في فقه الفقه
البنعيادي محمد
إن الفقه التشريعي في الإسلام يخضع للمنهج الاستنباطي القياسي، وإن الفقه الاجتماعي والحضاري يخضع للمنهج الاستقرائي، والإصابة اليوم التي لحقت العقل والفكر الإسلامي لم تقتصر على أحدهما دون الآخر، وقد تكون من بعض مشكلات العقل المسلم المعاصر، الخلط بين المنهجين وعدم القدرة على استخدام كل في مجاله.
ويبدو أن الحركة الإسلامية لا تزال في مرحلة العجز عن تمثل تراثنا بشكل صحيح، ومن تم القدرة على غربلته وفحصه والإفادة من العقلية المنهجية التي أنتجته، والقدرة على إنتاج فكري معاصر يوازيه من خلال الاهتداء بالقيم المحفوظة في القرآن والسنة حيث لا يزال بعضنا يصر حتى اليوم على نقل القدسية من الكتاب والسنة المعصومين إلى أقوال واجتهادات البشر الفقهية والفكرية، وبذلك يلغي عقله تماماً ويسقط في فخاخ التقليد الجماعي ويقف أمام هذا التراث للتبرك والمفاخرة دون أن تكون لديه القدرة على العودة إلى الينابيع التي استمد منها، فينتج تراثاً معاصراً قادراً على قراءة مشكلات العصر.
والمظهر الآخر للعجز يمثله فريق آخر يحاول القفز من فوق الفهوم السابقة والتراث الفقهي والفكري بدعوى التناول المباشر من الكتاب والسنة دون امتلاك القدرة على ذلك.
وقد نلاحظ أن الكثير منا لايزال مولعاً بالمعارك القديمة التي انتهت بأصحابها وأهدافها وأسلحتها وزمانها، ومع ذلك فهو يصر على دخول المعركة المنتهية ويستنزف طاقته وطاقات من يستمعون له، ويحاول تحقيق انتصارات في الفراغ، مما يوحي بأننا دون مرحلة النصر أو على أحسن الأحوال لانزال نعاني من آثار الهزيمة الفكرية التي تعيش في أعماقنا والتي تتيح للخصم القدرة على التحكم بمسار تفكيرنا ونشاطنا العقلي لأنه يكفي أن يلقي إلينا بعض التشكيكات ليستثيرنا ويحول جهودنا وطاقاتنا إلى المواقع الدفاعية، وكلما حاولنا أن نتنبه، ينتقل بنا إلى مشكلة أخرى… وكل ذلك على حساب البناء الداخلي. ولقد استطاع المفكر الإسلامي مالك بن نبي أن يكشف هذا الأسلوب في كتابيه : “الصراع الفكري في البلاد المستعمرة” و “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي”.