” المحجة ” تحاور المفكر الإسلامي الأستاذ منير شفيق 1/2
على هامش الملتقى الدولي الأول للأدب الإسلامي الذي نظمته مجلة “المشكاة” بمدينة وجدة أيام 7-8-9 شتنبر 94، التقينا بالمفكر الإسلامي المعروف الأستاذ منير شفيق. وكان لنا معه هذا الحوار :
المحجة : نرحب بأستاذنا منير شفيق في بلده الثاني المغرب وبمدينة وجدة على وجه الخصوص ونتمنى أن يفسح صدره لأسئلتنا التي قد تضيف عبئا وتعبا إلى تعبه في أعمال الملتقى.
ذ. منير شفيق : إنني سعيد بلقاء نخبة أعتقد أنها في طليعة الأمة لأتحسس نبضها من خلال أسئلتها واهتماماتها وأظن أن هذا اللقاء سيكون مفيدا بالنسبة إلي أكثر مما سيكون مفيدا بالنسبة إليكم. فأنا بحاجة إلى أن أستشعر بنبض الشباب، النخبة “الطالبية” الصاعدة ونخبة الأساتذة الشباب حتى أضبط بوصلتي في الكتابة. ولذلك فالشكر لكم قبل أن تشكروني.
المحجة : قليل من الإسلاميين -وخاصة الشباب- من يعرف أن الأستاذ منير شفيق تحول -عبر عدة مراحل- من المسيحية إلى الماركسية ثم إلى الإسلام حيث أصبح قطباً من أقطاب الفكر الإسلامي المعاصر. كيف كان هذا التحول؟
ذ. منير شفيق : هذا في الحقيقة سؤال محرج، على كل حال لا أحب كثيرا أن أتحدث عن تجربتي السابقة. ولكن نزولاً عند طلبكم بعدما غمرتموني بحبكم ولطفكم ودفئكم، سأعطيكم فكرة مختصرة عن تجربتي في هذه الحياة.
لقد بدأت عملي السياسي في وقت مبكر حيث لم أكن أتجاوز 15 عاماً، وكنت من أبناء نكبة فلسطين، وسرعان ما وجدنا أنفسنا أمام تساؤلات كبيرة : كيف ضاعت فلسطين؟ كيف قامت “إسرائيل”؟ وبدأنا في ذلك الوقت نبحث عن مخرج وبصورة -ربما- أقوى من الأسئلة المطروحة، لأن ضياع فلسطين كان بالنسبة لجيلنا كارثة حقيقية ومفاجأة كبرى لأنها كانت الضربة الثانية بعد الحرب العالمية الأولى. في الحقيقة، إن الشباب في ذلك الوقت توزع يبحث عن إجابات ووجدها البعض في الحركات الشيوعية والبعض في الحركات القومية والبعض في الحركات الإستقلالية. وكانت الحركة الإسلامية في ذلك الوقت قد بدأت تواجه نكسة بعد استشهاد الإمام حسن البنا والضربة التي تلقاها الإخوان المسلمون في مصر. ثم بدأت تطرأ متغيرات على الساحة، المهم، كان اختياري أنا الحزب الشيوعي، وبدأت أعمل فيه في وقت مبكر، وكان الدخول إلى الأحزاب الشيوعية آنذاك يكلف المرء كثيرا من الأحكام القاسية والسجون. ولكن، في نشأتي وبالرغم من أن والدي كان نصرانياً ومحامياً مشهوراً وفي نفس الوقت قاضياً شرعياً، وكان له اهتمام خاص بالشرع الإسلامي وكان له موقف إيجابي كبير حيث لم يكن متعصبا. وقد حفظني القرآن وأنا في سن الثامنة بالإضافة إلى الشعر العربي القديم، وكنت أحصل على قرش من أبي مقابل كل بيت شعر أو آية من القرآن. وكان ذلك يشجعني على الحفظ ولكن دون وعي.
