون ضمن المتسكعين في شوارع موسكو مخموراً طافحاً لان روسيا مقبلة على عهد جديد، عهد الحرية والديمقراطية في عصر تتساقط فيه الديكتاتوريات ولاسيما في العالم الأول والثاني، وقد بدأ ذلك منذ رحيل فرانكو.. أما عالمنا الثالث فمن مصلحة النظام العالمي الجديد أن تظل شعوبه مستعبدة لأسيادها المستبدين، ولذلك تكثر فيه الفتنة والهزائم والاستسلام والانقلابات، وتدهور العُملة والهجرة العارمة إلى الخارج بحثاً عن لقمة الخبز…
ان مقاومة الشيشان مسمار جديد وكبير في نفس الامبراطورية الروسية، وقد كتب الله أن يكون سقوط هذه الامبراطورية على يد احفاد الامامين العطيمين : الامام منصور والامام شامل… فأفق أيها السكير.. إنك في شتاء گروزني ولست في ربيع بْرَاغْ والله غالب على أمره!؟