صَدَمني تقرير صدر مؤخراً عن هيآت معتمدة، وتداولته وسائل إعلام عديدة في موضوع نسبة القراءة في العالم، وبيّن أن نسبة القراءة في العالم العربي لا تتجاوز 6 دقائق في السنة، نعم ست دقائق في السنة للفرد الواحد، بعد أن كانت ثماني دقائق قبل حوالي سنتين، وهذا في مقابل 200 ساعة للفرد الأوروبي.
قد يشكك المرء في هذه النسبة، ويتساءل عن مدى مصداقيتها، وكيف أنها يمكن أن تتبع القاصي والداني من القارئين، وأن تأخذ بعين الاعتبار ما في أيدي الناس من الكتب القديمة أو المستعملة أو المنسوخة ونحو ذلك، لكن الذي يقال عن هؤلاء يقال عن أولئك فالمعايير التي تؤخذ بعين الاعتبار في مقاييس القراءة بكل اللغات هي هي.
وحتى لو تركنا إحصاءات الأمم المتحدة وتقديراتها، فإن الذي يلاحظ “بالعين المجردة” كافٍ للدلالة عن مدى التخلف في القراءة بشكلمهول، لننظر إلى الأحوال والوقائع التالية :
- حينما تمتطي قطاراً أو حافلة عندنا، أو هناك عندهم في الغرب، لا تحتاج إلى من ينبهك إلى ظاهرة القراءة عندهم، وخلوها عندنا، عندهم كل الناس يمسكون بكتاب أو مجلة أو بجريدة أو بحاسوب أو بقلم، ونادراً ما ترى فرداً خلواً من ذلك، أما عندنا فالنادر هو الإمساك بكتابٍ أو مجلة أو جريدة، والغالب هو الاشتغال بأمور أخرى.
- حينما تمر بأبواب الثانويات، والإعداديات، ولم لا حتى الجامعات أنظر من يمسك بالكتاب أو الدفتر، استعداداً للدرس المقبل، أو مراجعة للدرس الفائت، أكيد أنك لن تجد أي واحد، الكل منشغل بأمورٍ أخرى، لا علاقة لها بالقراءة والتعلُّم.
- حينما تتبع إحصاءات دور النشر في بلادنا، نجد العدد -وإن علا- دائما بالآلاف حيث يدور في الغاب حول بضعة آلاف، ونادراً ما يكون بعشرات الآلاف، أما عندهم فهو بالملايين حتى إن ثروة الرئيس الأمريكيالحالي التي تقدر ما بين 2 مليون و7 ملايين دولار، حصل عليها من حقوق تأليفه لكتابين وذلك قبل أن يتولى منصب رئيس الولايات المتحدة.
قد يقال إننا شعوب اجتماعية بالفطرة، يميل بعضنا إلى بعض في التجمعات واللقاءات، فنتبادل أطراف الحديث ويُشغلنا ذلك عن القراءة، على عكس المجتمعات الغربية التي أفسدت طباعها سلبيات الحضارة، لذلك لا يجدون مُتعتهم إلا في القراءة، وقد يقال أيضا إن نِسْبة الفقر والأمية تعمل عمَلها؛ حيث إنه في العالم العربي ما زالت المؤسسات الرسمية والمدنية تبذل جهوداً مضنية من أجل محو الأمية ومحاربة الهشاشة، بينما المجتمعات الغربية تجاوزت ذلك بكثير… إلى غير ذلك من العوامل.. وهذا كله صحيح لكنها ليست عوامل حاسمة في أن تقلب المعادلة بشكل كامل من 6 دقائق إلى 200 ساعة.
إنها مسألة ثقافية كما يقال، ومسألة تربوية في كل الأحوال وفي تقديري أن الإعلام بما يقدم فيه، والبرامج التربوية والتعليمية، كل ذلك يُسهم بشكل كبير في جعل أبناء لغة الضاد وأبناء أمة “اقرأ” لا تقرأ.
لقد كان ينبغي أن تتصدر هذه الأمة الأمم جميعاً في القراءة كما وكيفا، لكنها للأسف تأتي في آخر المطاف، ولله في خلقه شؤون.
د. عبد الرحيم بلحاج