وأثناء وجودي بالجزب الشيوعي كان دائما لي موقف إيجابي من الإسلام والقرآن والحركة الإسلامية وإن كنت من الناحية الفكرية والنظرية شيوعيا. واشتهرت بالعراك ولم تكن صورتي صورة المثقف وإنما صورة الشاب العملي المناضل يخرج صباحا لابساً المنامة >البيجامة< تحت السروال والثياب لأنه يتوقع أن يذهب إلى السجن، وبقيت على هذه الحال إلى سنة 1965 حيث أمضيت سنوات في السجن، وفيه بدأت تطرح أمامي أسئلة قاسية خاصة بالحركة الشيوعية أهمها قضية الإستقلالية عن الإتحاد السوفياتي وخطورة التبعية الفكرية والنظرية، وأيضا خطورة التنظيم المركزي الحديدي وبدأت نوعا من التمرد السياسي والفكري ما دام أنني كنت في السجن أُنَظِّّّّرُ وأشرح النظرية في جانب الإقتصاد السياسي، وكانت لي حصيلة متقدمة في المجالات النظرية. وهذه كانت ميزة بالنسبة للشباب الذين يدرسون في المدارس الأجنبية أنهم يحصلون على اللغة ومن خلالها يطلعون على الكتابات في أصلها وبالتالي عامة الشباب الذين يدرسون في مدارس الحكومة يعتمدون على الكتب المترجمة فقط، ولذلك تجد في المشرق تفوق خاص لأصحاب الفكر اليساري والقومي والفكر الغربي لأنهم الأكثر إطلالة على الغرب ولغاته وعلى ما يجري فيه بسبب النشاط التبشيري والمدارس التبشيرية. فيما بين 1960-1965 كنت في السجن وبدأت صراعات شديدة داخله لكن لم أكشف عنها حتى لا يفهم منها أنها ضعف. وبقيت الخلافات مكتومة أكثر من خمس سنوات إلى أن صدر عفو عنا وخرجنا من السجن. وكنت في ذلك الوقت قد حملت مشروع محاولة التعريف بالحزب وتأكيد استقلاليته عن الإتحاد السوفياتي والتقدم ببرنامج له علاقة بالوحدة العربية وميثاق منظمة التحرير الفلسطينية.
وبعد ذلك في سنة أو سنتين أصبحت عنصراً نشطاً في الحركة الفلسطينية بعد 1968، بعدما كانوا في الفترة الأولى متحفظين على قبولي بسبب سمعتي الشيوعية، وكنت مسؤولاً في الإعلام والعلاقات الخارجية رغم أنني لم أكن أطلب هذا الموقع عند الإنضمام حيث كنت أريد أن أكون فدائيا، ولكنهم كانوا بحاجة إلى شخصية تجادل وتناقش اليساريين، وهذا جعل بيني وبين اليسار الجديد احتكاك نقدي ونظري.
في أوائل السبعينات أصدرت أول كتاب لي حول التناقض والممارسة في الثورة الفلسطينية، وهو محاولة للتنظير للمنطلقات الأساسية للمنهجية الماركسية المعتمدة على الطروحات الغربية، وقد لاقى الكتاب تقبلا شديدا، ومن ذلك الوقت بدأت أكتب في مجال القضايا الفلسطينية والقضايا التي تهم الفكر اليساري والفكر القومي العربي، وقد جمعت هذه الكتابات في مجلد. ومن الطريف، أنني علمت منذ أكثر من أربع سنوات أن هناك مجموعة معزولة في الجبال في كردستان التقت بشخص وقالت له بأنها تكونت على كتابات منير شفيق (الماركسية). وقد عاش أفراد هذه المجموعة الماركسية الثورية على كتاباتي هذه وأنا لا أعرف عنهم شيئا، مثلهم مثل أهل الكهف، وأخبرهم هذا الرجل قائلا : إن منير شفيق تغير وأصبح إسلاميا منذ أكثر من عشر سنوات.
