في العام الماضي رفع المنتظم الدولي شعار “لنتحرَّك قَبْلَ فَوَات الأَوَانْ” بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة السيدا؛ يظهر أن التحرك المطلوب لم يتحقق بل الذي وقع هو نوع من التململ اتجاه القضية والذي لم يعط في واقع الأمر النتائج المرغوبة والآمال المرجوة.. والسبب راجع في عمومه -حسب مانرى- إلى مجموعة عِلل ومواطن خلل نَعُدُّ منها ما يلي :
1- فكرة “الأيام العالمية” فلقد عوّدنا المنتظم الدولي الاحتفال ببعض الأيام تنظيم مهرجانات تظاهرات بشأنها؛ اعتبارها مناسبات او محطّات تاريخية تقف عندها ذاكرة الشعوت للتَّأكِيدِ على قيم أو قضايا معيّنة أو محاربة ظواهر سلبية أو مرضية تهدد المجتمع بالخطر مثل : اليوم العالمي لحقوق الانسان أو اليوم العالمي للمرأة او اليوم العالمي لإعلان حقوق الطفل، أو اليوم العالمي للبيئة أو اليوم العالمي لمحاربة السيدا… إلخ
وفي العادة ان مثل هذه التظاهرات أو الإحتفالات تُخصص لها ميزانيات كبيرة وتنفق فيها جهود وطاقات هائلة وتتطلب إمكانات بشرية وتنظيمية وإعلامية ضخمة ولكن السؤال الذي يطرح نفسه دائما : الى أي حدٍّ يتم استثمار هذه التظهرات بشكل يحقق النتائج والأهداف التي جُعلت لها سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي؟
اننا مع فكرة الايام العالمية ولكن عندما تكون لها نتائج ايجابية على القضايا المتعلقة بها، وحين تمر وقد تحددت فعليا كل الترامج -أو جل البرامج- المدروسة..
إننا نريد منها ان تُستغل بالشكل اللائق الذي يتجاوز حماسة وعواطف اليوم الواحد!
2- “الحلول” التي توصف عند مرور “اليوم العالمي لمحاربة داء السيدا” يغلب عليها ما يسميه أصحابها (من أطباء ومفكرين ومهتمين) ب”الواقعية” ويدعي هؤلاء ان اسباب الداء (والتي تتجلى في التعاطي للمخدرات والعلاقات الجنسية العشوائية الخالية من (أي ضابط)لا يمكن إيقافها فجأة (وان كنا لا ندعي ذلك) ومن ثم فلابد من التعامل معها ب”واقعية”.. فاقترحوا استعمال الغشاء المطاطي أو الواقي الذكري (وهذا فيه دعوة غير مباشرة للحرية الجنسية التي لاتثمر أطفالا) وكذلك استعمال الأدوات المعقمة وخاصة الحقن (وهذا معناه الإبقاء على التعاطي للمخدرات بهذه الحقن) والإكتفاء بخليلة (لا زرجة!) واحدة…
وان كنا نتفق مع هؤلاء في تخصيص هذا الخطاب للمنحلين الذين جُبلوا على مزاولة الفاحشة والانحراف لوقاية المجتمع من شرهم وعدواهم في وقت تنعدم فيه الحلول الناجعة للتعامل مع هؤلاء؛ فإننا لا نتفق معهم في تعميمه على كل شرائح المجتمع، ذلك، ان السواد الأعظم من شعبنا له هويته وثقافته المميّزة، وليس بحاجة إلى استيراد حلول مجتمعات أخرى لا تمت الى حضارتنا بصلة.
فالملاحظ في طبيعة هذا الخطاب تغييب هوية الأمة وثقافتهاومقومات حضارتها؛ تغييب الاسلام المنهج الرباني للانسانية والذي ان تمسكت به وحكَّمته في حياتها سعدت ونجت من كل الآفات.. اننا نُلاحظ باختصار عَلمنة الخطاب. فما المانع من تناول الخطاب والتركيز فيه على الجانب الايماني، وربط الأمة بربِّها جل وعلا حتى تكون في مأمن من عواقب الفاحشة وتُعَلِّم انها بدون اسلام ستصبح أمة الضياع وأمة المفاسد..؟
3- عدم وضع رؤية مستقبلية للقضاء على هذا الداء ومسبباته (أقول القضاء عليه!) فمعظم الحلول المقترحة كما أسلفنا هي بمثابة الرُقع على الثوب سرعان ما تتمزق وتُستبدل برقع غيرها!
فغيابُ خطةٍ ناجعة مستقبلية النتائج تستأصل الوباءمن جذوره هو الذي يجعل من “اليوم العالمي” يمر (لاحقه كسابقه) دون جدوى.
