خاطئ من يظن، أننا، أحرار في بلادنا نديرها كيف نشاء، ونتصرف فيها على الوجه الذي نريد، وبالفلسفة التي نحب أن نحيا عليها سياسة واقتصادا واجتماعا وأخلاقا، من وجهتنا الحضارية الخاصة -لكوننا مستقلين حسب ما يفهم من مصطلح “الاستقلال” وما يروج له- لسبب بسيط، هو أن الغرب غير مستعد لحد الآن للتخلي عن استكباره واستضعاف الآخرين.
هذا وإذا كان قد سلّم إلى حد ما بأن الحكم المباشر والإدارة المباشرة لهذه الشعوب، قد أضحت غير مجدية، لأسباب لا سبيل لذكرها هنا، فإنه في الوقت نفسه، ظل يتابع عن كتب تطورات هذه البلدان، ويتفنن في وضع البرامج والخطط والإستراتيجيات تحت ستار التحديث والتجديد، حتى لا تزيغ عن سكة الحضارة والتقدم، على حد زعمه، ولكن في منظورها الغربي. هادفا من وراء ذلك إلى تمديد سيطرته بتطوير آلياتها بحسب تغير الأزمان والعصور، فمرة بواسطة أحفاده في الداخل وأخرى عن طريق ممثليه : الخبراء، المؤسسات، ورؤوس الأموال (مساعدات أو قروض). ومعارضا بالتالي كل ما من شأنه أن يهدد مصالحه، ويغير من وضعه بشتى الأساليب والطرق : السياسية منها أو العسكرية إن اقتضى الحال.
والمتتبع للاحداث التي عرفتها جارتنا الجزائر، منذ تعليق المسار الانتخابي باقالة الشاذلي بنجديد يوم 11يناير1992 وتولية “المجلس الاعلى للدولة”، وماواكب ذلك من تطورات الى يومنا هذا. وماعرفته الايام الاخيرة من تدخل معلن لفرنسا في الشؤون الداخلية لهذا البلد باستفزازها للرعايا الجزائريين المقيمين بفرنسا من جهة، ومناصرة الفئة الفرنكوشيوعية في الداخل على جميع المستويات :المالية والعسكرية. ومحاولة الضغط على بعض الدول كالمانيا وابريطانيا للتضييق على الرعايا الجزائريين المتواجدين هناك، وبالاخص المشتبه في انتمائهم او تعاطفهم مع الجبهة الاسلامية للانقاذ من جهة اخرى، لَيؤكد مانذهب اليه لالشيء وانما لكون الشعب الجزائري اراد ان يكون حرا ومستقلا في اختيار من يمثله ويسوس اموره ويحافظ على كيانه وشخصيته الحضارية الاسلامية. تتمة…………….ص 2
ان ماشهدته الجزائر وماتشهده من تدمير لبنياتها الاقتصادية (تفجير المصانع وحرق المعامل، ونسف الطرقات والقناطر…)، ومن تصفية لعنصرها البشري (…) لهو ضرب في عمق كيان الشعب الجزائري وشخصيته، ويخدم بوعي منا اوبغير وعي اعداءنا واعداء المصالحة الوطنية، ويعمق من تبعية الجزائر الى الآخر وتذللها له والاستجابة ايضا لإملاءاته عليها.
وبتوالي الايام، يزداد العنف شراسة وقوة، وتقل حظوظ السيطرة على الوضع والهروب من نقطة اللاعودة، ان لم يتدارك، قبل فوات الأوان، من طرف المخلصين من أبناء الجزائر، الغيورين على وطنهم لحل الأزمة القائمة، عن طريق الحوار البناء والمجدي، لأن التزييف كما يقال : “لا يُحَسِّن وضعا ولا يُسْكت رشاشا”، والذي لا يستثني أي طرف من أطراف الصراع. خصوصا وأن عدد الأحزاب التي تؤمن بحتمية الحوار، في تزايد مستمر. وفشل الحل الأمني والحوار المغشوش الذي لوح به الجهاز الحاكم محاولة منه لإحداث شرخ بين الأحزاب الوطنية المناصرة للحوار والمصالحة الوطنية والجبهة الإسلامية للإنقاذ، وفيما بين “الإنقاذ” والأحزاب الإسلامية الأخرى المعبر عنها ب “المعتدلة”. وبما روجته من إنشقاقات وصراعات داخل الإنقاذ وبما نسبته لها من عمليات ابتداء : من حادثة المطار، الى اغتيال قاصدي مرباح، وحتى اختطاف الفرنسيين الثلاثة…قصد تشويه سمعتها، لكن بحمد الله آلت كلها إلى الفشل، بعدما تأكد للرأي العام الجزائري تورط جهاز المخابرات وجماعات مسلحة لا صلة لها بالجبهة الإسلامية للإنقاذ، في هذه الأحداث.
كما أن الجهات الخارجية بدورها بدأت تعلن بحياء كبير عن جدوى الحوار وحتميته خصوصا بعد أن أحست أن الأمور أشرفت على الإنفلات من يد الإنقلابيين، وأن الأوضاع تسير في غير ما ترغب فيه حفاظا على ماء وجهها وعلى مصالحها كذلك، والقبول بأخف الضررين : التعامل أولى من المقاطعة.
إن المتضرر الأول والأخير، هو الشعب الجزائري، والمسؤول الأول والأخير كذلك عن الوضع في الجزائر، هم الجزائريون أنفسهم، والحل لن يكون إلا بأيديهم، فالحوار الحوار، وفشله في هذه المرة كما قال عبد النور علي يحي >من شأنه أن يقود البلد إلى طريق وعر غير متحكم فيه.. وإلى كوارث مهولة لن يكون فيها غالب ولا مغلوب بل فقط الفوضى العارمة< .