في عام 1976 بدأنا نناقش النظرية الماركسية بشكل جدي ونضعها على محك التجربة النظرية لأن تراكم الأخطاء في عدة بلدان كان آخرها الثورة الثقافية في الصين، وقلنا العيب ليس في التطبيق وإنما هو في الأساس، في النظرية. وكل مرة كنا نجد تبريرا، ولكن في هذه المرة بدأنا في مشروع كبير هو القيام بعملية نقدية.
في الحقيقة، إن الماركسية منذ دخلت الحزب الشيوعي لم تعد بالنسبة إلي شيئا وإنما كانت دائما تدخل في بوثقة إعادة الصهر والإستقلالية، ولذلك كان أعضاء الحزب يقولون بأنني سلفي ولست ماركسياً. وكنت أنا أحاول أن أُأَصِّلَ النظرية بالتاريخ العربي الإسلامي وأعمل مصالحة حقيقية مع تقاليد الشعب مثل الموقف من المرأة.
ومنذ 1973 لم أكن فردا أفكر وإنما أصبحت جزءً من تيار يمثله أساتذة الجامعات يحاول إعادة صياغة النظرية الماركسية من منظور جديد، وبالتالي أصبحت الكتابات في ذلك الوقت تمر كمسودة بين أيدي الكثيرين ويجري النقاش حولها، وبدأنا ندخل في موضوع الإسلام فيها. وعندما انتهينا من هذه النقاشات حوالي 1976 اعتبرنا بأننا استطعنا تكوين نظرية جديدة فلسفية حول الثورة والتغيير، وبدأنا نبحث عن عناصر لتشكيل هذه النظرية على أنقاض النقد الذي قدمناه. ولكن في هذه الفترة -1977-1978- اتجهنا إلى إعادة النظر في موضوع الإسلام، وهنا أقول بأن هذا التحول مع الاسلام ليس مثل تحول رجاء جارودي، لأن هذا الأخير تحول بتجربته الذاتية ومعاناته الروحية والفكرية، أما أنا فإنني تحولت مع جماعة تعد بالعشرات، وكنا لا نخطو أي خطوة إلا بعدما نستوفيها بالنقاش، وكان ضمن هذه المجموعة أفراد من جنسية لبنانية وأرمينية ودرزية وأردنية وشيعية وفرنسية وتركية وسويدية ونرويجية… لذلك كانت هذه التطورات تتم بعقلية المجموع أي عن طريق العقل الجمعي.
ولهذا أشير إلى مسألة أساسية وهي : إن دخولي إلى الإسلام أو انضمامي إلى التيار الإسلامي مع قسم كبير من الشباب كان دخولاً بارداً عن طريق دراسة موضوعية لأنني كنت أتعامل مع الإسلام تعاملاً نظرياً بحتاً لا دخل للعاطفة فيه… وهكذا بدأت أكتشف في الإسلام ما كنت أطمح إليه… اكتشفت تراثه الضخم. وهكذا تقبلت الإسلام من الناحية النظرية والسياسية والحضارية. لكننا بدأنا نشعر بأن الحديث عن الإسلام الإقتصادي والسياسي والحضاري لا يقوم ولايستقيم بعيداً عن الأحاسيس والإلتزام بالأخلاق والعبادات، ودخلنا في نقاش جديد. وقد واجهتنا كارثة حقيقية فبدأ البعض ينسحب، وبدأت المشاكل مع الأخوات والزوجات وخاصة فيما يتصل بموضوع الحجاب، رغم أننا -قبل دخولنا الإسلام- لم يكن التهتك والميوعة شائعين بيننا، بل كانت لنا قيم أخلاقية معينة هي إسلامية في جوهرها. حيث لم نكن نشرب الخمر ولم نكن نمارس الزنا وكل الخصال الذميمة حيث كنا نؤمن بنظرية احترام خط الشعب وخط الجماهير، لأن نظريتنا لا تستقيم إلا باحترام ثوابت الشعب وقيمه وتقاليده وعاداته. أي أن أخلاقنا -قبل الإسلام- لم تكن نابعة من التعاليم الإلهية والثواب والعقاب وإنما من قناعة أن الثورة والتغيير لا يقومان إلا بالأخلاق الحميدة والإستقامة، وهذا غريب عن الفكر الماركسي طبعاً.
