كلمة الدكتور طلال أبو النور – المشرف على مشروع تعظيم البلد الحرام بمكة المكرمة


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله :
من إدراكات معاني القرآن العظيم المقررة لمكانة السيرة النبوية أن الله سبحانه وتعالى أعلن للناس ضمانة مضمونها أن متبع هدى الله سبحانه لا يكون ضالا في الدنيا ولا يكون شقيا في الأخرى قال الله سبحانه فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ضمانة احتوت خيري الدنيا والآخرة، والله سبحانه بيَّن المراد بهداه، فأخبر عن أشياء ثلاثة وصفها بأنها هدى للناس.
أولها : كتاب الله تعالى القرآن العظيم قال الله سبحانه: ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين وقال إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم والهداية التي في القرآن هي الأصل لما بعدها والدلالة في قوله سبحانه لرسوله وإن كنت من قبله لمن الضالين أي من قبل القرآن. فأودع الله سبحانه في القرآن جميع الأشفية والأدوية التي يصح بها الانسان وتصح بها الانسانية ما بقيت الأرض ومن عليها.
الثاني : رسول الله محمد قال الله تعالى وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم . الاصطفاء والاجتباء سبب رئيس لإدخاله في هذه الثلاثية المباركة قال الله سبحانه والله أعلم حيث يجعل رسالته ثم وضوح التكليف يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ثم وضوح المنهاج الذي يسير عليه قل إن أتبع إلا ما يوحى إلي من ربي ثم وضوح الغاية والمقصد فاعبد ربك حتى يأتيك اليقين ولا ثمرة في تكليف الأمة بمثل قوله : «أكتب فوالذي بعثني بالحق ما يخرج من هذا إلا الحق». وقوله «صلوا كما رأيتموني أصلي» وقوله «خذوا عني مناسككم» ودرة هذا الباب قول الحق سبحانه قل أطيعوا الله والرسول محرض على جمع نص السيرة النبوية. إن العناية الربانية ارتقت بالحياة النبوية لتكون النموذج المثال للناس قامت به الحجة عليهم وبه تقوم الحجة إلى يوم القيامة. وهذا دافع لعرض السيرة بعد جمعها.
تطبيقات ثلاث للأمة الخاضعة لأمر الله عز وجل بطاعة رسول الله :
أ- أن تجعل النموذج المثال المعصوم المعيار لتحديد المقبول من المردود من تجربة الأمة عبر تاريخها. وهو واجب كل عصر نحو ما قبله.
ب- أن تجعل النموذج المثال المعصوم المعيار لتشخيص كل واقع لها. ومن عاير بغيره أقول له وماء البحر المالح الأجاج لا يزيد الشارب إلا عطشا.
ج – أن تجعل النموذج المثال المعصوم هو الأفق الأعلى لكل تخطيط لمستقبلها تسعى إلى التسامي إليه.
وعندها ندرك أن التصميم الحضاري للأمة قوة إرادة، واتباع وهوية. إنه محنة ذكاء وعصامية وعبقرية من أجل استرجاع الثقة في ابتناء الإيمان للحضارة.
وأما ثالث أصول هداية الدلالة والإرشاد فهو بيت الله الحرام. قال الله سبحانه : إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فبيت الهدى اختاره الله سبحانه ليكون المحضن الأول للرسالة الخاتمة، وأرض الحجاز خرجت بالبعثة النبوية من الظلمات إلى النور، ومن الخمول والعزلة إلى الشهرة والقيادة، والمركزية في العالم، وانتشرت لغتها وثقافتها في أوسع رقعة من الأرض، فبالبعثة النبوية صارت الدار الأولى لظهور الاسلام، ومعلمه الأول، ومهبط الوحي ومبعث الاسلام ومعقل الإيمان أولا وآخرا.
وصارت بطابعها الجديد بعد البعثة غرس محمد رسول الله وثمرة دعوته وجهده وجهاده فغدت وديعة رسول الله لأمته، فالله سبحانه عقد بين الحرمين وقلوب المسلمين للأبد وربط مصير أحدهما بالآخر. قال رسول الله «لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها فإذا تركوها وضيعوها هلكوا» والإيمان بارز إليها في آخر الزمان.
فاختيار الانسان واللسان والزمان والمكان محلا لوحي الله الخاتم لم يكن عبثا في واحد من أركانه.
لفته للعناية بالبعد المكاني واعتماده أصلا في أي دراسة للسيرة النبوية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كلمة الدكتور طلال أبو النور
المشرف على مشروع تعظيم البلد الحرام بمكة المكرمة

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>