التيار الإسلامي الحضاري المتميز
> عبد القادر منداد
كثيرة هي المفاهيم والتصورات التي تغطي بظلالها فضاء واقعنا المعيش، والتي تسعى جاهدة إلى اصلاح ما فسد من وضع الأمة الإسلامية، وازالة ماعلق به من الشوائب سواء تعلق الأمر بالجانب الاخلاقي أو الاجتماعي أو الفكري أو السياسي..الخ.
ولعل من أهم الغايات التي تسعى اليها هذه التصورات هي ايجاد الآدمي الفعال أو الانسان الصالح -المصلح، دون أن ننسى المهمتين الرئيسيتين لهذه التصورات ألا وهما :
الإصلاح الفكري والتجديد الفقهي، وهذه التصورات في اعتقادي يمكن أن تُختصر اجمالا في أربع تيارات : أولها التيار الانقلابي وثانيها التيار الانتحاري وثالثها التيار الانسحابي ورابعها تيار الاسلام الحضاري. وقبل الحديث عن هذه التيارات ولو بشكل مقتضب أرى أنه من الضروري تحديد معنى كل من “الإصلاح” و”التجديد” فالذي أقصده بالإصلاح : هو محاولة العودة الشاملة بالأمة العربية الإسلامية إلى دين الاسلام وتطبيقه في شتى جوانب الحياة اليومية. والمراد بالتجديد : تجديد أمر الدين، وروحه ونفض الغبار عن مفاهيمه في إطار الثوابت والمتغيرات حتى لا يختلط بالأهواء ولا ينعزل عن العصر.
فالتيار الانقلابي هو القائم على أسس عسكرية -جهادية- وهذا واضح من تسميته، بحيث يعمد الى الاصطدام مع المؤسسة الحاكمة منذ نشأته، ساعيا من وراء ذلك انتزاع السلطة بالقوة. واما التيار الانتحاري فهو ذلك التيار الذي يستفرغ طاقاته ويصرفها في كل الجوانب، لا يراعي الأولويات ولا يتمهل في التنزيل ولا يركز على الجوانب الهامة والأساسية في الواقع. والتيار الانسحابي هو الذي ينسحب مبكرا من ساحة الإصلاح ولا يستطيع السير بعيدا بما يحمله من أفكار لوجود خلل في نظرته للإنسان والحياة والكون، أو لاهتمامه بالجزئيات مع اغفال للكليات، أو لاهتمامه بما هو سياسي قبل ماهو تربوي وثقافي.
أما تيار الاسلام الحضاري فهو تيار الرأي الحَصِيفِ والقول السديد، تيار العودة الكلية إلى المرجعية الإسلامية في شتى جوانب الحياة اليومية تحت راية العلم، العلم الموصل إلى فقه أحوال الأمة وادراك مكامن الضعف التي تعوق سيرها وتطورها في اتجاه الامامة الفكرية والريادة الحضارية العالميتين واللتين بهما تتقلد منصب القيادة العالمية التي اناطها الله بهذه الامة دون غيرها من الأمم، فتيار الإسلام الحضاري إذن وبكل بساطة ينظر إلى الإسلام على أنه منهج حياة يحقق من خلاله الاستخلاف على الأرض، وذلك باتباع سنن الله في التغيير مع تسخير السنن الإجتماعية والكونية والتي بدون مراعاتها يختل السير نحو الأهداف المستقبلية المراد تحقيقها إن على المستوى القريب أو البعيد باستخدام الوسائل المتاحة والممكنة لتحقيق النتائج المرضية. بكلمة واحدة، فإنه بالرغم من الاختلاف الوارد أو الذي قد يبدو بين بعض هذه التيارات فهي تشكل حركة تجديدية تنبذ الجمود والتقليد اللذين تعيشهما المجتمعات المستضعفة، وتفتح باب التجديد والإجتهاد.
أخيرا ومما تنبغي الإشارة إليه وهو أن هذه التيارات الإصلاحية مطلوب منها أن تتجنب الوقوع في الأخطاء القاتلة، مثل التفرق والتمزق.