وفي الحقيقة لقد واجهتنا صدمة شديدة من طرف الأخوات -بعد إسلامنا- وبدأن يتراجعن. خصوصا عندما بدأنا نتكلم عن العقيدة كلاماً يستوجب الإنضباط للمسلك الإسلامي. وهكذا البعض ينسحب -كما قلت- ويتركوننا، ورغم ذلك فإننا -نحن- لم نتركهم وأبقينا باب الحوار مفتوحا، حيث رجع البعض من جديد، بعد غياب 10 أو 15 سنة… لقد أبقينا على باب الصداقة والأخوة وحصدنا جهودا كبيرة في مجال الساحة الفلسطينية، والآن معظمهم أصبح يعمل داخل التيار الإسلامي.
على كل حال هذه مسيرة.. انسقت وراء حديث لم أَرْوِهِ بمثل هذه التفاصيل.
المحجة : ما موقف فصائل التيار الماركسي عندما علموا بإسلامك وتحولك إلى صفوف التيار الإسلامي؟
ذ. منير شفيق : في الحقيقة لما حدث تحولي الكبير اتجاه الإسلام، شنت علي حملة من المتغربين والعلمانيين تصفني بالتقلب والتغيير، وحاول كثيرون، وحتى هنا في المغرب، في جريدة أنوال والتي كانت لي مع أصحابها صداقة في المرحلة السابقة، ولكن بعد هذا التحول دار سجال على صفحات أنوال وهاجمني أحدهم في مقال، وقال بأنني اتجهت نحو الدروشة، على كل حال، أعتقد أنه في حياتي جانب متغير وجانب ثابت، والثوابت التي عشت عليها منها: الثابت الفلسطيني والعربي (الوحدة العربية) وثابت التحرر من الخارج والإستقلالية السياسية، وثابت محاربة التجزئة ثابت الوقوف إلى جانب التغيير ضد الهيمنة. المتغير والقلق يبقى من الناحية الفكرية والنظرية والعقدية والتي تكون على درجة من الهشاشة عادة. لأن النظريات الفلسفية والإجتماعية كانت قابلة للتغيير.
يتبع في العدد القادم
الاعتقالات والملاحقات والاتعاد الذي لحق مجموعة من الاسالاميين بفرنسا بالاضافة إلى الدعم الامشروط للنظام الجزائري في حربه على الاسلام والاسلاميين. الموقف الثاني هو الموقف الأمريكي الذي كان يتميز باللي وربما بالتعاطف غير البريء في نظرنا. وقد عبرت عنه الخارجية الأمريكية في رفضها وصف الجبهة الاسلامية للانقاذ بالحركة الارهابية المتطرفة رغم كل المساعي الفرنسية التي كانت تدفعها لدلك. مارأي أستاذنا الكريم في ذلك؟
ذ. منير شفيق : يجب إم نرى الموقف الغربي من الاسلام ونرصده من عدة زوايا لاشك أن هناك موقفا استراتبجياً من الاسلام ومن الأمة الاسلامية هناك صراع ثقافي وعقدي وحضاري تاريخي، وقد تجدد في العصر الحديث بعد الحروب الصليبية وأخذ أشكالاً أخرى، وهذا من التوابت وهنالك صراع ضد الأمة وضد وجودها ووجود شعوتها حتى لو لم تكن الأنظمة التي تحكمها إسلامية … أي أن هناك صراعاً حتى ضد الأنظمة العلمانية لذلك فإن الغرب يحارب الحركات القومية والتحررية بقوة لاتقل شراسة عن الحرب التي شنت ضد الحركات الاسلامية، وهذا أيضا ثابت استراتيجي في علاقة الغرب بالعالم العربي والاسلامي.
