نصـوص الإعجـاز القرآنـي (11)


تُعنى هذه الزاوية بجمع ما تناثر من نصوص الإعجاز القرآني في غير مصادره المتخصصة، وما تناثر في هذه المصادر لكن لغير مؤلفيها، كما تُعنى بتصنيفها حسب تاريخ وفاة أصحابها، وذلك خدمة لمكتبة هذا العلم، وفتحا لآفاق جديدة للبحث فيه، ومحاولة لإقامة

(الموسوعة التاريخية لنصوص الإعجاز القرآني في التراث العربي).

 

(تتمة النص (2) من نصوص الطبري (ت310 هـ))

«واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(البقرة: 23)؛ فقال ابن عباس ما حدثنا به محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: [...] يعني: أعوانكم على ما أنتم عليه إن كنتم صادقين.

حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: [...]ناس يشهدون لكم.

حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد، قال: قوم يَشهدون لكم.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاح، عن ابن جريج، عن مجاهد: [...] قال: ناس يشهدون. قال ابن جريج: (شهداءكم) عليها إذا أتيتم بها أنها مثله مثل القرآن. وذلك قول الله لمن شك من الكفار فيما جاء به محمد .

وقوله: (وادعوا) يعني: استنصروا واستعينوا، كما قال الشاعر:

فلمّا التقتْ فُرسانُنا ورِجالُهُمْ

دَعَوا يا لَكَعْب واعْتَزَيْنا لِعامِرِ

يعني بقوله: دعوا يا لَكعب: استنصروا كعبا واستغاثوا بهم .

وأما الشهداء، فإنها جمع شهيد، كما الشركاء جمع شريك، والخطباء جمع خطيب. والشهيد يسمى به الشاهد على الشيء لغيره بما يحقق دعواه، وقد يُسمى به المشاهد للشيء، كما يقال: فلان جليس فلان، يعني به مُجالسه، ونديمه، يعني به منادمه، وكذلك يقال: شهيده يعني به مشاهده .

فإذا كانت الشهداء محتملة أن تكون جمع الشهيد الذي هو منصرف للمعنيين اللذين وصفتُ، فأولى وجهيه بتأويل الآية ما قاله ابن عباس، وهو أن يكون معناه: واستنصروا على أن تأتوا بسورة من مثله أعوانَكم وشهداءكم الذين يشاهدونكم ويعاونونكم على تكذيبكم الله ورسولَه، ويظاهرونكم على كفركم ونفاقكم، إن كنتم محقين في جحودكم أن ما جاءكم به محمد e اختلاق وافتراء؛ لتمتحنوا أنفسَكم وغيرَكم: هل تقدرون على أن تأتوا بسورة من مثله، فيقدر محمد على أن يأتيَ بجميعه من قبل نفسه اختلاقا؟

وأما ما قاله مجاهد وابن جريج في تأويل ذلك، فلا وجه له؛ لأن القوم كانوا على عهد رسول الله  أصنافا ثلاثة: أهل إيمان صحيح، وأهل كفر صحيح، وأهل نفاق بين ذلك:

فأهل الإيمان كانوا بالله وبرسوله مؤمنين، فكان من المحال أن يدّعي الكفار أن لهم شهداء -على حقيقة ما كانوا يأتون به، لو أتوا باختلاق من الرسالة، ثم ادعوا أنه للقرآن نظير- من المؤمنين.

فأما أهل النفاق والكفر، فلا شك أنهم لو دُعوا إلى تحقيق الباطل وإبطال الحق لسارعوا إليه مع كفرهم وضلالتهم، فمن أي الفِرَق كانت تكون شهداؤهم لو ادّعوا أنهم قد أتوا بسورة من مثل القرآن؟

ولكن ذلك كما قال جل ثناؤه: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا(الإسراء: 88) فأخبر جل ثناؤه في هذه الآية أن مثل القرآن لا يأتي به الجن والإنس ولو تظاهروا وتعاونوا على الإتيان به، وتحداهم بمعنى التوبيخ لهم في سورة البقرة، فقال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(البقرة: 23). يعني بذلك: إن كنتم في شك في صدق محمد  فيما جاءكم به من عندي أنه من عندي، فأتوا بسورة من مثله، وليستنْصِرْ بعضُكم بعضا على ذلك، إن كنتم صادقين في زعمِكم، حتى تعلَموا أنكم إذا عجَزتم عن ذلك، أنه لا يقدِر على أن يأتي به محمد  ولا من البشر أحد، ويصحّ عندكم أنه تنزيلي ووحيي إلى عبدي.

القول في تأويل قوله : فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا(البقرة: 24).

ويعني بقوله جل ثناؤه: فإن لم تفعلوا: إن لم تأتوا بسورة من مثله، وقد تظاهرتم أنتم وشركاؤكم عليه وأعوانكم، فتبيَّن لكم بامتحانكم واختباركم عجزُكم وعَجزُ جميع خلقي عنه، وعلمتم أنه من عندي، ثم أقمتم على التكذيب به.

وقوله: ولن تفعلوا، أي: ولن تأتوا بسورة من مثله أبدًا.

كما حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: فإن لم تفعلوا ولنْ تفعلوا، أي: لا تقدرون على ذلك ولا تطيقونه.

وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد، عن ابن عباس: فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا: فقد تبيَّنَ لكم الحق.

القول في تأويل قوله : فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ(البقرة: 24).

يعني جل ثناؤه بقوله: فَاتَّقُوا النَّارَ: فاتقوا أن تَصْلَوُا النار بتكذيبكم رسولي، بما جاءكم به من عندي أنه من وحيي وتنزيلي، بعدَ تبيُّنكم أنه كتابي ومن عندي، وقيام الحجة عليكم بأنه كلامي ووحيي، بعجزكم وعجز جميع خلقي عن أن يأتوا بمثله».

[تفسير الطبري، 1/399-403]

(3)

«القول في تأويل قوله جل ثناؤه: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا(النساء: 82).

قال أبو جعفر رحمه الله: يعني بقوله جلّ ثناؤه: أفَلا يَتَدَبّرُونَ القُرآنَ. أفلا يتدبر المبيِّتون غير الذي تقول لهم يا محمد، كتاب الله، فيَعْلَموا حجة الله عليهم في طاعتك واتباع أمرك، وأن الذي أتيتهم به من التنزيل من عند ربهم، لاتساق معانيه، وائتلاف أحكامه، وتأييد بعضه بعضا بالتصديق، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق، فإن ذلك لو كان من عند غَير الله لاختلفَت أحكامه، وتناقضَت معانيه، وأبان بعضُه عن فساد بعض».

[تفسير الطبري، 7/251]

د. الحسين زروق

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>