لآلئ وأصداف – اجلس بنا نؤمن ساعة


لقي عبد الله بن رواحة رجلا فقال له: اجلس بنا نؤمن ساعة، فجاء الرجل الرسول شاكيا فقال: يا رسول الله؛ ألا ترى إلى عبد الله بن رواحة؛ يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة؟ فقال : «يرحم الله عبد الله بن رواحة؛ إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة». فما تلك المجالس؟ إنها تلك التي ذكرها الرسول في حديث آخر فقال: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا غشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده». أو كما قال . «يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم»؛ ذلكم هو مربط الفرس. وشهر رمضان المبارك ما بورك ولا عظم إلا لكونه الوعاء الذي استوعب القرآن الكريم زمنا: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس (البقرة: 185). وعندما يقبل رمضان على الناس يشرعون في التذكير بأبواب الخير؛ ومنها تلاوة القرآن الكريم. فهذا يجعل شعاره: إقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا»؛ وهذا يذكر بالحديث الشريف؛ «لا أقول ألم حرف؛ ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف».
وهكذا ترى بعضهم يتبارى ويتباهى بعدد ختمات القرآن الكريم التي ختمها، وهذا من الخير الذي لا ريب فيه؛ إلا أن قراء القرآن يتفاوتون؛ فمنهم من يقرؤه وهو من المهرة؛ فهو مع الكرام البررة؛ ومنهم من يقرؤه وهو عليه شاق؛ أو يتعتع فيه؛ فله أجران؛ ومنهم من يقرؤه؛ وهو لا يتجاوز ترقوته؛ ومن الناس من يقرأ القرآن والقرآن يلعنه؛ وحديث الأترجة يفصل بعض ذلك. ونص العلماء من قديم على آداب تلاوة القرآن؛ وكان النبي يقرأ القرآن على كل حالاته إلا أن يكون جنبا.
ثم إن الصحابة رضي الله عنهم؛ وهم أمثل الخلق؛ كانوا بمواقفهم يعلمون الناس كيف تكون قراءة القرآن، وكانوا يستوعبون أمر الباري تعالى بتدبر القرآن: أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها (محمد: 24)، أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (النساء: 82). ومعروف حديث الصحابي : «كنا لا نتجاوز الآية من القرآن حتى نتعلمها ونتعلم العمل بها». ها نحن بهذا إلى الحديث الشريف الذي ذكرناه آنفا؛ والمتضمن أمرين هما: تلاوة القرآن، ومدارسته؛ كما يتضمن حديث الصحابي ثلاثة أمور وهي: تلاوة الآية؛ ثم تعلمها؛ أي تدبرها؛ ثم العمل بها. هكذا إذن أن نرى أن قراءة القرآن خير؛ وأن مدارسة القرآن الكريم أعلى درجة وأفضل منزلة؛ لأن مدارسة القرآن تفضي إلى العلم؛ حاق العلم؛ وأن العلم بالقرآن يؤدي إلى العمل بالقرآن. وإذا كنا نؤمن أنه لا عزة لأمتنا؛ ولا مخرج لها مما هي فيه إلا بالعمل بالقرآن؛ فإن من العجز البين أن نطالب أولي الأمر بتطبيق القرآن ونحن لا نفقه شيئا من القرآن، ولا نطبق القرآن في أنفسنا ولا في أهلينا؛ ولا نجتهد في تطبيق القرآن في محيطها. إن أول الغيث قطر؛ وإن أول الطريق خطوة؛ وإن السبيل إلى حياة القرآن فينا وفي مجتمعنا أن نبدأ بمن نعول فنقول: اجلس بنا نؤمن ساعة.

يلتقطها د. الحسن الأمراني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>