مراكز الدراسات والأبحاث.. ودورها في صناعة القرار السياسي


هناك 1828 مركزاً بحثياً في أمريكا و426 في الصين و287 في بريطانيا.

يوجد 3 أنواع لمراكز البحوث: حكومية ونصف حكومية ومستقلة.

في النموذج العلمي لمراكز البحوث تنحسر الفردية في اتخاذ القرارات ويحل محلها التفكير العلمي الجماعي.

من وسائل تأثير مراكز البحوث الأنشطة العلمية والحلقات البحثية ووسائل الإعلام والنشاط العام والنشر العلمي.

كلما زادت قيمة الفكرة زادت العناية بمراكز الأبحاث والدراسات لأنها منبع الأفكار ومستودعها

نظراً لما تمتلكه مراكز الدراسات والبحوث أو ما يطلق عليه مخازن التفكير (ThinkTanks) من معارف دقيقة ومتخصصة، فإنها تؤدي أدواراً  كبيرة في صنع السياسة العامة؛ لأن المعرفة المتخصصة التي تقدمها هذه المراكز من خلال الأنشطة العلمية المختلفة، تضاعف مستوى الوعي لدى صانع القرار والمؤسسات والأفراد، وتساعدهم على الربط بين الوقائع الميدانية وإطارها العلمي النظري، لذلك تهتم الدول الكبرى بإنشاء ودعم مراكز الأبحاث.

وحسب الإحصائيات في عام 2015م، فهناك 1828 مركزاً بحثياً في الولايات المتحدة الأمريكية، و426 في الصين، و287 في بريطانيا، تقوم هذه المراكز بإجراء تقييم شامل للسياسات السابقة بهدف معرفة جوانب القوى فيها لتعزيزها، وعلاج جوانب الضعف والقصور فيها، كما أنها تطرح آراء وأفكاراً جديدة وتقترح السياسات البديلة، وتدرس الآثار البعيدة المدى جراء اتخاذ سياسات معينة، سواء كانت هذه الآثار إيجابية أو سلبية(1).

والقرار السياسي هو كل قرار صادر عن شخص ذي صفة سياسية يمس شأناً من شؤون الدولة العامة، أو يتعلق باحتياجات أفرادها.

وفي هذا الصدد، يوجد أربعة نماذج لصناعة القرار، هي(2):

1 – النموذج الفردي: الذي يصدر فيه القرار عن قيادة فردية، ويمثلها النظم الدكتاتورية.

2 – النموذج الحزبي العقائدي: الذي تتجاهل فيه القيادة السياسية وأصحاب القرار السياسي المتغيرات المحلية والعالمية في مقابل التمسك بقوالب ثابتة في إصدار القرارات.

3 – النموذج البيروقراطي: ويعتمد فيه صانع القرار على مؤسسات بيروقراطية، وتحليلات وتفسيرات مشوهة، وبالتالي بدائل خاطئة وذلك بسبب رغبة قادة هذه المؤسسات البيروقراطية في إرضاء الرؤية الذاتية لصانع القرار -والمعروفة لديهم سلفاً- بقصد التقرب منه وانتزاع أكبر قدر من اختصاص الآخرين.

4 – النموذج العلمي: ويتبع فيه صانع القرار خطوات المنهج العلمي في بناء القرارات والبدائل من خلال كوادر علمية ومتخصصة في كافة المجالات والتخصصات التي تخص شأن القرار السياسي في الدولة.

وهذا النمط الأخير هو الذي تؤدي فيه مراكز البحوث والدراسات أدوراها البارزة وتظهر فيها نتائجها الملموسة؛ حيث تنحسر الفردية في اتخاذ القرارات ويحل محلها التفكير العلمي الجماعي الذي يتوافر في مراكز والبحوث والدراسات.

وبصفة عامة، فإن مراكز الدراسات والبحوث التي تختص بالجانب السياسي للدولة من خلال دراسات الأمن القومي والإستراتيجية الدولية والاقتصادية والعلاقات الدولية والمستقبلية.

ومن حيث التحديد المنهجي لعملية صنع القرار، فإنها تلك العملية التي تعنى بتحديد السلوك السياسي للدولة في المواقف المختلفة، كما أنها تحدد السلوك السياسي أو ردود الأفعال المنتظرة من الدول في المواقف الطارئة التي تواجهها، وتمر عملية صنع القرار في أي دولة بثلاث مراحل رئيسة، «وتتم فيها صناعة قرار ما»، هذه المراحل هي: مرحلة ما قبل القرار؛ وهي المرحلة الفكرية التي تمثل الإعداد الفكري والعلمي والمعرفي للقرار، ومرحلة ما بعد اتخاذ القرار؛ وهي المرحلة التنظيمية التي يتم فيها إعلان القرار، ومرحلة ما بعد القرار أو المرحلة السياسية.

وتقوم مراكز البحوث والدراسات فيما يتعلق بالمرحلة الفكرية (إعداد وتهيئة الدراسات والمعارف والمعلومات التي تقدم لصانع القرار) بعدد من الواجبات المعرفية والثقافية ذات الطبيعة السياسية، التي تمثل إدراك أهم المتغيرات التي تؤثر على بناء القرار وصناعته، وهذه المتغيرات هي(3):

1 – البيئة الخارجية: بكل أبعادها وحقائقها وضغوطها ومؤثراتها، وجوانب التداخل والتفاعل فيها.

