التنمية القذرة
(2)
كانت القبائل الجبلية ومدنها وقراها تعيش على الكفاف والعفاف والغنى عن الناس، لم تكن محتاجة ولم تكن مستغنية يوم كان اقتصادها معتمدا على الفلاحة البسيطة وعلى الصناعات التقليدية وعلى التجارة رغم بساطتها ومحدوديتها ومع ذلك كانت عاجة (ممتلئة) بالفقهاء والعلماء وطلاب العلم والمعرفة وكانت الحياة جميلة وسعيدة وطاهرة وكانت الخلية الأولى : الأسرة تعيش حياة مطمئنة متماسكة متعاونة، وكانت الأحوال الصحية تغلب عليها العافية إلا ما كان من بعض الأمراض العادية البسيطة. لكن لما انتشرت فيها زراعة الكيف وتجارة المخدرات وصناعة السموم تكاثرت الأموال فتغيرت الأحوال. فكانت لذلك عواقب وخيمة من نشوب نزاعات كثيرة على الأرض فكثر الظلم والتزوير والرشوة كما بدأت الأسرة في التفكك إذ انتشر التبذير في الأفراح والأقراح وتفشت العادات السيئة والمظاهر الفاجرة وأصبحت للفساد صولة وللإنحلال دولة كما ابتلي شباب تلك البلاد نفسها بالمخدرات وهجم الأوربيون بأموالهم وذعارهم على الجبال والقرى برا وبحرا وجوا وتأسست صناعات تخدم تجارة المخدرات وتهافت الناس على المال الحرام بالزراعة الحرام والتجارة الحرام والوسائل المحرمة، فكانت النتائج سيئة من انتشار جرائم القتل والنهب والإعتداء على العرض والطلاق والزنى والخمور..كما ارتفعت أسعار الأراضي الفلاحية بيعا وكراءا وتفشى الغلاء في أراضي البناء في الريف والجبل ولاسيما بتطوان وشفشاون وطنجة حتى سمعنا أن المتر الواحد في المدينة الأخيرة بلغ سعره ثلاثين ألف درهم. كما نشطت المحاكم لفض النزاعات الجديدة ومحاكمة المهربين والزارعين والتجار والقتلة والمزورين واكتظت السجون بالشباب والكهول ولم تسلم حتى النساء وضعف الوازع الديني وقل طلاب العلم وحفظة القرآن الكريم ولم يعد للقوم هم ٌّولا مقصد إلا المال الحرام من أجل الحياة الحرام.
فلما تدخل الغرب وطالب بالحد من هذه الزراعة والقضاء على هذه التجارة كادت تتوقف الحياة الإقتصادية في تلك القرى والمدن الظالم أهلها فكان لذلك أيضا عواقب وخيمة إذ انتشر الإفلاس في الأوساط التي كانت تعتمد على التنمية القذرة وتوقفت تجارة الأراضي بل هبطت الأسعار هبوطا كبيرا وسحب أثرياء المخدرات أموالهم من البنوك وهربوها، وتجمد كل شيءتقريبا وجأر الناس بالشكوى وهكذا تكون التنمية القذرة، تبدأ بالكوارث وتنتهي بالكوارث والخراب الشامل والدمار الإجتماعي المنتشر يظهر بوضوح أن ما ربحناه من هذه التنمية القذرة لا يساوي عشر معشار ما خسرناه من ديننا ومجتمعنا وأسرنا وشبابنا ومستقبلنا وضمائرنا وأخلاقنا لكن إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
د. عبد السلام الهراس