د. محمد بن علي صالح الغامدي المدير العلمي لمشروع “السلام عليك أيها النبي” في حوار مع جريدة الـمحجة


في قضايا السيرة تقريبا وفقها واستثمارا وتنزيلا

 

بطاقة تعريفية

-  محمد بن علي بن صالح الغامدي: أستاذ مساعد في جامعة أم القرى – كلية الشريعة – مركز الدراسات الإسلامية.

- من مواليد عام 1385 هـ في منطقة الباحة.

- حاصل على الماجستير من كلية الدعوة وأصول الدين – قسم الكتاب والسنة، شعبة التفسير وعلومه، من جامعة أم القرى بمكة المكرمة.

- حاصل على درجة الدكتوراه من كلية أصول الدين – قسم التفسير وعلومه، من جامعة أم درمان الإسلامية.

- حاصل على درجة الدكتوراه من كلية الدعوة وأصول الدين – قسم الكتاب والسنة، شعبة الحديث وعلومه.

- حاليا يعمل مديراً علمياً لمشروع “السلام عليك أيها النبي”.

 

 

+تعددت أوجه خدمة الأمة للسيرة النبوية فما هي الخدمة التي يقدمها مشروعكم؟ وكيف ظهرت فكرته ؟ وما هو النقص الذي يغطيه؟

- -الحقيقة هنا نتكلم عن مشروع كبير، مشروع أمة بكاملها، بدأ العمل فيه في مكة المكرمة، مؤسسه هو المشرف العام عليه الأستاذ الفاضل الدكتور ناصر الزهراني، بدأت الفكرة على أن يُؤلَّف كتابا أو موسوعة مختصَرة عن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولكن الموضوع تشعّب وتنوع حتى خرج إلى تعريف بدين الإسلام من خلال استعراض سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وبما يتعلق به عليه الصلاة والسلام في هديه الخاص في نفسه، وفيما يتعلق بأخلاقه الشريفة، وفيما يتعلق بتعاملاته مع أهل بيته ومع صحابته ومع مخالفيه، وما الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الإنسان، من حيث هو إنسان، وكيف حفظ هذا الدين كرامة الإنسان مهما كان دينه ومهما كان مذهبه، كيف رعى الإسلام جانب المرأة وحفظ حقوقها، كيف حفظ الإسلام جانب البيئة وكيف تُرعى وتُحفَظ، ما هي وسائل السلامة الشرعية الواردة في هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

فالمقصود أن هذا المشروع هو بوابة كبيرة للتعريف بدين الإسلام من خلال سيرة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم بأسلوب عصري شائق ومتنوع، من أبرز مظاهر هذا المشروع الكبير الذي هو مشروع “السلام عليك أيها النبي” هو ما يتعلق بشرح عمليّ، أو هو “الشرح المنظور لسيرة سيد البشرصلى الله عليه وسلم”.

- +ماذا تقصدون بالشرح المنظور والعملي للسيرة النبوية؟

- فكرة هذا المشروع أو هذه الجزئية من المشروع هو في الحقيقة يصلح أن يُسمّى متحفا، لأننا نقوم مع الفريق العلمي الكبير الذي يعمل معنا في هذا المشروع بإعداد أبحاث معمَّقة تفصيلية في كل ما يصلح أن يُصنَّع وأن يُجلَب، مما ورد في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص، ثم خرجنا إلى ما ورد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف عموماً، ثم خرجنا إلى ما هو أشمل كل ما ورد في القرآن الكريم، وما ورد في السنة النبوية، وما ورد في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، من أطعمة ومن أشربة ومن ألبسة، ومن أوان، ومن سلاح، وكل هذه الأمور نحضر فيها أبحاثا معمقة ثم نتحوّل إلى جانب تصنيعها عن طريق جهة معتَبرة وهو اتحاد الأثريين العرب في القاهرة اتفقنا معهم على أن يكونوا جهة إشرافية على هذا الجانب من المشروع وهو جانب المتحف، حيث يقومون بإعداد الدراسات الأثرية بناء على ما قمنا بإعداده نحن من دراسات أثرية من نصوص السنة النبوية والسيرة الشريفة ثم يقومون بتصنيعها بعد ذلك، بمعنى أن نقوم بتصنيع ما يرد في السنة والسيرة من موادّ وأسماء ذهبت عنا ولم يبق لنا منها إلا الأسماء في عصرنا الحديث، فعندما نمر على حديث أن النبيصلى الله عليه وسلم صلَّى إلى عَنَزَة، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من الرّكْوَة، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل المِدْرَة، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بالمُدّ واغتسل بالصَّاع. ما هي هذه الموجودات؟ وما هي هيئتها وكيفيتها؟ هذا ما يُعنى به هذا المتحف، بمعنى أن نقوم بإعداد هذه الدراسات ثم نصنعها لتكون وسيلة تعليمية  منظورة ومشاهدة.