ونأتي إلى ترجمات ذلك في السياسة اليومية خصوصاً بعد أن تمكن الغرب من الوضع. تاريخياً، من الناحية السياسية، ليس هناك موقف غربي موحد في سياسته ضد القوة الاسلامية ومثل ذلك ما وقع في الحرب العالمية الأولى من تحالف بين ألمنيا والدولة العثمانية. أيضاً في مرحلة الصراع بين المعسكرين الغربي والاشتراكي -سابقاً- حول الامريكيون أن يثيروا قصة الاسلام السياسي ويحولوه إلى الاتحاد السوفياتي في محاولة للتأثير عليه. والمرحلة الأخيرة -قبل سنتين أو ثلاثة- برزت أصوات كثيرة تقول بأن الاسلام أصبح العدو الأول >رقم واحد< ولكن مع فقدان النظام الدولي الجديد üüü الذي كان يصوره بوش وبيكر، وبعد مجيء كلينتون والتطورات الأخيرة في روسيا لم يعد شعار “الاسلام هو العدو رقم واحد” هو الشعار السائد، وإنما أصبح هناك في الغرب تلاوين متعددة في الموقف من موضوع الاسلام حتى بالنسبة إلى الدولة الواحدة، يعني، حتى -مثلا- لها موقف مزدوج، فأنت تذكر عندما وقع الانقلاب على جبهة النقاذ في الجزائر كانت فرنسا متعاطفة إلى حد ما مع الديمقراطية في المرحلة الأولى ثم تغير الموقف بعد سنة وموقف فرنسا من السودان يختلف عن موقف بريطانيا وأمريكا المتشدد. ولكن في الجزائر ظهر عداؤها بشكل واضح. والشيء نفسه بالنسبةللأمريكيين، فبينما هم متشددون مع السودان وإيران نراهم أخذوا يلينون مع جبهة الانقاد في الجزائر والحركة الاسلامية في اليمن، وأعتقد أن لذلك علاقة بما يمكن أن يتجدد من صراع روسي-أمريكي. وربما يفكر الامريكيون في إعادة تسخير القوة الاسلامية الموجودة في الجمهوريات السوفياتية للضغط على روسيا في مرحلة مقبلة. والروس بدورهم بدأوا أيضاً يغيرون في خططهم، لذلك تلاحظون أن وضع المسلمين في البوسنة قد تحسن بالمقارنة مع المرحلة السابقة في حربهم مع الصرب والآن هناك محاولة في إيجاد نوع من الوفاق الدولي حول القضية. والغريب أن هناك تصريحاً لأحد المسؤولين الروس يقول : إن روسياليست دولة اورثوذكسية فقط وإنما هي دولة إسلامية أيضاً. وهذا في مغازلة للقوى الاسلامية الروسية من جهة، وحتى التي خارج روسيا من جهة أخرى وبالتالي فإن الروس لن يسمحوا باستخدام الورقة الاسلامية ضدهم، ويمكن أن يكون لهم هم أيضاً موقف مزدوج من الظاهرة الاسلامية. وهذا يساعد الحركات الاسلامية على تسخير هذا الوضع لصالح الصحوة الاسلامية
المحجة : هلا حدثتمونا عن المنظمة الاسلامية لحقوق الانسان بصفتكم رئيساً لها وما هي أهم الخطوات التي قطعتها في مشوارها الشائك دون شك؟
ذ. منير شفيق : في الحقيقة، أنا ورِّطْتُ توريطاً في تعييني رئيساً للمنظمة الاسلامية لحقوق الانسان. وقبلت ذلك على مضض وتحت شروط محددة، لأنها في حاجة إلى أطر متفغرة ومتخصصة لهذا الميدان… وأنا لست كذلك.. اهتماماتي متشعبة ومتعددة… لذلك فأنا لاأصلح للمتابعة والتنفيذ. والمشكلة التي واجهتنا في المؤتمر هي ألا نمارس أهداف المنظمة كما تمارس من قبل مختلف المنمظمات الحقوقية الأخرى مثل المتابعة والبينات فقط ونسكت لأنه يقلقني أن نقع في الازدواجية، نسكت عن مكا ونتكلم عن مكان، ولاأخفيك بأننا قلنا لأهل السودان بأنه يجب أن نقلع في هذا المشروع من البيت أن من السودان في البداية نوع من الإحراج، لأنه حتى على المستوى