“بلسان عربي مبين”


{وَإنَّهُ لَتَنْزيلُ رَبِّ العَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الامِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرينَ * بِلِسَاٍن عَرَبِيٍّ مُبِين {(الشعراء: 192-195).

بهذا وصف الله تعالى كتابه المبين الذي نزله على عبده ورسوله محمد(ص)، ليثبت معجزتين عظيمتين :

1-  أن محمدا بن عبد الله رسول من رب العالمين ورحمة للعالمين {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، ولم يصفه رب العزة بأنه نبي “عربي”، ولكنه تعالى وصفه بأنه “النبي الأمي”، لتكون أميته إحدى المعجزات العظام التي أُيد بها(ص)وهو رسول إلى العالمين..

2- أن القرآن الكريم الذي أُنزل عليه، هو {تنزيل من رب العالمين} وذِكر لهم، {إن هو إلا ذكر للعالمين}. جعله الله تعالى {قرآنا عربيا}، وأنزله “بلسان عربي مبين”. وهذا  تنصيص واضح على أن القرآن الكريم وإن كان عربي اللسان فإنه ليس قومي الهوية، ولكنه رسالة للعالمين، لمن شاء منهم أن يستقيم.

من هذا المنطلق كانت العربية لسان أمة الإسلام على امتداد التاريخ، دونت بها آدابها وعلومها ومعارفها بجميع الفروع والتخصصات ولم تعجزـ وأنى لها ذلك وهي لسان الذكر الحكيم ـ أن تعبر عن خيال أدبي أو حقيقة علمية، فكان علماء العجم النابغون فيها أو الذين كتبوا بها أكثر من علماء العرب، في المشرق والمغرب على حد سواء.

وبسبب هذه المكانة الشريفة للغة العربية، اعتُمد الحرف العربي أداة لكتابة لغات الشعوب الإسلامية لحفظ خصوصيات الثقافات المحلية، ولم يعجز هذا الحرف أيضا عن التكيّف مع الخصوصيات الصوتية والمعجمية لهذه اللغات، بل على العكس من ذلك اكتسب جماليات خاصة  تبعا للغة المستعمِلة له، ووجِدت نتيجة ذلك عدد من ألفبائيات لغات الشعوب الإسلامية كالفارسية والأردية والتركية والإيغورية والجاوية والسواحلية الإفريقية وغير ذلك، وكلها في أصلها حروف عربية. بل وحتى الإسبانية كتبت هي الأخرى في مراحل زمنية معروفة بالحرف العربي.

ثم دار الزمان دورته، فتم القضاء منذ بداية القرن العشرين الميلادي على الحرف العربي في مناطق عديدة من آسيا وإفريقيا ووضعت مكانه حروف أخرى من أصل لاتيني أو إغريقي أو غير ذلك، وبدأت أصوات تتعالى منادية بكتابة اللغة العربية ذاتها بالحرف اللاتيني، لتظهر بعد ذلك أصوات أخرى تنادي بالاستغناء عن العربية أصلا وفرعا، ووضْع مكانها لغات أوروبية أو لهجات محلية. كل ذلك في خطوات مدروسة لتحجيم الإسلام وتقليص وجوده على الأرض بمحو الآثار الدالة عليه.

ولكن يأبى الله إلا أن يتم نور العربية كما أتم نور الإسلام، لتعود الشعوب الإسلامية من جديد إلى تعلّم اللسان العربي الأصيل، ولتضع دول إسلامية خططا لتعميم تعليم العربية بشكل كامل، بل كان من فضل الله أن أقلبت شرائح وفئات واسعة من المجتمعات غير المسلمة في أوروبا وأمريكا  وآسيا على تعلم العربية بشكل كبير.

واليوم إذ يحتفي العالم بعدة مناسبات أقرتها هيئات عربية ودولية، منها ذكرى شهر مارس، وظهرت إلى الوجود هيآت أخرى تداعت إلى حماية اللغة العربية مما ألحق بها أهلوها من التهميش والإقصاء، فإن المسلمين ـ ولا أقول العرب فقط ـ مطالبون ببذل مزيد من الجهود لإعادة صرح اللغة العربية إلى الوجود منيرا وضاء ناصعا كما كان عبر القرون، بعيدا عن كل ما يلوث صفاءه من الهُجنة المقرِفة، وليظل القرآن بيانا للناس، كل الناس، ورسالة للعالمين ورحمة وهداية لهم.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>