بين الطب والإسلام
الغولية والسمامة بين الطب والإسلام
القرآن والغولية
إذا نحن استعرضنا الآيات القرآنية المتصلة بالغول وبالخمر مرتبة ترتيبا زمنيا حسب أوقات نزول الوحي نستجلي أسلوبا سديدا ومتبصرا في الطريقة التي تم بها منع المشروبات المسكرة.
فإن هذا المنع وقع بكيفية تدريجية متبعا “نظاما فطاميا” على مستوى مجتمعي نظرا إلى أن العرب عند مجيء الإسلام كانوا مولعين بالخمر. بل إنهم درجوا على اعتبار شرب الخمر شيمة من شيم النبل والكرم والشرف يتباهون به ويفتخر به شعراؤهم. فلم يكن من السهل أن يتركوا هذه العادة المتأصلة ولذلك نهج الإسلام في المنع منهجه الإستدراجي الحكيم.
والذي يعنينا هنا من أمرهذا الفطام الذي نعتناه بأنه مجتمعي هومداه الطبي إذ أنه علاج حقيقي للسمامة الغولية مثلما يوصي به الطب الحديث للغوليين ومثلما تستعمله الآن مختلف المستشفيات النفسانية في كل أقطار العالم وذلك اجتنابا للآفات الخطيرة التي قد يتسبب فيها الفطام الداهم المفاجئ كالهذيان الإرتعاشي على سبيل المثال.
فكانت أول آية نزل بها الوحي بصدد الخمر هي قوله تعالى :
“ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون” (النحل 67).
فبحكم هذه الآية لم تكن الخمر محرمة أول الأمر وبقيت هذه الحال حتى كان اليوم الذي دخل فيه رجل في الصلاة وهو سكران فخلط في قراءته فهاج الناس فقال عمر “اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا”.
فنزل قوله تعالى :
“يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ” (النساء 43).
فإذا نحن لاحظنا أن هناك خمس صلوات موقوتة مفروضة على المسلمين موزعة على خمسة أوقات في اليوم والليلة يتبين لنا مدى ما ينقصه مدمن الخمر من عادة إدمانه بما أنه مرغم على الإمتناع عن تناول المشروبات المسكرة فيما بين أوقات الصلاة حتى لا يصلي وهو سكران.
ثم نزل الوحي بآية ثانية تتضمن منعا غير صريح للخمر وهي قوله تعالى :
“يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما”(البقرة 219).
نلاحظ أن هذه الآية كانت بداية منع المشروبات المسكرة وعند نزولها قارنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالآية السابقة ثم دعا الله أن ينزل في الخمر بيانا شافيا.
فنزلت الآية التالية :
“يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون”؟ (المائدة 90 ـ9).
وعندها قال عمر بن الخطاب : “انتهينا، انتهينا”.