-هل يمكن الاستفادة من هذا المشروع في المجال التربوي والتعليمي والدعوي والتعريفي بالإسلام؟

+نعم نتوق من خلال هذا المشروع مساعدة المدرسين والمعلمين للسيرة النبوية والسنة والقرآن أيضا فيما تعلق بهذا الجانب أن نقدم لهم “شرحا منظورا للسنة والسيرة الشريفة” أو شرحا عمليا بحيث لا يحتاجون إلى مزيد جهد عندما يريدون أن يشرحوا لطلابهم وللمتعلمين أسماء من السيرة فيعنتهم البحث في استنطاق الكتب وقد لا يسعف ذلك في تصوير المسألة، وهذا الشرح ييسر كثيرا من الأمور؛ إذ ما على المدرس إلا أن يحضر هذه المادة؛ فيقول لتلاميذه وطلابه مثلا : هذا هو الصَّاع، وهذا هو المُدّ، وهذه هي المِدْرَة، وهذه هي العَنَزَة، وهكذا، وبفضل الله تم حصر أكثر من ألفي مادة تصلح أن تُصنّع حتى عندما يأتي في القرآن الكريم حتى قول الله جل وعلا، (حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)، ما هو العرجون القديم؟ نأتي ونجلبه، حتى قول الله عز وجل (وَغَرَابِيبُ سُودٌ)، ما هي الغرابيب السود؟ نأتي ونصنّعهاونحضرها وتصبح مشاهدة منظورة للقارئ.

هذه الفكرة نزعم بإذن الله تعالى أنها ستساهم في رفع مستوى الوعي والإدراك لدى الناشئة ولدى عموم المسلمين، بل وغير المسلمين، ليعرفوا هذه المسميات التي نجدها منثورة في ثنايا وبطون كتب أهل العلم في كتب الحديث وكتب السيرة وغيرها، فسوف تتمثل مجسَّدة على هيئة أشكال منظورة وأحيانا قد نستخدم التقنية الحديثة مما يسمى بالأبعاد الثلاثية، وعن طريق الشاشات وهكذا حتى تصبح رأي العين ويصير بالإمكان إدراكها بإحدى الحواس، هذه الفكرة ستنقل الصورة، أو سيرة المصطفىصلى الله عليه وسلم بشكل تصويري إلى المجتمع المسلم وغير المسلم ليعلموا أننا نعرف عن نبينا عليه الصلاة والسلام أدق التفاصيل وأدق الأمور، بل إن هذا المشروع من أبرز أهدافه العظيمة أنه سوف يُقرّب الصورة لدى كل متشوّف لمعرفة كيف عاش هذا النبيصلى الله عليه وسلم؟ ما هو ضحكه؟ ما الذي أبكاه؟ ما الذي أضحكه؟ كيف كانت عبادته؟ كيف كانطعامه؟ كيف كان لباسه؟ كيف كان شرابه؟ سنعرف نحن  وسنعرف أهل العلم خاصة قيمة ذلك وأثره في استيعاب السيرة والسنة

