نـحـن والتـلـفـزيـون فـي رمضـان


ماذا يعد إعلامنا للأمة في رمضان؟
إن الإعلام ليقود المجتمعات كما يقود الرجل دابته من خطامها، فيغير معتقداتها، ويشكل ثقافتها، ويبني فكرها كما يشاء .. فينسيها هويتها، كل ذلك في غفلة منها، إذ يخدر منها العيون والآذان، حتى إذا فقدت الإحساس بما يمر عبرها، أجرى لها عملية جراحية على مستوى القلب، فيغير فيها البنية وما يصدر عنها.
ومن يطالع سيل المنتجات التلفزيونية التي يستعدُّ بها إعلامنا لرمضان، يقف على مدى خطورة الأمر، ويشعر بالخزي والعار تجاه هؤلاء القوم وما يبيتون، فحيثما وجد العداء للدين فثمة التلفزيون، وحيث ما وجد العداء للغة العربية فثمة التلفزيون، وحيث ما وجدت رغبة إقبار الحياء والحشمة فثمة التلفزيون وجنده!! والله المستعان.
لا ريب أن هؤلاء لم يعد لرمضان عندهم حرمة، فإلى عهد قريب كان الإعلام يولي شيئا من الاحترام والتقدير لهذا الشهر الفضيل، إذ كان يعرض أفلاما تاريخية، وتجد معها شيئا من الوطنية، وتجد معها لغة عربية، وشيئا من القيم، ويتم إيقاف ما يخدش الحياء وما لا ينسجم مع شهر العبادة، فيه على الأقل، ليستمر بثه بعده، أما اليوم فهي المجاهرة ثم المجاهرة، يسرق منك وقتك، وحياتك، ويعبث بقيمك ومبادئك على ضوء من الشمس، ومن حيث لا تشعر. فليتنا نعظم شعائر الله على الأقل كما يعظم أهل الباطل شعائرهم متدينين وغير متدينين.
لماذا تدير أمي التلفاز في رمضان إلى الحائط ولا تشغله؟
وهنا سأفسح المجال للدكتور مصطفى محمود ليكشف لنا عن السر، قال متسائلا رحمه الله (1):» لماذا يتحول رمضان إلى شهر ترفيهي بدلا من شهر روحاني ؟ لست شيخا ولا داعية ، ولكني أفهم الآن لماذا كانت والدتي تدير التلفاز ليواجه الحائط طوال شهر رمضان … كنت طفلا صغيرا ناقما على أمي التي منعتني وإخوتي من مشاهدة فوازير بينما يتابعها كل أصدقائي .. ولم يشف غليلي إجابة والدتي المقتضبة “رمضان شهر عبادة مش فوازير!” لم أكن أفهم منطق أمي الذي كنت كطفل أعتبره تشددا في الدين لا فائدة منه .. فكيف ستؤثر مشاهدة طفل صغير لفوازير على شهر رمضان؟
لماذا تضع أقفالا على ثلاجة الخمور يوم الكريسماس؟
يقول الدكتور مصطفى محمود: «مرت السنوات وأخذتني دوامة الحياة وغطى ضجيج معارك الدراسة والعمل على همسة سؤالي الطفولي حتى أراد الله أن تأتيني الإجابة على هذا السؤال من رجل مسن غير متعلم في الركن الآخر من الكرة الأرضية، كان ذلك الرجل هو عامل أمريكي في محطة بنزين اعتدت دخولها لشراء قهوة أثناء ملء السيارة بالوقود في طريق عملي، وفي اليوم الذي يسبق يوم «الكريسماس» دخلت لشراء القهوة كعادتي فإذا بي أجد ذلك الرجل منهمكا في وضع أقفال على ثلاجة الخمور، وعندما عاد للـ (كاشير) لمحاسبتي على القهوة سألته وكنت حديث عهد بقوانين أمريكا :”لماذا تضع أقفالا على هذه الثلاجة؟؟” فأجابني: “هذه ثلاجة الخمور وقوانين الولاية تمنع بيع الخمور في ليلة ويوم الكريسماس يوم ميلاد المسيح”، نظرت إليه مندهشا قائلا : «أليست أمريكا دولة علمانية .. لماذا تتدخل الدولة في شيء مثل ذلك؟ قال الرجل :”الاحترام.. يجب على الجميع احترام ميلاد المسيح وعدم شرب الخمر في ذلك اليوم حتى وإن لم تكن متدينا .. إذا فقد المجتمع الاحترام فقدنا كل شيء”(2).
إنه أيها الأحبة يتحدث عن الفوازير، وعن موقف والدته من الفوازير .. فكيف لو رأى ما يعرضه علينا التلفزيون هذه الأيام في رمضان وفي غير رمضان ؟؟؟ وتأملوا كذلك كلام العامل الأمريكي.. إنه يؤكد أن هناك إرادة عليا، وهناك قوانين تقضي باحترام الكريسماس، بل وتفرضه حتى على غير المتدينين، فأين نحن منهم ؟؟؟
ثم يقول بعدها رحمه عن الاحترام: «الاحترام … الاحترام .. ظلت هذه الكلمة تدور في عقلي لأيام وأيام بعد هذه الليلة… فالخمر غير محرم عند كثير من المذاهب المسيحية في أمريكا .. ولكن المسألة ليست مسألة حلال أو حرام.. إنها مسألة احترام… فهم ينظرون للكريسماس كضيف يزورهم كل سنة ليذكرهم بميلاد المسيح عليه السلام.. وليس من الاحترام السكر في معية ذلك الضيف … فلتسكر ولتعربد في يوم آخر إذا كان ذلك أسلوب حياتك … أنت حر … ولكن في هذا اليوم سيحترم الجميع هذا الضيف وستضع الدولة قانونا !» (3).
