التنظيمات الاسلامية : وسائل أم غايات؟
(2/2)
> البنعيادي محمد
الانتماء للإسلام يسهل عملية التكامل بين العاملين للإسلام :
إن انتماء المسلم الأصيل هو انتماؤه للاسلام، ويبقى انتماؤه هذا هو الموجه والهادي له في كل شيء والمهيمن عنده على كل شيء، في الوقت الذي يجب على المنتمي إلى تنظيم ما ألا يشعر بالحرج في التعاون مع جميع التنظيمات الأخرى التي تأخذ على عاتقها إحياء الاسلام من وجهة نظر اجتهادية، مادامت وحدة المسلمين التنظيمية شيئاً نطمح إليه ولكنه متعذر في الوقت الراهن على الأقل، وأمام تعذر التنظيم الواحد فلا بد من أن ينوب عن ذلك فهم مشترك ووعي مشترك في حدودهما الدنيا، ولا بد أن ينوب الإخاء الاسلامي الموحَّد والموحِّد مناب التنظيم الاسلامي الموحِّد والموحَّد وأن يتحقق في هذا الاخاء الوحدة الشعورية للمسلمين من خلال قوله صلى الله عليه وسلم : >مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد… <. ولن يتحقق ذلك إلا إذا تواضع العاملون في الحقل الاسلامي ومارسوا عملية النقد الذاتي بكل شجاعة وانفتاح على الرأي الآخر مهتدين بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول : >كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون< وقول الامام مالك رضي الله عنه : >كل يؤخذ من كلامه ويُرَدُّ إلا صاحب هذا القبر< (يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم) وقول الامام الشافعي : >كلامي صحيح يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب<.
ويجب عليهم أن ينطلقوا من بديهيات يقرها العقل والنقل معاً وعلى رأسها أن لا عصمة للتنظيم ولا لمؤسساته ولالقيادته… عليهم أن يحتملوا ولو احتمالاً بسيطاً أنهم أخطأوا في بعض الأمور حتى لا تطفُو مزَاعِم العصمة وتظهر في السلوك وإن لم يُسَلِّمْ بها نظرياً.
إن مشكلة البعض -أحياناَ- هي أن ميزان الثقة بالقيادة أن يترك الانسان رأيه لرأي القيادة، هذا البعض يمثل دور الميت بين يدي مغسله كما يقول المتصوفة ويدعون إليه مريديهم.
وقد تسود أفكار غريبة عند بعض القيادات مثل استفظاع الرجوع عن قراراتها ولو كانت خاطئة على زعم أن ذلك يفقد القيادة هيبتها وكأن السيرة النبوية خالية من ذلك.. إنها في الحقيقة مفاهيم جاهلية بامتياز ما أنزل الله بها من سلطان لا أعلم أي مبرر شرعي أو عقلي في إعطاء العصمة للتنظيم -مثلا- حتى لو ثبت خطؤه الشرعي أو المصلحي.
ضرورة النقد والمراجعة للترشيد والتصحيح والتمحيص :
إن وسائل العمل الاسلامي وطرائقه وأساليبه وهياكله وعناوينه التي أصبحت عند البعض ديناً لا يمكن تجاوزه، إنما هي أمور اجتهادية تخضع لقانون التغيير والاستبدال وليست لها صفة القداسة والثبات، ذلك أن الأهداف الاسلامية من الثوابت والوسائل لتحقيق هذه الأهداف من المتغيرات.
إن الجمود على وسائل بعينها في العمل وعدم القدرة على تجاوزها إنما هو حرب في غير معركة وانتصار بغير عدو، ويخشى أن يكون مضيعة للعمر والأجر معاً، وإنه لابد أن تكون عمليات المراجعة وإعادة النظر دائمة على ضوء المستجدات، ولابد من الاستمرار باتهام أنفسنا بالتقصير عن إدراك الصور المثلى، ومن فساد النظير الاعتقادُ بأن عملية المراجعة والنقد والمناصحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحدث تشويشاً في الصف الاسلامي واضطراباً في العمل، ذلك أن الصف أو الجماعة التي تخشى من الحوار وتخاف من المناصحة لأنها ستهدد كيانها، جماعة لا يوثق بها ولا تستحق البقاء ولاتستأهل حمل رسالة الاسلام التي من أولى متطلباتها ومقتضياتها : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ففاقد الشيء لا يعطيه.