- كيف يمكن تعميم هذا المشروع على أبناء الأمة في العالم الإسلامي؟

+في الحقيقة هذه الفكرة لها محل اعتبار في المشروع ونسعى جاهدين لتوسيعها وتعميم الاستفادة منها عالميا ولذلك عندنا الآن معرض مقام في مكة المكرمة وسينقل إلى حواضر العالم بإذن الله تعالى وسيكون للمملكة المغربية نصيب بإذن الله تعالى، وقد حصل بعض التفاهم في هذا الموضوع أقصد إقامة معرض دائم يُجسِّد هذه الأمور ليأتي الزائر طالب المعرفة الذي يريد أن يعرف النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان من غير المسلمين.

- إلى جانب هذا  كيف يمكننا أن نخدم هذه السيرة ونقربها إلى أجيالنا من غير هذه من حيث فقه السيرة وفقه الدعوة من خلال سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

+حقيقة هذا سؤال عريض ومهم، فإن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لاشك أننا نتعبد الله بقراءتها والنظر فيها والتأمل فيها لأنها تتناول سيرة سيد الخلق عليه الصلاة والسلام وخاتم الرسل عليه الصلاة والسلام، وفقه السيرة هذا هو الجانب المتعلق بتفعيل الجانب المعرفي النظري في استنباط الهدايات والتوجيهات النبوية ونقلها إلى حيز الوجود وحيز التنفيذ ليصبح واقعاً ملموساً معيشاً يعيشه الإنسان في نفسه ويربي عليه خاصته من أهله وأبنائه وآل بيته وتلاميذه ومريديه فتنعكس هذه المعرفة النظرية إلى سلوك عملي تطبيقي، من هنا فإن فقه السيرة هو من أجلّ ما ينبغي العناية به، لأننا عندما نتحدث عن سيرة بعض العظماء فإن النفوس أحيانا تتشوف إلى معرفة بعض ما كانوا عليه وهم بشر من البشر، فما بالك إذا كان الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان تبسمه عبادة، وضحكه عبادة، وبكاؤه عبادة، ونومه عبادة، وهديه كاملاً عليه الصلاة والسلام هو مكان للاقتداء والائتساء، ولذا كما قال الله عز وجل (لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)، فهذا دليل على أن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يجب أن تُترجم إلى واقع عملي ويساعد على ذلك فقه السيرة فنحن نحتاج إلى استنهاض الهمم، استنهاض الهمم من المعلمين والمربين والموجهين في الأمة وفي كافة التخصصات إلى تفعيل هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الدين كله، هو الحياة كلها عليه الصلاة والسلام، محمد صلى الله عليه وسلم كان قائدا، كان سياسيا مُحنّكاً، كان مربياً، كان أباً، كان عليه الصلاة والسلام جاراً، كان محارباً، كان محِبّاً، كان محبا للمساكين، كل هذا هدي، فإذا ما استفدناه ووظفناه فيما يسمى بفقه السيرة فسنكون على الطريق الصحيحوآنذاك ستتأهل الأمة إلى مرحلة وأكرر مرة أخرى أننا بحاجة ماسة إلى أن ننشر هذا الفقه ونحاول أن نترجم نتائجه إلى تطبيق واستثمارها في إصلاح الأمة والناس أجمعين ليكون هديه صلى الله عليه وسلم في واقع حياتهم، وليكونوا ترجمانا ومثالا حيا يستفيد منه الناشئة، ثم حتى إذا تكلموا لم يكن كلامهم في جانب النظري فقط ولكن في جانب السلوك أيضا.

-هل من كلمة أخيرة؟

+أختم بالقول بأننا في حاجة إلى استنهاض المؤسسات والمدارس والجامعات والمراكز ودور التحفيظ ودور التعليم استنهاضها كلها إلى أن تصبح هذه معرفتنا بالسيرة النبوية واقعا عمليا نطبقها في حياتنا. فسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الدين كله

شكرا لفضيلة الأستاذ الكريم وإلى مناسبة أخرى إن شاء الله.

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>