قراءة من كتاب “قضايا المرأة”
للشيخ محمد الغزالي
الزواج عبادة
المحافظة على الحياة وطلب امتدادها إلى قيام الساعة من تعاليم الإسلام، فقد وغّب في الزواج لهذا الغرض، واستحب أن يكون الزوجان آباء، وأن يكان لهم بعد الأولاد أحفاد >والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات…<
ومن هنا كان رفض الإسلام للرهبانية! فإن حبل الحياة ينقطع عند الراهب أو الراهبة، ويبدأ شبح الفناء يلوح، فإذا شاعت هذه العبادة بين الناس، وأقبلوا على الرهبانية التي ابتدعوها فمعنى ذلك أن النسانية تنتحر، والعالم يتفانى.!
فلا يستغربن أحد من الإسلام أن يجعل الزواج عبادة، وأن يجعل قضاء الوطر في ظلّه قربى يؤخر المرء عليها وفي الحديث >من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر< وفي الحديث أيضا > أربع من أعطيهن فقد أعطى خير الدنيا والآخرة قلب شاكر، ولسان ذاكر، وبدن على البلاءصابر، وزوجة لاتبغيه حوبا في نفسها وماله< والحوب هو الأثم، أما البدن الصابر على البلاء فهو عندي البدن القوي الناهض بالأعباء والواجبات، لا يكلّ ولاينهزم وهل الرجولة إلا هذا التجلّد؟
لكن السؤال الذي يجب التريث في أجابته هو : من التي يتزوجها المسلم؟ يجب إن نعرف أن الزواج ليس التقاء لمزيد من النتاج الحيواني، إن الأسرة في الأسلام امتداد للحياة والفضيلة معا! امتداد للإيمان والعمران على سواء.
ليست الغاية إيجاد أجيال تحسن الأكل والشرب والمتاع، إنما الغاية إيجاد أجيال تحقق رسالة الوجود، ويتعاون الأبوان فيها على تربية ذرية سليمة الفكر والقلب شريفة السلوك والغالة.
وتدبر موقف إبى الأنبياء إبراهيم بعد ما أنعم الله عليه بالأولاد، إنه يقول : >الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن اربي لسميع الدعاء. رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي، ربنا وتقبل دعاء<.
إنه يريد أولادا يركعون لله ويسجدون! ما أقبح أن ينسل رجل فساقا وملاحدة، وفي الأرض الآن أمم لاتبالي ما تلد! أيحيا أولادها كفاراً أم يحيون مؤمنين؟ المهم رفع مستوى المعيشة، وليكونوا بعد حطبا للنار!!.
ونحن المسلمين نأبى هذا التفكير، ونعدَّ أصحابه دوابّ مهما كانت سماتهم الظاهرة.. ومن ذعاء عباد الرحمان عنذما يختارون أزواجهم ويؤسسون بيوتهم >ربنا هب لنا من أزوجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما<
إن العين المتنقلة بين شتى الوجوه عين خائنة، تقود صاحبها إلى الضياع! ينبغي أن يكون كلا الزوجين قرة أعين لصاحبه، وأن يوطن نفسه على هذا الإستقرار، وأن يتعاونا بعدُ على تربية أولادهما وصيانة حاضهم ومستقبلهم.
وإذا كان باب التنافس في الخيرات مفتوحا، فليكن المسلم بعيد الهمة واسع الطموح. ليكن إماما يقتدى به، ولايتكاسل حتى يجيء في المرتبة التالية التابعة، إن علوّ الهمة من الإيمان وإن الله يحب من يطلب الفردوس الأعلى.
وإقامة البيت المسلم يحتاج إلى جهد كبير.