إن مطاردة عملية النقد ومحاصرتها تؤدي بأصل القضية في سبيل استبقاء الصورة الشكلية للعمل والدعوة، وهكذا ينقلب جهد العمل إلى صناعة المبررات لاإلى صناعة الحياة كما يقول أحمد الراشد، وبالتالي تتغلب عملية صناعة التبرير على عقلية دراسة أسباب التقصير. ولاتعالج هذه القضية إلا من خلال ممارسة الحرية الفكرية المسؤولة والحوار الشامل والتزام أدب الاختلاف الاسلامي وجعل المشروعية للمبادئ والافكار وليس للوسائل (= الجماعة) والأشخاص (القيادات) كذلك يجب الانتباه إلى أن الجماعات والجمعيات الداعية للاسلام ليست مركز احتكارات له، بعيدة عن جماهير الأمة ومنفصلة عن جسمها وهدفها، وإنما هي مجموعات ترجو أن تكون أكثر كسباً للقضية الاسلامية وأشد اهتماماً بها وتمثلاً للاسلام بصورة عملية سليمة لتغري بسلوكها الجاهلين لحقيقة هذا الدين، وتكون لهم دليلا ومرشداً، ولا تحتكر الخير وتنتهي إلى تشكل غريب في جسم الأمة، يُشكل تحكمه عقلية الاقصاء والحزبية الضيقة كما هو حادث للأسف عند بعض شبابنا المسلم. لأن الحِزْبِيَّ -عموماً- أعمى وأداة صماء للتنفيذ. إن الفرد في الحزب يقوم بدور النقل أو التبرير، وعلى هذا فهو يحاول تعميم الأفكار التي تلقنها ودرسها بحماس أكثر من ميله إلى تقويمها ومراجعتها ومقارنتها بالأفكار الأخرى. وهذا يقود إلى ظاهرة التبرير للأفكار التي تصدر عن الجماعة التي ينتسب إليها الفرد والتي تلقى المقاومة أو النقد البناء -أحياناً- من أناس آخرين.
تنقية الصف من الأمراض الفتاكة يزيده قوة ومتانة :
لقد آن الأوان -بعد تفشي مجموعة من الأمراض داخل الحركة الاسلامية- لكي يعمل المخلصون من الدعاة على تحري الموضوعية أثناء ممارستهم للدعوة إلى الله. والموضوعية عملية شاقة -لاشك في ذلك- أثناء ممارسة العمل تنطلق من التقوى (اعدلوا هو أقرب للتقوى)، والتقوى يفهم منها الكثير منا الالتزام الجامد بالنصوص، لكن الحقيقة هي : الانضباط ولكن بعد التحري. والفكر الموضوعي -اذن- يتناقض تماماً مع الفكر الحزبي. فالحزبي -كما سبق- إنسان أعمى لأنه يفقد روح المراجعة ولأنه لا يملك القدرة أصلاً ولم يتربَّ على عملية النقد الذاتي.
إنه لابد أن نعترف أن كثيراً من العاملين للاسلام اليوم ليسوا بمنأى عن الإصابة بالأمراض والعلل التي أصابت مجتمعاتهم المتخلفة، فهم قد يتميزون عن غيرهم بفكرهم وعقيدتهم -وأحياناً بشكلهم فقط- لكنهم يشاركون مجتمعاتهم بممارساتهم وأعمالهم وسلوكاتهم إلى حد بعيد حيث سيادة مخلفات عصور الانحطاط من تقاليد وعادات تضر وتسيء للاسلام أكثر مما تنفعه، ومع عدم استطاعة التخلص من ذلك “الفقه البدوي” كما يقول الشيخ محمد الغزالي، ذلك “الفقه” الغارق في مشاكل لاتساوي جناح بعوضة في سلم الأولويات.
ولتجاوزِ كثيرٍ من السلبيات في العمل الإسلامي يجب أن نقر ونقول :
- لا لعصمة الأشخاص وإيجاد المبررات لأخطائهم لأن ذلك يكرس الخطأ ويوقف المناصحة.
- لا للتفسير التعسفي للنصوص قصد تسويغ بعض الممارسات الجاهلية.
- لا للوقوع في حمأة التعصب الحزبي -الجماعاتي- وتحويل الآراء الاجتهادية إلى مذاهب سياسية وفرق كلامية، والتجمعات الاسلامية إلى طوائف حزبية.
- لا للعودة إلى بعض المفاهيم الجاهلية بسبب من غفلة وغياب البعد الايماني الذي يكرس الظلم والخطأ ويجعل بعضنا ينتصر ويتحزب لمن يواليه أيا كان أمره وبالتالي يسود الاحتراف بالاسلام بدل الاحتساب.
يجب أن نَتَنَبَّهَ -في الأخير- إلى أن الاعداء الذين نالوا منا مانالوا أعرفُ بأخطائنا منا لأنهم كانوا -ولايزالون- يتسللون من خلالها ويحققون إصاباتهم من قبلها، ويستميتون في تكريسها واستمرارها، وتكريس عدم قدرتنا على إبصارها وتخويفنا من معالجتها.
وحتى نكون أمة الشهود الحضاري، لابد من إعادة تركيب صورة العمل الاسلامي من جديد ونفي كل الخبائث التي علقت به وشوهت معالمه، لابد من وقفة متأنية وفاحصة من أجل إنقاذ هذا المشروع قبل أن تفتك به “فيروسات” وأمراض خطيرة قد تودي بحياته لاقدر الله، هذه الأمراض التي بدأت تظهر بشكل جلي داخل الساحة الجامعية، هذه الأمراض التي آمل أن أعود لها في عدد قادم بحول الله.
وأخيراً : ليعلم كل مخلص غيور على بيضة الاسلام، وكل حريص على وحدة العمل الاسلامي… ليعلم الكل : إننا أصحاب رسالات ولسنا أصحاب سيارات وعمارات…!!!