الاسلامي هناك مظاهر لاتليق بحقوق الانسان وببعض الحركات الاسلامية وبدأنا نتردد إزاء هذا الموضوع، موضوع الحركات الاسلامية وحقوق الإنسان ومن أين نبدأ. وكان في ذلك خوف من أن الخوض في هذا سيصب في طاحونة الأعداء. فاتفقنا أن نمارس المشروع في السر وألا نستخدم هذا المشروع لأغراض سياسية. وكان أمامنا أن نتقدم برسائل إلى الحكومات العربية والاسلامية بادئين بالسودان على سبيل التنبيه إلى موضوع حقوق الانسان نتمنى أن نناقشهم ونحاورهم فيه لأن ما يهمنا هو تحسين وضع الانسان وحقوقه. ولكن كانت وراء ذلك عراقيل. ومع ذلك فأنا أصبحت مقتنعاً بهذا المشروع أكثر، خصوصاً إذا كنا نريد أن نسخر المنظمة الاسلامية لحقوق الانسان للعبة الدولية القضية الثانية التي كانت تهمني في هذا المشروع هي أن نقوم بإعادة الصياغة لفكرة كرامة الانسان في الاسلام لتصبح جزءً من العبادة وتصبح واجباً وفرضاً، ولاتكونُ مجرد حق للإنسان أي يجب أن تكرن جزءً من العقيدة والتعاليم الاسلامية بحيث يصبح الذي يعذب الانسان مثله مثل مرتكب الكبائر ويستحق الحد، وبذلك تصبح جزءً من الفقه والفتوى. وينتشر ذلك على مستوى الوعي الشعبي العام، أي تُصبِح جزءً من الثقافة الشعبية ولذلك كله تجنبنا التشهير أوالذخول في صراعات علنينة باعتبار أن ذلك تقوم به منظمات حقوق الانسان الأخرى وبالتالي لن تضيف شيئاً حتى وإن فعلنا، خصوصاً وأننا لا نتوفر على إمكانيات عالية في التأثير.
المحجة : نظراً لاهتماماتكم بالدراسات الاستراتيجية، هلا تحدثتم لنا عن بعض أولويات الدعوة الاسلامية في المرحلة القادمة؟
ذ. منير شفيق : السؤال صعب نسبياً، لأننا نمر -والعالم كذلك- بفترة انتقالية أهم سماتها عدم الثبات وعدم الوضوح في المسارات المختلفة ومداها، لذلك علينا أن نتعامل مع المرحلة باعتبارها مرحلة أقرب إلى الفوضى والاضطراب وعدم الوضوح، تماماً كالذي يسير أمام ضباب كثيف، عليه أن يهدي المسير ويتحسس طريقه جيداً حتى يتبين له كيف يمكنه أن يندفع في المرحلة القادمة. لذلك أعتقد أن المطلوب الآن هو أن نجتهد في محاولة استشفاف كيف ستؤول الأمور في المرحلة المقبلة على المستوى العالمي كما على المستوى الاسلامي والعربي بالخصوص. يعني لو ضربنا مثلا ما يجري الآن من مرحلة جديدة في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية… ما يجري الآن من تغيير في المنطقة العربية، هل هي في تجاه إقرار نظام شرق أوسطي يضمن الاستقرار؟ أم هي مرحلة تفجير التناقضات الداخلية داخل كل بلد عربي وإغراقه في صراعات داخلية وأرمات وبالتالي اضطربات خطيرة وإثارة قضايا متعددة مثل : قضية الاقليات واللغات واللهجات.. قضايا كلها قابلة للتفجير، لذلك أرى أن الاولويات ترتب على ضوء ذلك. يعني -مثلا- في بلد مثل الجزائر، الأولوية واضجة : إنجاح الحوار وعودة المسيرة الديمقراطية. والأولوية في بلد قد يواجه فيه الانقسام هي : الوحدة. كذلك إشكالية التطبيع مع العدو الصهيوني ومحاولة إلحاق الكيان الفلسطيني الجديد بالمشروع الصهيوني تبقى من الاولويات الملحة. لذلك أنا أتعامل بحذر مع الموضوع ولكن لنا دائماً مخرج وليست الأمور كلها ضدنا. وإنما هذه السمة يواجهها الحكام كما تواجهها الشعوب، وتواجهها الدول الكبرى كما تواجهها الدول الصغيرة، فالاضطراب الذي يعانيه كلينتون قد يكون أكبر مما نعانيه يقول تعالى (فإن كنتم تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون) وقوله (إن يمسنكم فرح فقد مس القوم فرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس)
