أفق خدمة فقه الاجتماع في السيرة النبوية


ما أصعب أن تتناول السيرة النبوية الشريفة ويحاط بها وهي البحر الزاخر من زاوية فقه الاجتماع اللزج.
فيمكننا أن نتناول مفهوم فقه الاجتماع أولا من خلال حيثيات ثلاث :
< من حيث اجتماع الناس بالفطرة على الخير وضرورة الاجتماع للوصول إلى مقصد عمارة الأرض وتحقيق مبدإ الاستخلاف، من حيث ما يجمع الناس من دين ومعتقدات وأفكار، من حيث الفاعل الجامع الذي يجسد ما سبق: الهدف والوسيلة، وهو الإنسان النموذج، الجامع، العلم، القدوة الذي بصفاء قلبه تصفى قلوب الذين يجتمعون حوله، فأهل الجنة لا يجتمعون إلا بعد صفاء قلوبهم.
< كما يمكننا أن نتناول ثانيا، فقه الاجتماع في مفهومه المرتبط بالمعرفة الدقيقة والعميقة والشاملة والمحيطة بالمجتمع شكلاً ومضمونا وما يجري فيه من تحولات، وما ينشأ فيه من ظواهر، والقوانين والنواميس التي تتحكم فيها، من خلال منهجية معنية. ويبقى محور الاجتماع هو الإنسان في صيغة الجمع زمانا ومكانا.
وهنا نؤكد أن اجتماع الخلق حسب قوانين علم الاجتماع أساسه المصلحة وليس صفاء القلب.
وصفاء القلب ومصلحة العباد من التصورات الأساسية التي رسخها رسول الإسلام محمد . فقلب المؤمن الصافي السليم وسع من ليس كمثله شيء ”لم تسعني أرضي ولا سمائي وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن ”. وتحقيق مبدإ مصلحة العباد ينبني على القاعدة الثابتة ” أينما وجدت المصلحة فتم شرع الله ”.
وإذا كان علم الاجتماع يعرف المجتمع كشبكة للعلاقات الاجتماعية، فإن نبي الإسلام بنى المجتمع الإسلامي على أساس شبكة محكمة ومنظمة ودقيقة من العلاقات بين المسلمين فيما بينهم وبين مختلف مؤسسات المجتمع ودستور المدينة لدليل واضح على هذا، وأضاف إلى ذلك، وحيا من ربه، ما لم تشمله مختلف مدارس علم الاجتماع بمختلف اتجاهاتها المادية، وهو تنظيم العلاقة بين الإنسان وخالقه، والتي اعتبرها هذا العلم مسألة فردية مع اعترافه بدور الدين في صياغة الأنماط الاجتماعية.
وسيرة النبي الأعظم حافلة بالمواقف والأحداث التي تجسد شبكة العلاقات هاته والتي لم تغفل أي جانب من جوانب الحياة الاجتماعية للإنسان.
ففي خضم جهود الأمة لفتح آفاق جديدة لخدمة السيرة النبوية الشريفة، فإنه من الأجدر أن يستثمر هذا الوجه المشرق في التراث الإسلامي الحي ويقع التعريف به وسبر أغواره وجعله مجالا للبحث والدراسة وآلية من آليات الدعوة إلى الله.
فمن الآفاق الجديدة التي من الضروري فتحها الآن خدمة للسيرة النبوية العطرة: التعريف بها لدى غير المسلمين مشرقا ومغربا وذلك لاعتبارات عديدة أهما :
< أفول جميع الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على الصعيد العالمي وظهور محدوديتها
< تعطش العقلاء من البشر إلى عقيدة تحصنهم ودين يسعدهم وكثير من المسلمين في غفلة من أمرهم.
< الاستعداد بالقوة لكثير من غير المسلمين للاستنارة بهدي السيرة النبوية الشريفة إن هي وصلتهم وقابليتهم لتلقيها إن أحسن اختيار المنهج في ذلك، فكثير هم عظماء الغرب وعلماؤه، خاصة في مجال علم الاجتماع والسياسة والأخلاق. أصبحوا مفاتيح لنا لخدمة السيرة النبوية الشريفة وإيصالها إلى كافة مجتمعات العالم الغربية، لكونها تمثل النموذج الأمثل والواقعي، والذي رأوا فيه مثالا يحتذى لبناء مجتمع العدالة والحقوق، وذلك من خلال شهاداتهم بعظمة النبي محمد وقدرة دينه على حل مشاكل العالم المعقدة حاليا.
< ومن باب ” أدخلوا عليهم الباب” يستحسن من الناحية الإعلامية إحداث قناة تلفزية خاصة بعرض السيرة النبوية موجهة بالخصوص إلى الغرب وإعداد فيلم، باحترافية وجودة عاليتين، عن حياة الرسول موجه للعموم وللغربيين خاصة. ومن الناحية الأكاديمية إصدار مؤلف في السيرة النبوية العطرة يتضمن حياة الرسول حسب التسلسل الزمني يوما بيوم وشهرا بشهر وسنة بسنة.
< إصدار موسوعة للسيرة النبوية الشريفة في الكتابات الغربية وتوجيهها للغربيين على الخصوص.

الدكتور عبد الحميد البكدوري الأشقري
(مدير الإدماج الاجتماعي بكتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والأشخاص المعاقين – الرباط)

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>