قضايا المراة
بين التقاليد
الراكدة والوافدة
العلماء مسؤولون
عندما تتعارض الأدلة وتكثر مذاهب المجتهدين أعطى نفسي حق الاختيار في الفتوى، فقد أوثر دليلا على آخر، وقد اختار ما هو أرفق بالناس؛ وأيسر في علاج المشكلة التي أواجهها..
سئلت أخيرا عن امرأة فقدت زوجها بغتة وغلب عليها الجزع، حتى خشي أهلها عليها، فرأوا أن يذهبوا بها إلى البيت الحرام لعل العمرة تدعم إيمانها وتعينها على الصبر!.
قلت الأَوْلَى أن تقضي عدة الوفاة في بيتها! قالوا : نخشى على صحتها وعقلها!.
فترويت في الموضوع، ثم أفتيت بمذهب عائشة رضي الله عنها وهي ترى أن الله جعل العدة زمانا لامكانا، قال الشيخ سيد سابق مؤلف> فقه السنة< : كانت عائشة تفتي المتوفى عنها زوجها بالخروج في عدتها، وخرجت بأختها أم كلثوم حين قتل عنها طلحة ابن عبيد الله إلى مكة في عمرة..
وروى عبد الرزاق عن ابن عباس أنه قال : إنما قال الله عز وجل تعتد أربعة أشهر وعشرا، ولم يقل تعتد في بيتها، فتعتد حيث شاءت..
وهناك من يرون ضرورة بقاء المعتدة في بيتها، تقضي فيه ليلها، ولها أ ن تخرج نهارا إلى عملها إن كانت موظفة مثلا، مع ضرورة الحداد، والامتناع التام عن الزينة.
والخطب سهل في أمثال هذه القضية، لكن غضبي يشتد عندما أرى كلاما يخدش كرامة الاسلام وينال من رسالته! فقد سألني أحد القراء عن حكم قرأه قي مصدر إسلامي مهم، أن عمر منع النساء من تعلم الخط، وكأنه يرى الأمية أولى بهن! فأجبت ساخرا : ولم تكون الأمية حكرا عليهن وحدهن؟ ينبغي أن تشمل الزوجين الذكر والأنثى تمشيا مع الفهم الأعوج لحديث >نحن أمة أمية<!!.
يا صديقي إن الحديث الذي يمنع النساء من تعلم الكتابة مكذوب، وكل خبر يُهَوِّن من شأن العلم بما في الأرض والسماء لا يوثق به، وقد ورد وصف الأمية في الكتاب والسنة للعرب الذين بعث فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أنه واقع معروف عالميا ومحليا، وهذا الواقع زال مع نزول القرآن الكريم، وانهمار غيوث من المعارف مع آياته البينات >ولئن اتبعت اهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير<، >بل هوآيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ومايجحد بآياتنا إلا الظالمون<.
وعلى الرجال والنساء أن يزدادوا علما، وألاَّيشبعوامن فنون الثقافات التي تتاح لهم …
إن المرويات التي تنقل إلينا تحتاج إلى تمحيص، بل إن الإمام من الفقهاء الكبار قد يروي الخبر ولاينزل عليه، لأن هناك ماهو أقوى منه وأولى بالإتباع …
ولأضرب مثلا بالإمام الورع الصلب الزاهد أحمد بن حنبل ومسنده الجامع المعروف، إن الإمام الكبير ترك أحاديث رواها في مسنده فلم يأخذ بها!!قال ابن الجوزي في كتابه >صيد الخاطر< : كان قد سألني بعض أصحاب الحديث، هل في مسند أحمد ما ليس بصحيح : فقلت : نعم.
فعظم ذلك على جماعة يُنْسَبون إلى المذهب، فحملت أمرهم على أنهم عوام، وأهملت الفكر فيهم، وإذا بهم قد كتبوا فتاوى خاصة فيها جماعة من أهل خراسان، منهم أبو العلاء الهمداني يعظمون هذا القول، ويردونه ويقبحون قول من قاله. فبقيتُ دهشا متعجبا، وقلت في نفسي : واعجبا! صار المنتسبون إلى العلم عامة أيضا! وما ذاك إلا لأنهم سمعوا الحديث ولم يبحثوا عن صحيحه وسقيمه، وظنوا أن من قال ما قلته قد تعرض للطعن فيما أخرجه أحمد، وليس كذلك،فإن الإمام أحمد روى المشهور والجيد والرديء، ثم هو قذ رد كثيرا مما روى،ولم يقل به، ولم يجعله مذهبا له، أليس هو القائل في حديث الوضوء بالنبيذ : مجهول!.
ومن نظر في كتاب العلل الذي صنفه أبو بكر الخلال رأى أحاديث كثيرة كلها في المسند، وقد طعن فيها أحمد.
ونقلت من خطّ القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء في مسألة النبيذ قال : إنما روى أحمد في مسنده ما اشتهر، ولم يقصد الصحيح ولا السقيم.
ويدل على ذلك ما جاء عن ابنه عبد الله قال : قلت لأبي : مايقول في حديث ربعي بن حراس عن حذيفة؟ قال : الذي يرويه عبد العزيز بن أبي رواد؟ قلت : نعم. قال : الأحاديث بخلافه. قلت : فقد ذكرْتَه في المسند…!.
قال : قصدت في المسند المشهور، فلوأردت أن أقصد ماصح عندي لم أورد من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء اليسير، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث، لست أخالف ما ضعف من الحديث إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه.
قال القاضي : وقد أخبر عن نفسه كيف طريقه في المسند، فمن جعله أصلا للصحة فقد خالفه وترك مقصده.
قلت : قد غمَّني في هذا الزمان أن العلماء لتقصيرهم في العلم صاروا كالعامة، وإذا مر بهم حديث موضوع قالوا : قد روى. والبكاء ينبغي أن يكون على خساسة الهمم.ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. ذاك ما يقوله ابن الجوزي الفقيه الحنبلي في تقييمه لأحاديث المسند ولكن هناك ناس يصدق فيهم المثل >ملكيون أكثر من الملك<!!