المحجة : هل يمكن القول بأن الزمان العربي الحالي هو من ضع النظام العالمي الجديد وضع الزمان الصهيوني بشكل أدق خصوصاً إذا أخذنا تعين الاعتبار ما يجري في المنطقة العربية من أحداث متسارعة تستعصي على التقويم أحيانا؟
ذ. منير شفيق : ما يحدث الآن من تغييرات لها علاقة بما حدث في الوضع العالمي من تغييرات ولكن ليس بالضرورة أن ما يتم يتم عبر وجود طرف بتحكم في الأحداث ويوجهها كما يريد. أعتقد أن ما سمي “بالنظام الدولي الجديد” الذي أطلقه بوش وحاول أن يحدد ملامحه وقيادة أمريكا له وضبطها للعالم على ضوء ذلك، أصبح الآن غير وارد واهتزت قيادة أمريكا في علاقتها بالوضع الجديد وأصبحت الولايات المتحدة تعاني من اضطراب داخلي وخارجي. ولكن لاشك أن ما يجري في المنطقة هو من ضمن المتغيرات التي حدثت وتداعياتها، ومع ذلك أعتقد أن ما يجري نذخله ضمن إطار ملامح المرحلة الجديدة في المنطقة العربية وفي العالم. أما كيف سنسمي ذلك فإنني أقول : عبارة “النظام الدولي الجديد” أعتبرها إعلاناً أو عنواناً واسعاً يمكن أن يتشكل تحته عالم بأشكال متعددة وبتلاوين كثيرة وتموازين قوة مختلفة وليس ضمن صورة نمطية واحدة لأنه ليس هناك من هو متحكم لوحده في هذا الوضع، وإنما ستخرج محصلات نتيجة ذلك، وبهذا يأخُذُ الوضع الجديد في العالم ملامحه.
المحجة : تعيش تعض الحركات الاسلامية واقع التشرذم والانقسام إن لم نقل الصراع في بعض الأحيان. ماهو في رأيكم السبيل الأمثل لتجاوز هذا الواقع غير السليم؟
ذ. منير شفيق : أولاً، أعتقد أن الصراع مفهوم يمكن تأويله لأن الأمة ما دامت مقهورة وما دامت محاولاتها تواجه النكسات لابد من أن تتعدد الاجتهدات في : أين الخلل؟ لماذا حدث الفشل؟ وهذا شيء طبيعي. وتتعدد الاجتهدات في الخروج من الأوضاع المتردية.
أنا -في الحقيقة- بسبب إدراكي أن ميزان القوى بيننا وبين خصومنا ما زالت فيه حموة كبيرة، ولا أرى أننا على أعتاب انتصار إسلامي حقيقي، وإنما أرى أن أمامنا مرحلة طويلة من الجهاد، ويجب أن تضع استراتيجية عمرها 50 سنة على الأقل، لأن الهوة بيننا وبين الغرب متسعة كثيرا، وهذه الهوة تترجم في القوة العسكرية والإقتصادية والإعلامية ولذلك أعتقد أن الحركات الإسلامية يجب أن تقتنع بأنه لم يحن آوان القطاف وما زال الجميع في إطار التجربة والمحاولة، ولذلك يجب أن نتقبل هذا التعدد ونعتبره أمراً طبيعياً بل قد يكون مفيداً لأن وضع كل البيض في سلة واحدة خطر كما يقال، خصوصا إذا كان مسار معين غير مضمون النجاح وتحقيق الأماني…(ادخلوا من أبواب متفرقة) نظرية يجب أن نقبل بها مع احترام الإجتهاد وإشاعة روح الحوار والتسامح والتعاون والأخوة والإلتقاء، حيث يمكن الإلتقاء والتفكير الجهوي وبنذ الحزبية الضيقة واحتكار الحقيقة… وإن كان يجب أن ندعو إلى توحيد أوسع مع بعض القوى الأخرى التي يمكن أن نلتقي معها حتى لو كانت مخالفة لنا، فالأولى أن يكون هذا التوحيد داخل التيار الإسلامي والحركة الإسلامية.