كيف تحترم رمضان وتعظم شعائر الله؟
هذا ما نفتقده أيها الأحبة، القوانين وإرادة الإصلاح العليا، واحترام حرمة رمضان كاحترام الأمريكان للكريسماس، ونحن متيقنون أن مجتمعنا (كبارا وصغارا) يراد له أن يعيش دائما بعقلية مصطفى محمود «الطفل»، وأن ينظر إلى أهل العلم والنصح فيه، نظرة مصطفى محمود» الطفل» إلى أمه، فلا مكان فيه لأمثال مصطفى محمود «المثقف والدكتور الداعية»، ولا لأمثال أمه الشيخة الواعية، ولكن إلى متى نعيش الاستلاب في بطن التلفزيون ؟؟؟
إن المسلم ليعظم شعائر الله {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}(الحج : 32) وفي رمضان من باب الأولى، وإنه ليعظم الوقت، ويعلم علم اليقين أنه مسؤول عنه، وأن رمضان آكد الأوقات وفرصة الفرص.. فلنستنقذ أنفسنا من التلفزيون الذي يبتلعنا وأهلنا في رمضان وفي غير رمضان، يقول الدكتور فريد الأنصاري رحمه(4) واضعا يده على الداء مشيرا إلى الدواء : «حذار.. حذار من غفلة الإعلام التي تستغفل المسلمين في رمضان، الناس مع الأسف يبتلعهم التلفزيون في ليالي رمضان وهذه كارثة، كارثة لأن الوقت الذي أعطي لك واحد، [فليس لك في كل ليلة ليلتين، ليلة تتفرج فيها على التلفزيون وليلة تتدارس فيها القرآن مع أسرتك، وأبنائك وزوجتك] (5)، لك فرصة واحدة فلا يعش التلفزيون مكانك، لأن [التلفزيون يعيش حياتنا، هو يتكلم ونحن نشاهد]… [إنه] (6) يبتلعنا.. [ولذلك أعط التلفزة وقتا] آخر لما فيها من خير، أما شرها فلا يصلح لا لرمضان ولا لغيره، وتفرغ .. تفرغ في رمضان لله، [يجب أن يشتغل لسانك أنت، لا أن يشتغل التلفزيون مكانك]، ماذا صنعت أنت ؟ أنت مطلوب منك أن يشتغل لسانك بذكر الله، وتشتغل رجلك ويدك، وبدنك كله بالإقبال على الله، [أرأيت حينما تكون جالسا، في غير قيام الليل والتراويح، يعني في جلسة متربع الرجلين، في حلقة مع زوجتك وأبنائك تتدارسون كتاب الله عز وجل، وتذكرون الله تعالى من خلال كتابه، إن جسمك حينها يشتغل كله.. لأن جهازك العصبي، ودماغك ما داما في تركيز مع كتاب الله تعالى، والقلب منفتح على القرآن الكريم، وإن كنت جالسا فيداك تشتغلان، ورجلاك، وأذناك]، كل شيء فيك اشتغل بالله .. [وإلا فإن] (7) التلفزيون يبتلعك تماما، [ ولا يبقي منك شعرة واحدة حية].. [إنه] (8) يقتلك، وهذا نعيشه في أنفسنا [عندما يكون التلفزيون في الدار مشغلا] .. كأن الأسرة على رؤوسها الطير،[ فلا أحد يتحرك].. خشوع تام.. مع الأسف .. ولا كخشوع كثير من الناس في الصلاة «.
نعم أيها الأحبة إنه يبتلعنا، ويسرق منا أوقاتنا وحياتنا، ويجعلنا نقف بين يديه مشلولي الحركة، لا نشغل فكرا، ولا نحرك إحساسا، وهذه إشارات من هؤلاء الفضلاء الذين اشتعلت مواجديهم حبا وغيرة على هذا الدين، وهي دعوة للخروج من غفلة مقيتة، فهل من آذان صاغية، وهل من قلوب واعية ؟؟
استنقذ نفسك من التلفزيون في رمضان وفي غيره.
< عظم رمضان فإن تعظيمه من تقوى القلوب.
< أدر تلفزيونك -على طريقتك- إلى الحائط، وأقنع أولادك.
< تفرغ في رمضان لله تعالى وأقبل عليه بكلك.
< اِملأ وقتك بالاستغفار والطاعات.
< اعقد لنفسك ولأهلك مجالس لمدارسة القرآن وسنة رسول الله [ والوقوف على الهدى الذي تضمناه ودُعينا لتدبره والكشف عنه والعمل به والدعوة إليه. والله من وراء القصد.
ذ. ميلود الخطاب
——-
1 – وقد نقلت كلامه على طوله لترابطه ولما فيه من الفائدة .
2 – مقالة بعنوان: ( لماذا لا يحترم الإعلام العربي رمضان ؟) .
3 – نفس المقالة .
4 – في كلمة له حول (رمضان والتلفزيون) في إحدى الخطب، وهي مصورة بالصوت والصورة، عملت على تفريغها لما فيها من النفع.
5 – كل ما بين المعقوفتين تصرفت فيه لأنه في الأصل بالدارجة المغربية لا بالفصحى.
6 – أضيف لتمام المعنى .
7 – أضيف لتمام المعنى .
8 – أضيف لتمام المعنى .

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>