الواقع العليل والوصف الجميل
حسن فانسي
تحاول النخب الحاكمة في المجتمعات العربية والاسلامية -لكي تبرر اختياراتها- إقناع شعوبها بأنها قدمت البلاد خطوات إلى الامام، معتمدة في ذلك على إبراز بعض المظاهر والاشكال التي توحي وكأن هناك تقدما فعليا، في حين أن التقييم السليم يجب أن يعتمد معايير ومقاييس سليمة، دون ايقاط أو تغاض عن أي مجال من مجالات الحياة، ومقارنة الاوضاع الداخلية بالاوضاع الخارجية.
ففي مجال الفلاحة لازالت أراضينا غير مستصلحة بالشكل المطلوب ويُعتمد في استثمارها على تقنيات متخلفة، مما يجعل المردودية ضعيفة، ويُلجئ البلاد الى استيراد بعض المواد الغذائية من اجل تعويض النقص الحاصل، في حين كان يلزم ان نكون نحن المصدرين نظرا لاعتمادنا الفلاحة بالدرجة الاولى، ووجود امكانيات ذاتية مهمة. اما الصناعة فليست باحسن حالا من الفلاحة خصوصا وانها تخضع لقانون الاسبقية والمنافسة القوية وتحتاج الى بنية تحتية ضخمة، فلا نجد اذن الا بعض الصناعات الخفيفة ذات الانتاجية الضعيفة والمردود الهزيل. هذا ما يضطر المستثمرين واليد العاملة الى المجال التجاري مما يؤدي الى تعدد الوسطاء في ايصال البضاعة من المنتج الى المستهلك فترتفع التكلفة وتهدر طاقات كان لزاما توظيفها واستثمارها في مجالات منتجة، كما تعاني التجارة الخارجية من العجز في ميزانها بسبب هزالة الصادرات من حيث القيمة، ومايزيد الطين بلة هو استئثار المواد الكمالية بحصة ضخمة من الواردات .
وفي الوقت الذي نجد الدول المتقدمة تجتهد في تطوير امكاناتها التقنية والاقتصادية، عبر التعاون والتنسيق والتكثل فيما بينها، مع الاحتفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية وخصوصياتها الثقافية. نجد في المقابل قيادات العالم العربي والاسلامي تتعامل مع التحديات القائمة بسلبية واضحة، وترجع التدهور الاقتصادي للكوارث الطبيعية ولضعف الرساميل، في حين نجد اغلب المشاريع الحكومية لاتنسجم مع ثقافة الشعوب ولاتستجيب لحاجياتها، وتختزل التكنولوجيا في الآلات المستوردة بينما التكنولوجيا الحقيقية هي كل المواد والآلات والمعارف والخبرات الاساسية التي تمكن من الابداع والخلق والابتكار والانطلاق الذاتي، دون اللجوء الى الآخر، الا في حالات التعاون المتكافئ.
اما التعاون والتكثل العربي والاسلامي، فلا نجد الا الزيارات والمؤتمرات دون جدوى او مفعول ايجابي.
ولاتجد بعض القيادات من غضاضة في تشويه هوية شعوبها الحضارية، او التعامل معها بانتهازية في احسن الاحوال، والانسحاق والسقوط في ذات الآخر وتبرير سيطرته والدفاع عن احقيته في المركزية(égocentrisme) والعالمية، حفاظا على مصالحها ومراكزها ولو كانت على شكل ارض مقابل ابتسامة ومصافحة في لقاء مشبوه او خياني.
فمهما يكن الوضع متازما، فان الشعوب المسلمة لازالت متشبثة بمراجعها الاصلية والعليا: الكتاب والسنة، مما يجعلها تومن ايمانا صادقا بان المستقبل بيدها فتعمل جادة في البحث عن كل السبل والوسائل المشروعة التي تمكنها في الارض وتفوز بالآخرة، فمن يلتزم ب”الكلمة”القوية الصادقة ويخلص لها، قادر على صناعة التاريخ والابتكار والخلق في عالم الاشياء لانه يوافق سنن الله الكونية والشرعية، وباختصار فان الكلمة الربانية هي اساس البناء الحضاري.