المحجة : ما قولكم في مشروع “أسلمة المعرفة”؟
ذ. منير شفيق : يجب القيام بعمل نقدي عميق للعلوم الإنسانية الغربية. في هذا الطريق يمكن أن نحدث أسلمة. يعني أنا أعتقد أن ما فعله إدوارد سعيد في كتابه حول الإستشراق يمثل نموذحا لكيفية أسلمة العلومم الإنسانية… يجب أن يوجد عندنا إدوارد سعيد يفعل ذلك في علم الإجتماع وآخر يعمل في علم النفس وآخر يعمل ذلك في التاريخ ويناقش الغرب وينسفه منظرا لعدم النزاهة في مناهجهم من جهة في الكتابة وفي تركيبة هذه العلوم. يعني هذه العلوم يجب كلها أن تهز هزا قويا كما هُزَّّّ الإستشراق من طرف إدوارد سعيد. إذا فُعِلَ ذلك، تكون هذه الخطوة الشرط الأساسي للحديث عن شيء إسمه “أسلمة المعرفة” وإلا تصبح الأسلمة بشكل شكلي على طريقة اللحوم التي يكتب على علبها “ذبح حلال” وبالتالي فهي إسلامية إن المعرفة لن تصبح إسلامية إلا لنقد العلوم الإنسانية الغربية نقداً سليماً صحيحاً.
المحجة : ما تقييمكم لتجربة المعهد العالمي للفكر الإسلامي الذي يرأسه الدكتور طه جابر العلواني؟
ذ. منير شفيق : هي تجربة -إن شاء الله- ناجحة وإيجابية، ولكن -كما قلت- المعهد العالمي بحاجة إلى مثل إدوارد سعيد ليس إسلامياً، ولكن الطريقة التي نقد بها الإستشراف والجامعة الغربية تشكل نموذجا لما يجب أن يعمل في مختلف مجالات المعرفة لأنك أنت عندما تتحدث عن “أسلمة المعرفة” ستتناول علوم الغرب القائمة وتتفاعل معها، وأنت هنا يجب أن تقوم بعملية نقدية في العمق ومن الداخل وبمقاييس منهجية دقيقة وشاملة حتى تقدم شيئا في المستوى. هذا هو الطريق الذي أعتقد أن على المعهد أن يتبعه.
المحجة : هل يمكن أن نتحدث في الغرب عن تيار فكري مغمور إعلاميا يقف مواقف مشرفة من المشروع الإسلامي المضطهد؟
ذ. منير شفيق : طالما أن الله سبحانه وتعالى خلق في الإنسان الفطرة فلا بد من أن تجد أناساً أقرب إلى الفطرة في الغرب. وهؤلاء رجال ولا شك يجب التعامل والحوار معهم للإفادة من أعمالهم كما أن هنالك رجال أو بعض الحركات النزيهة التي تنقد الغرب نقداً عميقاً مثلا : حركات البيئة.
المحجة : ما رأيكم في الدعوة إلى الواقعية في التعامل مع القضية الفلسطينية؟
ذ. منير شفيق : لو قامت دولة في الصحراء فستكون دولة هزيلة >دولة مسخ< لن تحقق أي شيء إيجابي.
انظر إلى بنجلاديش التي انفصلت عن باكستان، لا تحسن وضعها ولا تحسن وضع مواطنيها.