افتتاحية
التطرف المسكوت عنه
سَلْمَان رشدي لَيْسَ أَوَّلَ من اسْتَهْزَأَ بالدِّين الإسْلاَمِي وَقِيَمِهِ وَمُقَدَّسَاتِهِ، ولَيْسَ أولَ من استهَان بمشاعر المسلمين واحْتَقَرَ كيانَهُمْ، أمةً، وَدُوَلاً، وأفراداً… فقد سبقَهُ إلى هذا الميدانِ أساتذَتَهُ القُدامى والمُحْدَثُونَ، من رهبانٍ، وقُسُسٍ، ويَهُودٍ، ومستشرقين… وكَتُبُوا أَخْبَثَ مِمَّا كَتَبَ، سَوَاءٌ في القرآنِ العَظيم، أو النبيِّ الكريم، أو التشريعِ الحَكيم أو أَزْوَاجِ النبي، أو الصَّحَابَةِ، أو غير ذلك من المجالات التي لم تَسْلَمْ من الطَّعْنِ والتَّشْكِيكِ… فالرجل] لاَيَعْدُو أنْ يَكُونَ ذَيْلاً ذَلِيلاً لأَسْيَادِهِ يُسْتَرْزِقُ بِضَمِيرِهِ، ويَأْكُلُ مِنْ ثَدْيِ مُرُوءَتِهِ وكَرَامَتِهِ، وهُوَ أَتْفَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُسْكَةٌ مِن العَقْلِ في رِحَابِ العُقَلاَءِ، أو ذَرَّةٌ مِنَ الفِكْرِ في رِحَابِ المُفَكِّرِينَ المُحْتَرَمِينَ ولَوْ كَانُوا خُصُوماً أَشِدَّاءً للْفِكْر الإسْلاَمِيِّ…
ولَكِنَّ الرجل] أُرِيدَ لَهُ أَنْ يَكُونَ حَرْبَةً في يَدِ الحَاقِدِينَ على الإسلام والمسلمين، ودُمْيَةً يَلْعَبُ بِهَآ رِجَالُ الغَرْبِ وقَادَتَهُمْ وعُمَلاَؤُهُمْ الذِينَ سَفِهُوا أَنْفُسَهُمْ، وخَسِرُوا صَفَقَاتِهِمْ السِّيَاسِيَّةِ عِنْدَمَا ظَنُّوا أَنَّهُمْ بمثْلِ تَخْريفِ هَذَا المَعْتُوهِ، والنَّفْخِ في قَضِيَّتِهِ، سَيُحَقِّقُونَ نَصْراً صَلِيبِيّاً على الإسلام والمُسلمِين، وسَيُطْفِئُونَ نُورَ اللَّهِ تعالى بتَزْيِيفِ الحَقَائِقِ، وتَصْنِيعِ الأَبْطَالِ الوَهْمِيِّينَ… أَلاَ سَاءَ مَا يَظُنُّونَ.
فَمَا مَعْنَى أنْ يَسْتَقْبِلَ رَئِيسُ دَوْلَةٍ عُظْمَى سَلْمَانَ رُشْدِي بِدَعْوَى إِعْطَاءِ المَثَلِ في حُرِّيَّةِ الكَلِمَةِ وَحِمَايَةِ أَصْحَابِهَا مِن أَيِّ تَهْدِيدٍ!! أَيَّةُ كَلِمَةٍ هَذِهِ تَسْتَحِقُّ الحِمَايَةَ؟! ولِمَاذَا لاَ يَجْرَؤُ هُوَ وأَمْثَالُهُ عَلَى حِمَايَةِ حُرِّيَّةِ الكَلِمَةِ الإسْلاَمِيَّةِ والضَّغْطِ على مَنْ يُصَادِرُهَا؟! ولِمَاذَا لا يَجْرُؤُ هُوَ وأَمْثَالُهُ على حِمَايَةِ حُرِّيَّةِ كَلِمَةِ شَعْبٍ قَالَهَا بِصِدْقٍ ونَزَاهَةٍ في عَمَلِيَّةِ انْتِخَابِيَّةٍ شَرِيفَةٍ، فَصُودِرَتْ إِرَادَتُهُ، وَسُفِّهَ اخْتِيَارُهُ وَلَمْ يَنْبِسْ بِبِنْتٍ شَفَةٍ أَحَدٌ مِنْ حُمَاةِ الحُرِّيَّةِ والدِّيمقراطية] لِيَقُولُوا : إن هَذَا مُنْكَرٌ في عُرْفِ الدِّينِ، والسِّيَاسَةِ، والخُلُقِ، والضَّمِيرِ، والدِّيمقراطية، والإنْسَانِيَّة، والحَضَارَةِ، والقَانُونِ…
أَلَيْسَ هَذَا كَيْلاً بِمِكْيَالَيْنِ؟!
وأَلَيْسَ هَذَا مِسْمَاراً يُدَقُّ في نَعْشِ الحَضَارَةِ المَادِّيَةِ الزَّائِفَةِ؟
إِنَّ مِثْلَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لاَ تَضُرُّ الإسْلاَمَ والمُسلِمِين في شَيْءٍ بِحَمْدِ الله تعالى، بَلْ لا تَزِيدُ المُسلمين إلاَّ تَذَوُّقاً لِلَذَّةِ الحَقِّ الذِي عَرَفُوهُ، وإِصْرَاراً على تَبْلِيغِهِ لِلْجُهَلاَءِ بِهِ، وَقَضِّ مََضَاجِعِ السُّفَهَاءِ… وَلَكِنْ أَلاَ يَحْسَبُ هَؤُلاَءِ الحِسَابَ لِرَدِّ فِعْلِ الشَّارِعِ الإسْلاَمِي في المُسْتَقْبَلِ القَرِيبِ أوِ البَعِيدِ؟!
ألاَ يَدُلُّ هَذا التَّصَرُّفُ عَلَى أَنَّ مَا يُسَمَّى -في العُرْفِ عِنْدَهُمْ بالتَّطَرُّفِ- لاَيَنْشَأُ مِنْ فَرَاغٍ، وإِنَّمَا هُوَ رَدُّ فِعْلٍ طَبِيعِيٍّ للإسْتِفْزَازِ الطَّائِشِ، ودِفَاعٌ عَنِ الكَرَامَةِ المَهْدُورَةِ، والكِيَانِ المُهَانِ؟!
ألاَ يُعْتَبَرُ حِمَايَةُ أَمْثَالِ سَلْمَان رُشْدِي، وتَشْجِيعُهُ باسْتِقْبَالِهِ وعَقْدِ النَّدَوَاتِ لَهُ، ونَشْرِ كَتَابِهِ التَّافِهِ، وتَجْنِيدِ الطَّاقَاتِ الإعْلاَمِيَّةِ والصُّحُفِ المأجُورَةِ للإِشَادَةِ بِهِ، والعَمَلِ على تَصْدِيرِ أَفْكَارِهِ إلى الجَامِعَاتِ، والطَّلَبَةِ، والشَّبَابِ… أَلاَ يُعْتَبَرُ هَذَا تَطَرُّفاً؟! وإِنْ لَمْ هَذَا تَطَرُّفاً فَكَيْفَ يَكُونُ التَّطَرُّفُ؟!
رَبَّنَا لاَ تُوَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا، >وَلاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ<.