من البوسنة إلى الشيشان
حرب واحدة
إن المتتبع لبلدان العالم الإسلامي وواقعها المزري يرى عجبا، فالدم الرخيص هو الدم الإسلامي، والإنسان الجائع هو الذي ينتمي إلى العالم الاسلامي. والانسان المهان هوالذي ينتمي إلى العالم الاسلامي، والدول غير المتحدة هي دول العالم الإسلامي، وهكذا يمكن أن تفتح لائحة طويلة حول الوضع المؤلم الذي تعيشه شعوبُ العالم الاسلامي، ولقد كَانَ بإمكان المرء إلى عهد قريب أن يقدم عدة تأويلات وتعليلات لهَذَا الوَضع، دون أن يكون ما يقدِّم مُسْتَنِداً إلى حقائق ملموسة أو أدلة مقنعة. لكِنْ يَبْدُو أَن تِلك التأويلات قد انحسرت في السنوات الأخيرة، لتصبح متجلية في سَبَبٍ واضح بارز. وهو العداء المبيت والمستحكم ضد هذه الشعوب الإسلامية لما تحمله من قيم ومبادئ ومعتقدات تعود بالخير العميم على البشرية جمعاء دون استثناء.
لقد كان المثال الأول المبين لهذه الحقيقة هو مثال البوسنة، حيث سنت الأحداث منذ بدايتها إلى نهايتها أن العرب الحاقدين ومن وراءهم ممن يؤيدهم سراً وعلنا أنهم ضد قيام كيان إسلامي هناك، وهكذا صرح أكثر من زعيم أوربي أنهم يعارضون قيام دولة إسلامية في البوسنة والهرسك، فكانت النتيجة تذبيح الرجال وقتل الشيوخ والعجائز، وهتك أعراض الفتيات والنساء، وترحيل الأطفال قصد تنصيرهم، دون أن تقوم قائمة من ينادي بحقوق الإنسان، ودون أن يتحرك له ساكن.
والمثال الثاني هو ما يحدث في أراضي الشيشان المجاهدة، فلقد حاول الدب الروسي تحت ستار “المعارضة” القضاء على هذه الدولة التاريخية، -ولا أقول الفتية- وأستعمل كل أنواع الأسلحة، وجند شتى المرتزقة، دون أن يحقق أي شيء من أهدافه، بل كانت الدائرة عليه، ولما افتضح أمره، جند جيشه المنهار بكل تركات الأسلحة التي خلفها عهده السوفياتي البائد، لكن الدائرة -بإذن الله وحوله وقوته- ستكون عليه لا محالة، ومهما حصل على مكاسب في هذه الأرض خارج العاصمة كروزني أو حتى داخلها فإن مآلها الاندحار، بل وتشتت دويلات ما يسمى بروسيا الاتحادية إلى أقاليم لا تلوي على شيء، لأن صرخات التكبير التي تدوي في جميع أرجاء بلاد الشيشان لابد وأن يكون لها تأثيرها في كل بلاد القوقاز.
والذي يثير الاستغراب هو أنه في الوقت الذي كانت فيه الدبابات الروسية تتوغل داخل بلاد الشيشان، وتحصد الضحايا، لم يزد أدعياء حماية حقوق الانسان سوى القول : إنَّ مسألة الشيشان مسألة داخلية، مثل ماقالوا عن الغزو الصربي للبوسنة أنها مسألة معارضة. هَكَذَا مَكْرُهُم واحد حيثما كانت القضية قضية شعب مسلم، >ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين<
ذ. عبد الرحيم بلحاج