نصـوص الإعجـاز القرآنـي (8)


تُعنى هذه الزاوية بجمع ما تناثر من نصوص الإعجاز القرآني في غير مصادره المتخصصة، وما تناثر في هذه المصادر لكن لغير مؤلفيها، كما تُعنى بتصنيفها حسب تاريخ وفاة أصحابها، وذلك خدمة لمكتبة هذا العلم، وفتحا لآفاق جديدة للبحث فيه، ومحاولة لإقامة

(الموسوعة التاريخية لنصوص الإعجاز القرآني في التراث العربي).

(تتمة نصوص ابن قتيبة (ت276 هـ))

 (5)

«وألفاظ العرب مبنية على ثمانية وعشرين حرفا…

ولها الإعراب الذي جعله الله وشيا لكلامها، وحِلْية لنظامها، وفارقا في بعض الأحوال بين الكلامين المتكافئين، والمعنيين المختلفين…

وقد يُفرِّقون بحركة البناء في الحرف الواحد بين المعنيين، فيقولون: رجل لُعْنة، إذا كان يلعنه الناس، فإن كان هو الذي يَلعن الناس، قالوا: رجل لُعَنة…

وقد يُفرقون بين المعنيين المتقاربين بتغيير حرف في الكلمة، حتى يكون تقارب ما بين اللفظين كتقارب ما بين المعنيين، كقولهم للماء الملح الذي لا يُشرب إلا عند الضرورة: شروب، ولما كان دونه مما قد يتجوّز به: شريب…

وقد يكتنف الشيء معان فيُشتقّ لكل معنى منها اسم من اسم ذلك الشيء، كاشتقاقهم من البطن للخميص: مبطّن، وللعظيم البطن إذا كان خلقة: بطين، فإذا كان من كثرة الأكل قيل: مبطان…

وللعرب الشّعر الذي أقامه اللّه تعالى لها مقام الكتاب لغيرها، وجعله لعلومها مستودعا، ولآدابها حافظا، ولأنسابها مقيّدا، ولأخبارها ديوانا لا يرثّ على الدّهر، ولا يبيد على مرّ الزّمان.

وحرسه بالوزن، والقوافي، وحسن النّظم، وجودة التخيير، من التدليس والتّغيير…

وللعرب المجازات في الكلام، ومعناها: طرق القول ومآخذه. ففيها الاستعارة،

والتمثيل، والقلب، والتقديم، والتأخير، والحذف، والتكرار، والإخفاء، والإظهار، والتعريض، والإفصاح، والكناية، والإيضاح…

وبكل هذه المذاهب نزل القرآن، ولذلك لا يَقدر أحد من التراجم على أن ينقله إلى شيء من الألسنة، كما نُقل الإنجيل عن السّريانية إلى الحبشيّة والرّومية، وتُرجمت التوراة والزبور، وسائر كتب اللّه تعالى بالعربية؛ لأن العجم لم تتّسع في المجاز اتّساع العرب.

ألا ترى أنك لو أردتَ أن تنقل قوله تعالى: وإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ (الأنفال: 58)لم تستطع أن تأتي بهذه الألفاظ مؤدية عن المعنى الذي أُودِعَته حتى تَبسط مجموعها، وتَصل مقطوعها، وتُظهر مستورها، فتقول: إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد، فخِفتَ منهم خيانة ونقضا، فأعْلِمهم أنكَ قد نقضتَ ما شرطتَ لهم، وآذِنهم بالحرب، لتكون أنتَ وهُم في العِلم بالنّقض على استواء.

وكذلك قوله تعالى: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (الكهف: 11) إن أردت أن تَنقله بلفظه لم يَفهمه المنقول إليه، فإن قلتَ: أنمناهم سنين عددا، لكنتَ مترجما للمعنى دون اللفظ.

وكذلك قوله تعالى: والَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وعُمْياناً (الفرقان: 73) إن ترجمته بمثل لفظه استغلق، وإن قلتَ: لم يتغافلوا أدّيت المعنى بلفظ آخر».