2 – البيئة الداخلية للقرار، وتتكون من المتغيرات والأوضاع الاجتماعية السائدة، وكذلك الأوضاع الاقتصادية والسياسية الداخلية للدولة، وجماعات الضغط، والأحزاب، والإمكانات الذاتية للدولة، وحالة المجتمع ودرجة تماسكه.. إلخ.

3 – الضغوط التي تمارس بشأن اتخاذ القرار في موضوع ما، إذ بدون هذه الضغوط تنتفي الحاجة إلى اتخاذ القرار أصلاً.

4 – الهيكل التنظيمي للسياسة الخارجية للدولة التي تقوم باتخاذ القرار لا سيما فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية والشأن الدولي.

5 – القيم والمعتقدات التي تهيمن على منهجية تفكير واضع القرار واتجاهات نظام القيم لديه.

6 – كفاءة نظام المعلومات أو دقته، ومدى توافر الموضوعية والمهنية والسرعة في الحصول على المعلومات وتوفيرها لصانع القرار.

خطوات صنع القرار:

هذه المراكز تمارس دورها في التأثير على صناع القرار، أو صياغة السياسات العامة من خلال عدة أشكال أو وسائل بعضها مباشر وبعضها غير مباشر، بعضها يكون له تأثيره على المدى البعيد، وبعضها يكون تأثيره على المدى القصير، مثل(4):

1 – الأنشطة العلمية التفاعلية: (عقد المؤتمرات، الندوات ورش العمل حول قضايا تقع ضمن القرار السياسي سواء في الحاضر أو المستقبل).

2 – الحلقات البحثية أو اللقاءات المغلقة: وعادة تكون هذه الحلقات بين كبار المسؤولين أو صناع القرار مع فريق من الخبراء المكلفين بإعداد دراسات معينة تتعلق بقضايا بعينها أو إعداد سياسات عامة.

3 – وسائل الإعلام: من خلال اللقاءات التي تجريها وسائل الإعلام مع خبراء وعاملين في مراكز الدراسات والبحوث للاطلاع على آرائهم وتحليلهم العلمي للقضايا السياسية المختلفة.

4 – المشاركة في النشاط العام (مشاركة الخبراء في الأنشطة العامة عن طريق إلقاء محاضرات أو ندوات جامعية أو في الساحات الثقافية).

5 – النشر العلمي والمؤلفات العلمية والدوريات المتخصصة.

الكيان الصهيوني:

إن الفارق الواقع بين مكان ومكانة مراكز الأبحاث والدراسات العربية والصهيونية، ليس مرده إلى الإمكانات المادية أو البشرية، وإنما مرده إلى عاملين أساسيين:

الأول: طبيعة النظام الحاكم وطبيعة علاقات مؤسسات الدولة بصانع القرار.

والعامل الثاني: طبيعة النظر إلى «الفكرة» وقيمة «الأفكار» وعلاقتها بحركة المجتمع، وهي علاقة طردية في المكان أو المكانة لمراكز الأبحاث والدراسات في المجتمعات بصفة عامة، فكلما زادت قيمة «الفكرة» و«الأفكار» زادت العناية بمراكز الأبحاث والدراسات، لأنها منبع الأفكار ومستودعها، وبينما تعاني «الفكرة» و«الأفكار» في عالمنا العربي، وبعضها تراجع لمكانة مراكز الأبحاث والدراسات وبالتالي دورها في صياغة القرار السياسي –بصفة خاصة– ودورها في المجتمع بصفة عامة.

والمراقب يلاحظ تضاؤل الاهتمام بهذه المراكز في الواقع العربي ليس بسبب غياب الكفاءة العربية، أو الإعداد العلمي، وإنما يرجع إلى طبيعة النظم السياسية الحاكمة التي لا تولي «الفكرة» أو «العملية» قيمة في حركتها السياسية ونشاطها داخل الدولة أو خارجها.

إن الدور الذي اضطلعت به المراكز البحثية في الوطن العربي، مختلفٌ عمّا هو عليه الأمر في الغرب؛ وذلك بسبب المعيقات والمصاعب والتحديات التي تواجهها، ولأنّها لم تتبوّأ مكانها الحقيقي، ولم تمارس دورها الحيوي في المشاركة في صنع القرار أو في تقديم ما يلزم من مشورة ومن دراسات رصينة، وبدا دور معظمها «باهتاً» وغير فاعل في عملية التنمية المجتمعية بكافة أبعادها، ليس بسبب عجزها عن أداء هذا الدور؛ بل بسبب المعوّقات الكثيرة التي تحيط بها، وعدم تكليفها بهذه المهام بحكم طبيعة الحياة السياسية العربية وطبيعة أنظمتها وبُعدها عن العمل المؤسَّسي المعمول به في الولايات المتّحدة والغرب(5).