إننا بحاجة إلى وضع برنامج تربوي ثقافي يشمل جميع شرائح المجتمع والبداية من المراهق (الذي بلغ سن الرُّشد : بداية الاحساس الغرائزي) واعتماد الوسائل التالية :
أولا- التربية الايمانية : التي تزرع الايمان والتقوى في نفس المراهق، فتثير فيه محبة الله ورحمته وعظمته، وتوثق علاقته به فتجعله لا يرى ولا يستجيب إلا لما يرضي الله تعالى، وعلى هذا الأساس فهو يتقبل برغبة كل الضوابط الخلقية التي تنظم له طريقة التعامل مع الغريزة الجنسية، ويستجيب لمتطلباتها ضمن الأطر الشرعية أو ينصرف عنها (مؤقتا) إلى ماهو أجدى وأنفع.
ثانياً- التربية الجنسية : والتربية الجنسية الموضوعية باستطاعتها أيضاً أن تساعد المرهق على حل كثيرمن مشكلاته الحساسة، التي لو تُرِكَتْ دون توجيه، لأدَّت إلى انحرافات وممارسات، كانت لها ردود فعل سلبية على صحته وأخلاقه. ويتقاسم البيت والمدرسة مسؤولية القيام بهذه التربية التي تتطلب أسلوبا يتسم بالحكمة والوعي والموضوعية والرصانة ومن أهم بنوذ هذا الأسلوب :
* تحصين الأولاد بالثقافة الجنسية الضرورية، التي تطلعهم على بعض الأسرار التي ستواجههم، وطبيعة التعامل معها… فهذا من شأنه أن يخفف من صدمة المفاجأة التي تحملها له الأيام المقبلة
* عدم إحاطة الحديث بالنواحي الجنسية بطبقة من التحريم، بحيث لا يجوز الخوض في بعض تفاصيلها، لأن ذلك يدفع المراهق إلى أن يستقيها من مصادر أخرى قد تكون منحرفة… وهذا يتطلب منا الإجابة على أسئلة المراهقين بإجابات صحيحة وواضحة وصريحة بالقدر الذي يناسب مستوى نضجهم.
* التحذير من التظاهر بالنفور والاشمئزاز والتعجب أثناء طرح بعض الأسئلة العفوية من المراهقين، لأن هذا يولد عندهم شعوراً بالذنب والخطيئة ويجعلهم يعيشون أزمة صراع داخلي وقلق نفسي.
* حماية الأولاد من معايشة مواقف الإثارة التي تخاطب الغريزة كأن نسمح لهم بمشاهدة الأفلام الإباحية والمجلات الفنية الخليعة، والمسابح البحرية المختلطة… ولكن ما يؤسف له أن بعض بيئاتنا الأجتماعية تجد صعوبة بالغة في تحصين الأولاد من المثيرات، وبالأخص حين غزت الوسائل الإعلامية اللامسؤولة كل بيت وشارع ومؤسسة… ولعل من (الوسائل) أهم الوسائل هنا هو كما أشرنا تنمية الوازع الديني الذي يولد مقاومة ذاتية ومناعة قوية، تثير في النفس نوعاً من النفور والاشمئزاز من كل الأوضاع المتهتكة فيبتعد عنها المراهق برغبة وطواعية
ثالثاَ- استغلال أوقات الفراغ : وأوقات الفراغ الواسعة من شأنها أن تعود بالإنسان العادي للتفكير بغريزته، فيبحث عن السبل المختلفة للاسجابة لها… وحتى نستطيع حماية المرهق، علينا أن نملأ فراغه بالنشاطات المفيدة والمسلية، فنشجعه على ارتياد المساجد والنوادي الكشفية، والرياضية والاجتماعية، والمشاركة في الحفلات والمحاضرات الفكرية، والقيام برحلات ونزهات جماعية…
في الختام أحب أن ألفت النظر إلى شيءٍ دقيق فيما يَخُصُّ الإسم الذي سمي به هذا الداء والذي يرمز له دوليابأحد الرمزين SIDA أو AIDS والتي تعني عند تفصيلها : “داء فقدان المناعة المكتسبة”… ففي حقيقة الأمر أن المصاب بهذا الداء كان مصابا بفقدان مناعة أخرى! هي المناعة الفكرية والعقلية والنقدية والتصورية.. فلولا فقدانه لهذه لما أصيب بتلك!
والذي يريد أن ينجو من مخاطر هذا الداء لا يجب عليه أن يهرع إلى الغشاء المطاطي أوإلى الكتفاء بخليلة واحدة أو… ولكن عليه أن يتحصن بالعلم والايمان وبذلك يكتسب مناعةً لا تضاهيها أخرى.. (نُورٌ على نُور يَهْدي اللَّهُ لِنوره يَشَاءْ) .