[تأويل مشكل القرآن، ص: 14-22]

 (6)

«وقد اعترض كتابَ الله بالطعن ملحدون ولغوا فيه وهجروا، واتبعوا مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ (آل عمران: 7) بأفهام كليلة، وأبصار عليلة، ونظر مدخول، فحرّفوا الكلام عن مواضعه، وعدلوه عن سبله، ثم قضوا عليه بالتّناقض، والاستحالة، واللّحن، وفساد النّظم، والاختلاف، وأدلوا في ذلك بعِلل ربما أمالت الضّعيفَ الغمر، والحدث الغرّ، واعترضت بالشبه في القلوب، وقدحت بالشكوك في الصدور.

ولو كان ما نحلوا إليه على تقريرهم وتأوّلهم لسبق إلى الطعن به من لم يزل رسول اللّه، ، يحتجّ عليه بالقرآن، ويجعله العلم لنبوّته، والدليل على صدقه، ويتحداه في موطن بعد موطن، على أن يأتي بسورة من مثله، وهم الفصحاء والبلغاء، والخطباء والشعراء، والمخصوصون من بين جميع الأنام بالألسنة الحداد، واللّدد في الخصام، مع اللّب والنّهى، وأصالة الرّأي، وقد وصفهم اللّه بذلك في غير موضع من الكتاب، وكانوا مرّة يقولون: هو سحر، ومرة يقولون: هو قول الكهنة، ومرة: أساطير الأولين.

ولم يحْك اللّه تعالى عنهم، ولا بلغنا في شيء من الروايات أنهم جدبوه(1) من الجهة التي جدبه منها الطاعنون».

[تأويل مشكل القرآن، ص: 22-23]

أبو محمد سهل بن عبد الله التستري (ت283هـ)

(1)

«قوله: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ (الحجرات: 7) قال: أي استخلص قلوبكم عطفا منه في عبادته بالإخلاص فيها… ولن يقدر العبد على تأدية حقه إلا بعطفه بالمعونة عليه بأسباب الإيمان، وهي الحجج القاطعة والآيات المعجزة».

[تفسير التستري، 1/149]

أبو العباس محمد بن يزيد المبرد (ت285هـ)

(1)

«قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاه (هود: 13)، بل يقولون اختلقه، قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ(هود: 13). فإن قيل: قد قال في سورة يونس: فاتوا بسورة مثله (يونس: 38)، وقد عجزوا عنه فكيف قال: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ، فهو كرجل يقول لآخر: أعطني درهما فيعجز، فيقول: أعطني عشرة؟

الجواب: قد قيل سورة هود نزلت أولا.

وأنكر المبرد هذا، وقال: بل نزلت سورة يونس أولا، وقال: معنى قوله في سورة يونس: فاتوا بسورة مثله، أي: مثله في الخبر عن الغيب والأحكام والوعد والوعيد، فعجزوا، فقال لهم في سورة هود: إن عجزتم عن الإتيان بسورة مثله في الأخبار والأحكام والوعد والوعيد فأتوا بعشر سور مثله من غير خبر ولا وعد ولا وعيد، وإنما هي مجرّد البلاغة».

[تفسير البغوي، 2/442]

 أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي (ت303هـ)

 (1)

«وذكر شيخنا أبو علي أنه يبعد في مَن يعلم الأشياء بعِلمه، ويحتاج فيما يأتيه من تأليف كتاب وغيره، إلى استحضار العلوم، أن ينتفي مِن كلامه الطويل وتأليفه الكثير المناقضة، حتى يستمر على طريقة الصحة، وهذا بيّن من حال الناس في كلامهم، وإن اشتد منهم التوقي، حتى عُدّت سقطات أهل الفضل والحزم فيما كانوا يتعملون فيه للتحرز الشديد، وبيّن بذلك أن القرآن لا يجوز أن يكون إلا من قبل الله تعالى».

[المغني في أبواب العدل والتوحيد، 16/328]

د. الحسين زروق

——————————–

1 – جدبه: عابه وذمه.

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>