“فطوبى للغرباء”
> ذ. عبد المجيد بن مسعود
يا ايت الغريب الذي تأبت أقطار جسده العملاق على التطويق و الحصار، و استعصت عظامه على الكسر و التذويب، على كثرة ما تفتقت عنه عبقريات الكيد و التهجين من محاليل السحق و معاول التدمير. أيها البحر العظيم الذي انطوت أحشاؤه على نفيس اللآلئ و غالي الدرر، تخبئها لاصحاب الهمم العاليّة و النفوس الكبيرة التي تعرض عن سفاسف الامور و توافه الاشياء، و تشرئب إلى مافي أعماق الكون من جوهر ولباب ينطلقون في رحلة الغوص المحوطة بالمتاعب و الاهوال، تتوهج أحداقهم بأنوار الحقيقة ، و تعتمل في صدورهم مشاعر كره الظلام و مقت خفافيش الظلام.. لكنهم لا يقنعون بلعنها و إ مطارها برذاذ السخط ، و اقتحامها بأمواج الحنق و أصوات النحيب.. هم يفرشون مساحة هذا الوجود الرحيب بألغام نورانية لا أثر فيها لرائحة البارود.. تتفجر عن لذيذ الثمار و تتضوع منها رائحة الورود . لأنها معجونة بماء و طين، موشاة بشعاع الحقيقه الخالد، مجبولة بحب الانسان الذى كرمه رب الانسان و طوقه بوسام الامانة الرفيع.
لطالما أمطرتك ألسنة الافاعي بأقبح الشتائم و أقذع النعوت، و انهالت عليك مناقر الغربان تملأ سماءك بالنعيق. لكنك يا أيها الغريب، تتلفع بردائك الفريد الذي وهبتك إياه عناية السماء، وتتدرع باليقين الذي تحترق في أتونه أسراب الغربان الباغية و تتمزق أكوام الافاعي إربا إربا.
لله درك يا أيها الغريب… ينصرف الأقزام من مختلف المقاييس و الأشكال إلى أشيائهم الصغيرة، يغرقون في مستنقعاتهم المنتنة، يعربدون يركضون ركض الوحوش، يعبون من صديد جرائمهم لا يرتوون. و تمضي أنت ياأيها الغريب مرفوع الرأس ثابت الجنان، تملأ نفسك أنوار اليقين مشيحا بوجهك المنير و أنفك الأشم عن لعب الصبيان و عبث الحمقى والمجانين ، تنظر بنور الله إلى الغد الباسم المأمول، يوم يستعيد الحمام بياض لونه الوهاج ، و تنعتق أجنحته الرفافة من أغلال المكر و أقنعة التزييف. يوم يعود غصن الزيتون من رحلة التيه المريرة إلى أصله المبارك و أمه الحنون، فيكتسي نضارة الحقيقة و نداوة الحياة.
يوم تطهر بحار الكون و محيطاته الزاخرة، فتقذف من أعماقها كل خبيث، و تمتزج أمواجها بأصوات التكبير و التهليل، و تصدح بأجوائها طيور الكون بأعذب الالحان و رائع النشيد، و تورق أشجار الوجود بعد اصفرار و ذبول و يصطف موكب الغرباء في موعد اللقاء، وتشرع أبواب السماء.
أشكال