مشكلات مراكز الأبحاث والدراسات:

تعاني مراكز الأبحاث والدراسات في العالم العربي من مجموعة من الإشكالات، أهمها(6):

1 – ضعف ثقافة التأسيس المنهجي لدى الكثير من المسؤولين والإدارة العليا.

2 – الحذر المفرط من الانفتاح بسهولة على الأفكار الجديدة، القادمة من خارج محيط الإشراف والإدارة المباشرة للمسؤولين وصناع القرار.

3 – غياب وجود «قواعد بيانات عربية إلكترونية» تشكل مصدراً أساسياً لإعداد الدراسات والأبحاث العلمية.

4 – ضعف الشراكة التفاعلية بين مراكز الأبحاث والدراسات الخاصة والمستقلة مع مختلف القطاعات الحكومية، بما فيها المؤسسة السياسية.

5 – ضعف الإمكانيات والقدرات التسويقية للإنتاج المعرفي والنشر العلمي الذي يصدر عن بعض مراكز الأبحاث والدراسات العربية.

6 – ارتباط مراكز الأبحاث والدراسات بوظائف غير علمية، كأن تكون «غطاء للعمل السياسي» من قبل بعض صناع القرار، أو كمؤسسات وظيفتها التبرير للسلطة قراراتها السياسية.

وبينما تتراجع وظائف مراكز الأبحاث والدراسات فيما يتعلق بصناعة القرار السياسي العربي، نجد أن هذه المراكز تزدهر في أداء تلك الوظيفة لدى الكيان الصهيوني، وتعتبر من أهم روافد صناعة القرار السياسي لديه، ففي دراسة بعنوان «عقل العدو» أشارت إلى عشرات المراكز التي تردف صانع القرار بالمعلومات والآراء والأفكار بما يفيد في صناعة التوجهات الخاصة بالدولة وتحديد مواقفها السياسية الخارجية والداخلية في ضوء نتائج بحوث ودراسات هذه المراكز.

وصنفت الدراسة هذه المراكز في أربعة اتجاهات بحثية أساسية، هي(7):

1 – مراكز تعنى بالشؤون الداخلية لدولة الاحتلال «الإسرائيلي»، مثل: «المعهد الإسرائيلي للديمقراطية»، «مركز طاوب»، مركز «غوطمان» للاستطلاعات، مركز «أدفاه»، معهد «فلورسهايمر»، «مركز الأبحاث والمعلومات» التابع لـ«الكنيست».

2 – مراكز تعنى بالأمن الإستراتيجي للعدو «الإسرائيلي»، مثل «معهد السياسات الإستراتيجية هرتسليا»، «معهد دراسات الأمن القومي» (جامعة حيفا)، «معهد أبحاث الأمن القومي»، «معهد الإستراتيجية الصهيونية».

3 – مراكز تعنى بمجتمع الاحتلال «الإسرائيلي» والفلسطينيين داخل دولة الاحتلال، مثل: معهد «فان لير» في القدس، «المركز اليهودي العربي» (جامعة حيفا)، مركز «جفعات حبيبة».

4 – مراكز تعنى بدراسة دولة الاحتلال والشرق الأوسط وأفريقيا، مثل مركز «موشيه ديان»، «مركز القدس لدراسات إسرائيل»، ومركز «شاليم»، «مركز القدس للشؤون العامة»، مركز «طرومان».

وقد بلغت نسبة إنفاق الاحتلال الصهيوني على مراكز الأبحاث 4.3% من إجمالي ناتجه المحلي وهو ما يفوق الدول العربية مجتمعة(8).

د. حسان عبد الله حسان

————————–

1 – سامي الخزندار – طارق الأسعد، مجلة دفاتر السياسة والقانون، عمان، العدد 6، 2012.

2 – انظر: حول مضمون ومفهوم القرار السياسي http://www.alanba.com.kw/ar/kuwait- news/706065/14-12-2016:

3 – أنس حسن حميد: «دور المراكز البحثية في صنع القرار السياسي: الولايات المتحدة الأمريكية نموذجاً»، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، 2015، ص12، العدد 50، نقلاً عن: مازن إسماعيل الرمضاني: في عملية اتخاذ القرار السياسي الخارجي.

4 – سامي الخزندار – طارق الأسعد، مجلة دفاتر السياسة والقانون، عمان، العدد 6، 2012.

5 – انظر: المصانع المفقودة.. مراكز الفكر العربية ودورها في صناعة القرار، المركز الوطني لدعم القرار. http://www.npdc.gov.ly/index.php?option=com_content&view=article&id=9185:2017-11-06-08-08-25&catid=9:2015-01-29-10-08-52&Itemid=116

6 – سامى الخزندار، طارق الأسعد، مرجع سابق.

7 -  محمد عيد: عقل العدو.. دور مراكز الدراسات الإستراتيجية في عملية اتخاذ القرار «الإسرائيلي»، مركز البديل للتخطيط والدراسات الإستراتيجية.   http://pss.elbadil.com/2016/10/18/

8 – انظر: العالم يتجه لزيادة ميزانيات البحث العلمي.. والعرب ينفقون على رواتب الموظفين.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>